العدد 2 - ثقافي
 

بتوقف أنفاسه بعد صراع طويل مع المرض، يكون الفنان المصري الشهير يونس شلبي قد طوى مسيرة من الدراما المسرحية والسينمائية والتلفزيونية امتدت على مساحة زهاء 35 عاما.

ورغم بدايته المتأخرة نسبيا (بدأ شلبي التمثيل بعد تجاوزه الثلاثين من عمره)، إلا إن المشارك الرئيسي في مسرحيتي «مدرسة المشاغبين» و»العيال كبرت» صنع لنفسه في قلب الدراما العربية نكهة خاصة، فقد أسهم في إنجاح المسرحيتين وانتشارهما وتذوق جمهور عربي عريض وممتد على جهات الوطن الكبير طعمها كماركة مسجلة باسمه.

واللافت في مسيرة شلبي أن ما حققه في مسرحيتين كوميديتين (تجاريتين)، لم يحققه في 37 فيلما سينمائيا لعب فيها دور بطولة رئيسي أو ثانوي.

وفي سياق آخر تطرح المحنة التي تعرض لها الفنان الخلوق والمنطوي على نفسه إلى حد ما، منذ دخوله دوامة المرض واضطراره إلى بيع ممتلكاته وأشيائه الغالية تباعا ليتمكن من مواصلة جولات العلاج وإجراء العمليات الجراحية اللازمة، أسئلة كبرى حول وضع الفنان العربي، ومسؤوليات دولته تجاهه، وكذلك مسؤوليات النقابة التي تمثله، والالتزام الأخلاقي الشخصي من قبل زملائه الذين في حالة شلبي انفضوا من حوله مبكرا حتى من كان يدعي منهم صداقة حميمة تربطه به. وتعليقا على الدراما المرعبة المتعلقة بموت شلبي يوم الاثنين الماضي وحيدا منسيا قال المهندس الزراعي عيد هشلمون «عاش ليضحكنا وعندما مرض نسيه العالم ومات اليوم فقيراً ومعدماً ومنسياً".

والإهمال وتجاهل الأوضاع ليس مقتصرا على شلبي وحده، فثمة حالات صارخة أخرى، يعاني منها فنانو الصف الثانى والثالث في مصر ممن لا يتقاضون الملايين كنجوم الصف الأول، ومنهم الفنان الكوميدى يوسف داود، الذي أجرى عملية زرع كلى كلفت مائة ألف جنيه مصري، ولم تدفع له نقابة الفنانين المصريين منها سوى 1000 جنيه، ما اضطره إلى الاستلاف لإجرائها من خارج الوسط الفنى، وليؤكد:"الحمد لله أنى وجدت من يسلفنى فى هذا الزمن الصعب"، ويضيف "بالنسبة للنقابة فهى أشبه بحصان ملجم بالروتين وضعف الإمكانات وقلة الصلاحيات التى تحول دون تدخلها تدخلا فعالا، ولابد أن يتعاون الفنانون فيما بينهم وينشئون صندوقا للزمالة كل فنان يدفع ولو 5 % من أجره لأن الدنيا دوارة، أما النقابة فكل الذى تدفعه ألف جنيه وما يزيد على نفقة المريض، رغم أنى أدفع لهم الاشتراك السنوى والرعاية الصحية ونسبة الـ 2 %. "

ويضيف داود في تصريح لوسيلة إعلام مصرية "لست وحدي المريض فهناك زملاء كثر منهم سيد زيان وحسين الشربيني ومحمد أبو الحسن المشلول فى بيته وغيرهم"

ومنذ العام 1993 بدأت قصة شلبي مع المرض، ولم يقدم بعد ذلك التاريخ سوى أعمال قليلة، وكانت ابنته الصغرى وقتها (لشلبي ست بنات) في الحضانة، وإذا كان باع شلبي أثاثه ومن ثم بيته، فإن الفنانة مريم فخر الدين باعت قبل أعوام كل مصاغها لتتمكن من إجراء عملية استئصال كلى، مفضلة هذا الإجراء على التسول من نقابتها كما كانت صرحت وقتها للأصدقاء والمقربين.

ولفت شلبي المولود في العام 1941 الأنظار اليه، بشدة، في مشاهد من مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي خرجت رموز الكوميديا المصرية في الفترة بين عهد فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وبين عهد محمد هنيدي ومحمد سعد وأحمد حلمي، التي يعيشها الفن المصري الآن.

