العدد 13 - أردني
 

السّجل - خاص

تتضافر ازدواجية العوز وثقافة الاستغلال في طبع تقاسيم رجولة على أطفال أجبروا على ولوج سوق عمل لا يرحم في بلد لم تثمر حتى الآن سلسلة استراتيجيات وطنية ودولية للجم هذه الظاهرة الآخذة في الازدياد.

بعد أقل من عام على إطلاق مشروع لسحب 30 طفلاً من سوق العمل، قرّرت وزارة العمل وقف هذا المشروع، بحسب مديرة وحدة عمل الأطفال في وزارة العمل غادة دراوشة.

وترجع الوزارة ذلك إلى "صعوبة إلزام الأطفال بالتقيد بمرحلة التأهيل التي يتطلبها المشروع، فضلا عن تعذر إقناعهم أنفسهم وذويهم بجدوى هذه البرامج".

ولا تنكر دراوشة وجود "نقص" في عدد مفتشي العمل في الوزارة، بالذات المختصين في متابعة عمالة الأطفال، موضحة أن الوزارة تدرس حاليا إطلاق مشروع آخر بالتعاون مع منظمة العمل الدولية (ILO ) بهدف الحد من عمالة الأطفال.

يسعى هذا المشروع الجديد لسحب 3000 طفل عامل تحت سن 18 عاما ينخرطون في أعمال شاقّة ودعمهم اجتماعيا بعد أن يتم تحديد أماكن عملهم وإقامتهم.

بيد أن استكمال متطلبات المشروع، من تمويل ودراسات وتجهيزات، يحتاج إلى عامين على الأقل، وفق دراوشة.

ورغم تعدد برامج مواجهة عمل الأطفال الذي يؤرق جهات رسمية وأهلية على حد سواء، تفتقد المملكة حتى الآن لإحصائية تحدّد بدقة حجم انتشار عمالة الأطفال التي اجتهدت دراسات كثيرة في تناولها. فلا يوجد قاعدة بيانات متكاملة في وزارة العمل أو أي جهة رسمية أخرى حول عمالة الأطفال.

على أن الوزارة تعتمد مؤشرا موازيا لقياس عمالة الأطفال إذ ترصد تسرب 6000 طفل من المدارس التي تضم مليونا و200 ألف طالب وطالبة.

ولتجاوز هذه المشكلة ستباشر الوزارة، بحسب دراوشة، في تنفيذ مسح يشمل المحافظات كافة لرصد عدد الأطفال العاملين في الأردن وتوزيعهم وفئاتهم وظروف كل منهم.

على تعدد قصص الأطفال العاملين واختلافها، يظل الفقر والحاجة قاسما مشتركا يدفع بالآلاف منهم لمغادرة دفء الأسرة وهجر مناهل العلم إلى "أعمال شاقة" يقايضون فيها حبّات عرقهم بدنانير قليلة تعيل أسر مزق بعضها الحرمان.

جل الأطفال العاملين يرفضون الحديث إلى الإعلام، ويخشون البوح بأسرارهم وما يكتنف نفوسهم وهم يشاهدون بحسرة أقرانهم يحملون كتبهم ويتوجهون إلى مدارسهم لرشف العلم.

دافعهم في ذلك الخوف من سحبهم من سوق العمل بغية إعادتهم إلى مدارسهم، والخشية من "فضح" أسرار أسر تعيش على التعفف عن مد اليد وطلب المساعدة.

لكن عدد ممن قبل التصريح، وطلب عدم نشر اسمه كاملا، أظهروا بأنهم على علم بأنهم يتعرضون لاستغلال رب العمل، إن لجهة ساعات العناء الطويلة يوميا، أو لجهة تدني الأجر.

ويجتهد الشقيقان أحمد ومحمد في ورشة دهان سيارات، لتحصيل 90 دينارا لكليهما مع نهاية كل شهر علّها تخفف قليلا من الأعباء المادية التي ترزح تحتها عائلتهما.

