العدد 13 - اقليمي
 

معن البياري

من المضحكات المبكيات في متاهة العلاقات الصعبة بين دمشق وبيروت، أن وزير الخارجية السورية وليد المعلم (مثلاً) يواظب على إطلاق تصريحات عن وجوب مشاركة حقيقية للمعارضة اللبنانية في حكومة وحدة وطنية في بلادها، ويحدّد عدد مقاعدها الوزارية في هذه الحكومة، ولا يحيد عنه.والمفارقة أن الحكم في دمشق لا يرى وجوداً لفعاليات معارضة ومثقفة في غير السجون، بدعاوى واتهامات تبعث على الحزن. ويكون واجباً أن تعلو أصوات المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب في المطالبة بالإفراج عن نخب لها إسهامها الطيّب في النقاش الديمقراطي، والحقوقي، والوطني، والعربي ،ومطالبة السلطات بالكفّ عن اعتقالهم إذا ما بادروا لإعلان رأي أو موقف لا تستمزجه، ولا يثير لديها رغبة بالحوار بشأنه.

وبهذا يبدو في مكانه وزمانه نداء مثقفين سوريين في 22 كانون الثاني / يناير الماضي بمناسبة «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008»، وتوجهوا فيه إلى ضيوف بلادهم المشاركين في الأنشطة الخاصة بالمناسبة،أن لا يعودوا من دمشق دون إيماءة تضامن ملموسة وصريحة وشجاعة، مع معتقلي الرأي محبي الحرية والحق والجمال من أبناء سورية. وأصاب الموقعون على النداء، ومنهم سليم بركات، وصبحي حديدي، ونوري الجراح، وبشير البكر، وعلي كنعان، وبرهان غليون، ورنا قباني، وخليل النعيمي، في إشارتهم إلى أن مسؤولية أخلاقية وإنسانية ومبدئية تقع على عاتق الضيوف..

يجري التأكيد على هذا، في الأفق السياسي والثقافي والمدني العربي، في وقت تتوالى فيه بيانات التنديد بحملات سجن المثقفين المعارضين والمطالبة بالإفراج الفوري عنهم،من الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وقد استخدم بوش الأمر للتهديد والوعيد للنظام في سورية، فكان رد الأخير، مصادفة أو بدونها، أن أضاف الكاتب فايز سارة إلى المحتجزين من قياديي ونشطاء «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي»، ومنهم الطبيبة فداء الحوراني،حيث اعتقلت مع 40 آخرين بعد أيام من اجتماع شارك فيه 163معارضاً،ثم تم الإبقاء على تسعة منهم. وإلى سارة،أضيف النائب والسجين السابق رياض سيف الذي طالبت أسرته بالإفراج الفوري عنه لظروفه الصحية الصعبة، وحظي بمطالبات بذلك من البيت الأبيض ووزاراتي الخارجية الألمانية والفرنسية، ومؤخراً لحق برفاقه المعتقلين، التشكيلي والسجين السابق طلال أبو دان، والذي أفيد أن مرسمه تعرض لتخريب.

وجاء محموداً أن «الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان» رفضت السبت الماضي التصريحات الأميركية بشأن المعتقلين،بسبب التوظيف السياسي والدعائي فيها، وذكرت في بيان لها أن تلك التصريحات تُقابل بالازدراء والحنق في الأوساط الحقوقية السورية،فواشنطن تمتلك أسوأ سجل لانتهاك حقوق الجماعات والأفراد. وإذا كان قد نشر أن رئيس منظمة «اليونسكو» كوشيرو كوماتسورا أثار مع الرئيس الأسد قضية سجن هؤلاء،في أثناء زيارته دمشق لحضور حفل افتتاح أنشطة «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» الشهر الماضي، فذلك يحسب لرئاسة المنظمة الدولية،وهي التي عليها ما عليها بشأن قضايانا العربية،ويحسب على رؤساء المنظمات العربية المعنيّة بالثقافة والفكر، ورؤساء الاتحادات المهنية العربية، وقيادات حزبية ووطنيّة، تواجدوا في المناسبة نفسها،وتردّدوا كثيراً على دمشق لنصرة سورية وقيادتها.يذكر أن الرئيس الأسد قال قبل أكثر من عام في حوار مع تلفزيون دبي أن بعض زواره من أولئك طلبوا منه الإفراج عن معتقلي رأي، واستجاب بإطلاق سراح عدد منهم، وهو ما لم يتم التيّقن منه، ولا دلّت وقائع عليه.وأفيد أنه أبلغ كوماتسورا أن من يطالب بانهاء احتجازهم يتآمرون مع سفارات أجنبية على بلدهم،ويتقاضون أموالاً لزعزعة الاستقرار وإثارة الفتنة، لوضع سورية على سكة المصير العراقي، وأن القضاء سوف يقرر مصيرهم، ووصف مصدر رافق رئيس «اليونسكو» رد الأسد بأنه صادم.