وبحسب الناقد والكاتب الصحافي المصري أسامة الغزولي، فإن كوميديا المهندس ومدبولي كانت كوميديا "عصر التكنوقراط" فالطريقة التي ينطق بها فؤاد المهندس (يقول الغزولي) وهو ابن فقيه اللغة العربية الدكتور زكي المهندس، تنم عن حرص على مخارج الحروف وعلى النسق الموسيقي للعبارة. وحركات المهندس فيها اعتزاز بالنفس قد يصل الى درجة الخيلاء، شأن كل التكنوقراط، أو من يصنعون مجدهم بالشهادات العلمية.

وطريقة مدبولي في الاضحاك هي ايضا وثيقة الصلة بخلفيته الأكاديمية فهو يعيد ويزيد وينوع في التنغيم، كما ينوع فنان الزخرفة في التفاصيل التي يبدعها، لأن مدبولي كان استاذا للزخرفة في كلية الفنون.

ويرى الغزولي إن "يونس شلبي ورفاقه كانوا نجوم عصر مختلف، نجوم عصر الفهلوة".

العصر الذي قيل له ان كل القواعد التي التزم بها الشرق العربي وهو يتعامل مع الأصدقاء والأعداء انتهت الى طريق مسدود حين تحطمت الطائرات عند فجر الخامس من يونيو 1967.

خلاصة فلسفة "الفهلوة" انك قد تصل الى ذروة النجاح ولو كنت شديد البلاهة لأن النجاح لا يحتاج الى ذكاء، بل الى استذكاء. ولا يحتاج الى ظرف، بل الى استظراف. ولا علاقة له بالعلم أو الكد أو الاجتهاد.

ولهذا السبب فإن المشاهد التي لمع فيها شلبي كانت تلك التي صورت بلاهة شديدة وعجزا عن النطق بلفظ صحيح أو بعبارة ذات معنى».

ويشير إلى إن نجوم عصر الفهلوة لم يكونو أغبياء أو ثقلاء الظل أو كسالى، "كانوا رجالا ونساء مجتهدين وكادحين بينهم أحمد زكي وسعيد صالح وسهير البابلي، وفي مقدمة الجميع عادل امام.

رصدوا عصرهم وفهموه وكشفوا سوءاته وضحكوا عليه وعلينا وعلى أنفسهم وأضحكونا معهم.

وتنوعت مستويات اجتهادهم وقدرة كل واحد منهم على ان يجاري زمنه أو حتى يسبقه، فأحمد زكي في مدرسة المشاغبين ممثل بسيط وساذج مقارنة بأحمد زكي في "حليم"، وعادل امام في "مرجان أحمد مرجان" هو غير عادل امام في أي دور سابق".

وعلى غير شاكلتهم بحسب الغزولي، سقط شلبي في فخ النجاح الأول، تحقق نجاحه الأول بأداء دور العبيط فراح يكرر نفسه حتى مله الناس وتجاوزته الأيام.

كان فيه شيء يجعلك تنجذب اليه وتتعاطف معه. تظل تتطلع اليه في انتظار ان يأتي بالجديد والمبتكر. وعندما لا يفعل تنصرف عنه.

وكلما خبت الأضواء من حوله كلما تكاثرت بلايا الأمراض المرتبطة بالسمنة وقلة الحركة، وكلما قلت الشهرة قل المال وقلت القدرة على مقاومة المرض.

كان أشبه برجل قال لك نكتة اضحكك بها قبل ثلاثين عاما، ثم ظل طوال الأعوام الثلاثين يرددها كلما التقيته فلم يعد أمامك الا ان تهرب منه. ولأنه مثّل فيلما كتب قصته عماد أديب وأخرجته ايناس الدغيدي بعنوان ‘امرأة واحدة لا تكفي’ فمن المناسب ان تلخص مأساته في أن نكتة واحدة لا تكفي لصنع تاريخ من النجاح في عالم الكوميديا.

ومن أعمال شلبي السينمائية اللافتة "الكرنك" و"سقطت في بحر العسل" و"ألف بوسة وبوسة"، وتلفزيونيا لمع شلبي في مسلسلي "عيون" و"سبع صنايع" وعلى الشاشة نفسها قدم شلبي مسلسل عرائس الأطفال "بوغي وطمطم" الذي اعتبره مختصون ونقاد أهم أعماله على الإطلاق.

يونس شلبي: نكتة واحدة لا تكفي – محمد سعادة
 
15-Nov-2007
 
العدد 2