ولا يخفى على الصغيرين، اللذين لمّا يتجاوز أكبرهما الثالثة عشر من عمره، حجم الاستغلال اليومي الذي يمارسه صاحب العمل بحقهما. بيد أنهما يعلمان أيضا أن ما يجنياه شهريا "بيساعد" إضافة إلى راتب المعونة الوطنية (50 دينارا) في استمرار حياة العائلة المكونة من ثلاثة أطفال وأمهم، والتي شتّتها طلاق الوالدين.

وتعاقب قوانين وزارة العمل مستغلي الأطفال العاملين بغرامات مالية تتراوح بين 100 و500 دينار تتضاعف في حال التكرار. إلا أن تعديلا على تلك العقوبة مايزال يخضع للدراسة حاليا قد يرفع قيمة الغرامة إلى ألف دينار في حدها الأقصى لغير المكررين.

ويعلم بعض الأطفال العاملين، ومنهم محمد (14 عاما)، بأنهم يعملون في شكل غير قانوني ما يضطرهم لقبول أجر زهيد مقارنة مع حجم الجهد والكد الذي يبذلونه.

ويرجع أستاذ علم الإجتماع الدكتور موسى شتيوي أسباب عمل الأطفال إلى سوء الأوضاع الإقتصادية والتفكك الأسري الذي يدفع الأطفال لتحمل مسؤولية الأنفاق على أسرهم.

ويقع تدني الوعي الأسري وعدم ايلاء الأهمية في توجيه الأطفال وتعليمهم في مقدمة أسباب تسرب الأطفال من المدارس وعملهم مبكرا، بحسب شتيوي.

يحذّر شتيوي من عمل الأطفال في سن مبكرة لانعكاساته السلبية على نموهم وذهنهم، إلى جانب استغلالهم من قبل العاملين لديهم ماليا وجسديا.

ويعتبر أن معالجة هذه الظاهرة "ليس سحريا" لأن هؤلاء الأطفال يعملون في أماكن غير مرئية وواضحة للجهات الرسمية التي لا تتمكن معها من الوصول اليهم.

ويرى شتيوي أن على وزارة العمل تغيير القوانين المتعلقة بعمل الأطفال من حيث تغليط العقوبات على أصحاب العمل الذين يعمدون الى تشغيل هذه الفئات وخاصة أنها تتقاضى أجورا زهيدة.

ويحصل الأطفال العاملين على دنانير معدودة لقاء كدّهم وتعبهم، بحسب دراسة أجرتها وزارة العمل نهاية العام الماضي وشملت 387 طفلا عاملا من الفئة العمرية 9 - 17 عاما من محافظات العاصمة والزرقاء والبلقاء وإربد ومادبا والعقبة.

ومن أجل تشجيع الأطفال العاملين على ترك سوق العمل والتوجه إلى برامج تأهيلية، باشر المشروع الوطني للحد والقضاء على عمل الأطفال في المملكة تنفيذ جملة إجراءات جديدة تستهدف محاربة عمالة الأطفال.

ومنذ شباط (فبراير) الماضي، دخلت مذكرة تفاهم وقعها المشروع الوطني مع مؤسسة التدريب المهني، حيز التنفيذ. وتقضي الاتفاقية بتصنيف الأطفال الملتحقين بالمشروع حسب أعمارهم بحيث يتلقى الأطفال في الفئة العمرية بين 11 و16 عاما إرشادات مهنية تركز على توجيههم نحو التدريب المهني، بينما يتلقى الأطفال في الفئة بين 16 و18 عاما دورات تدريب مهني، وفق ما ذكرته سابقا مديرة المشروع السيدة نهاية دبدوب.

وبحسب ذات المذكرة، تعطي مؤسسة التدريب المهني الأولوية للأطفال الملتحقين بالمشروع للتدريب على مختلف المهن في ضوء الشواغر المتوفرة لدى المؤسسة مع النظر إلى رغبات الأطفال أنفسهم، بحسب دبدوب.

ويأتي ذلك في وقت وصل فيه عدد الأطفال الملتحقين في برامج تأهيلية ينفذها المشروع إلى نحو 700 طفل، بحسب دبدوب.

ويعقد المشروع حاليا دورات متخصصة للأطفال الملتحقين فيه تشمل دورات مهارات الحياة الأساسية ودورات أخرى منوعة كالرسم والفنون وسواها، وفق دبدوب.