لكن المحاكمات التي أجريت لعارف دليلة، الذي حكم بالسجن عشر سنوات ويتم حبسه في زنزانة انفرادية، وذكرت منظمة سورية حقوقية أن صحته تتدهور، ولزميله لاحقاً ميشيل كيلو، وتم اعتقاله مع آخرين شاركوا في تبني إعلان دمشق ـبيروت..هذه المحاكمات لم تشر إلى أي تآمر من دليلة وكيلو وغيرهما مع سفارات أجنبية ضد بلدهم وقيادتها،عدا عن أن ذلك كان يستحق لو كان صحيحاً استدعاء المسؤولين في تلك السفارات والاحتجاج ضدهم. وقد مَثل محتجزو «إعلان دمشق» أمام القضاء قبل أيام، ووجهت لهم التهم إياها،ومنها النيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية ونشر أخبار كاذبة والانتساب إلى جمعية سرية تهدف إلى تغيير الدولة.وبسبب من «ثقل» هذه الاتهامات الروتينية، فإن مراقبة خاصة ينبغي أن تقع للمحاكمات التي ستتم لهم،طالما أن القيادة السورية تعلن للعالم أن القضاء وحده المعني بهم،تبرئة أم تثبيتا لأي تهم.ونجدنا هنا برغبة منّا أو من دونها،متفقين مع النائب السابق للرئيس عبد الحليم خدام في أحدث نداءاته وسؤاله عن الخطر الذي يشكله على أمن الدولة وأمن المجتمع السوريين ميشيل كيلو وعارف دليلة وكمال اللبواني وعلي العبد الله،علماً أن الدستور السوري ينص على أن لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية،وأن للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر السلمي.

يعد «إعلان دمشق» أوسع ائتلاف معارض منذ بداية حكم حزب البعث في 1963، يضم أحزابا وشخصيات ليبرالية وقومية ويسارية وإسلامية ومستقلة ومدنيّة، وكذلك كردية وآشورية، ولوحظ توقيع جماعة الإخوان المسلمين على وثيقته التأسيسية التي أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول 2006،وهي الجماعة التي انضمت لاحقاً إلى «جبهة الخلاص الوطني» التي يتزعمها في الخارج عبد الحليم خدام ويخاصمها «إعلان دمشق» بشدة وحدّة، وتسبب انضواء «الإخوان» فيها «بإشكاليات بينهما. ومن المؤاخذات التي توالت مؤخراً من جانب شخصيات سورية معارضة على «إعلان دمشق» ما اعتوره من ركود في أدائه، ومن تباعده عن القواعد والجمهور السوري العريض، بل وبات يُنتقد بسبب أجواء «لا ديمقراطية» فيه.

نطالع النقاش بشأن «إعلان دمشق» باهتمام، بالنظر إلى استثنائية هذا التكتل في الفضاء المدني العربي،حيث رحابته مصدر إعجاب به،ومبعث قلق عليه في الوقت نفسه، فالتناقضات القائمة فيه غالباً ما ستجد من الأسباب الذاتية والموضوعية ما يُفاقمها. ويضاعف القلقَ ما يستجدّ من انشقاقات وانسحابات من «الإعلان» وبغير إغفال أن هذا التكتل لا يناهض النظام في بلده من مواقع ومشاريع خارجية، ويشدد على مبادئ التغيير السلمي ورفض العنف ونبذ الفكر الشمولي. وقد تشكل بعد خيبات توالت لدى نخب العمل الديمقراطي والوطني من خيار مدّ اليد للسلطة التي بدأت في العام 2000،حيث دعته إلى الالتقاء معه في منتصف الطريق، والتوافق على إصلاح سياسي، فكانت الرسالة التي وقعها 287 مثقفاً، وتضمنت مطالبات في هذا الإطار وتحقيق انفراج داخلي. وكذلك بيان ال 99 مثقفاً ثم وثيقة الألف مثقف، وذلك في أجواء «ربيع دمشق» عقب تولي الرئيس بشار الأسد الحكم. وبعد إفشال هذه الجهود، وانعدام مبادرات باتجاه تغييرات تشريعية وقانونية تذهب بقانون الطوارئ وقانون إعدام «الإخوان المسلمين»، جاء «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي» الذي وصفه ميشيل كيلو مرة بأنه نقلة نوعيّة ،من حيث توسيعه دائرة المشترك في الحياة الوطنية.وليس مأمولاً هنا غير الاستجابة لنداء الموقعين ، وإطلاق الصوت من أجل إطلاق سراح معتقلي الرأي والضمير، ونشطاء العمل المدني السوري، والعربي حكماً.

خلافاً للدستور: مثقفو الضمير في سورية وراء القضبان
 
14-Feb-2008
 
العدد 13