وتشير معلومات المشروع إلى أن أكثر من نصف الأطفال العاملين (57 %) هم من محافظة العاصمة، تليها محافظة الزرقاء بـ21% وإربد بـ8 %.

وتشجع أسر على عمل الأطفال ضمن أطر واضحة وأعمال بسيطة وذات فائدة بحيث لا تؤثر سلبا عليهم وتعمل على صقل مهاراتهم وشخصيتهم، فيما ترى أسر أخرى أن عمل الأطفال في مختلف المجالات ضرورة لمساعدتها إقتصاديا.

ويرى محمود قطيشات، تاجر مفروشات، أن عمل الأطفال في مهن غير شاقة وبسيطة يساهم في صقل شخصيتهم وإكسابهم مهارات مختلفة دون أن تنعكس عليهم سلبا.

يقول قطيشات "أطفالي يعملون خلال عطلتهم الصيفية في متجر المفروشات الذي أملكه حيث يقومون بالتدرب على كيفية التعامل مع الزبائن وبيعهم وتولي عملية الحسابات".

لكنه يرفض في ذات الوقت عمل الأطفال في أماكن غير لائقة ودون مراقبة من الأهالي، مثل محلات تصليح السيارات وبيع المنتوجات المختلفة في الشوارع، باعتبار أنهم عرضة للاستغلال من أصحاب العمل سواء ماليا أم جسديا

على أن رأفت شاهين لا يمانع من عمل أطفاله في أي مكان كان، شريطة أن يدر دخلا مناسبا عليهم لمساعدته في الأنفاق على أسرته.

ويرى أن الأطفال وإن عملوا في أعمال شاقة وغير لائقة فإن ذلك يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، وصقل شخصيتهم واكسابهم مهارات مختلفة.

وضمن خطوات التوسع في تنفيذ برامج محاربة عمل الأطفال، افتتح المشروع الوطني أخيرا ثلاث غرف صفية في مركز سحاب خصصت اثنتان منها لبرامج محو الأمية، واحدة للإناث وبلغ عدد الملتحقات فيها 13 تلميذة، وأخرى للذكور وبلغ عدد الملتحقين فيها 40 تلميذا، بحسب دبدوب التي أوضحت أن الصف الثالث خصص لبرنامج ثقافة المتسربين.

ويخصص برنامج "ثقافة المتسربين" للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16. وتنفذه وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المشروع، بهدف إعادة تأهليهم بعد رفضهم العودة إلى مدارسهم التي تركوها منذ عدة سنوات لأسباب متعددة.

ويتلقى الملتحقون ببرنامج "ثقافة المتسربين" علوما مكثفة "تعادل 10 سنوات دراسية"، وفق دبدوب التي أوضحت أن البرنامج يسعى كذلك إلى معالجة أسباب التسرب وأبرزها اقتصادية وأخرى تتعلق بتعرضهم للضرب في مدارسهم.

وتبعا لتقرير صادر عن وحدة عمل الأطفال في وزارة العمل للعام الماضي، فإن معظم الأطفال يعملون في مهن تصليح وصيانة المركبات بنحو 40% وحوالي 10% في مهن النجارة، وأما نسبة العمال الذين لا يحتاجون مهنة ثابتة فبلغت 17%.

ووفق التقرير، فإن نحو 70% من الاطفال يحصلون على دخل أقل من الحد الأدنى للأجور والذي يبلغ 110 دنانير، فيما تشير البيانات إلى أن 10% من الاطفال يحصلون على أجر يعادل أقل من دينار واحد يوميا.

وأمام متوالية ارتفاع الأسعار في ظل صخب واقع حياة لا ترحم، يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم مدفوعين ليكونوا رجالا يسندون أسرهم في وقت شدة لا يبدو أن له نهاية في قريب عاجل، لتضيع سني نعومة أظفارهم تحت وطأة الجوع والفاقة.

تعثر مشاريع سحب الأطفال من سوق العمل..المشكلة تتفاقم في غياب قاعدة بيانات
 
14-Feb-2008
 
العدد 13