العدد 13 - كتاب
 

هذا الشتاء لم يكن بجماله المعهود. من المؤسف أن تبدو عطايا الطبيعة وقد فقدت فتنتها .لقد حل جفاف في بدايات الفصل، جفاف مصحوب بشمس قوية،أعقبته ثلجة ثقيلة العيار. لم يتمكن أحد من التكيف مع انحباس المطر،ولا مع الثلجة الكبيرة التي سبقتها واحدة عابرة كأنما جاءت ك"بروفة" للثانية. ما يبدو من تغير في مواقيت الفصول وانسيابيتها، يفاقم حالة الاغتراب النفسي والوجداني الذي بات يعانيه كثرة من الناس .ولكأن الطبيعة باتت تشبهنا، في جفاف أرواحنا وتقلب أمزجتنا وانطفاء أحلامنا.

لا، لم يكن هذا الشتاء بجماله المألوف. الخشية أن يكون فقد سحره ،ولن يسترده في زماننا . فمع انقطاع أبناء المدن عن الهواء الطلق والفضاءات والتهيؤ الغريزي لاستقبال الفصول، ها هي الطبيعة تبدو وقد "نسيت" عاداتها وباتت تتلعثم وتتعثر.

لم يكن تدفق المطر ولا شيوع البرد في زمان مضى، يسبب الأرق أو يمثل مشكلة مستعصية .فقد كان الصغار والكبار يطربهم انتظام الفصول، بما في ذلك حلول الشتاء في موعده حاملا عاداته وطقوسه.

الإقامة في الطبيعة والاتحاد بها، يمنح الكائن ذلك التوازن السحري الذي بات مفتقداً. لم يكن التماس الدفء في تلك الأيام، يسبب أرقاُ لأحد بما في ذلك الفقراء.الطبيعة والخبرة البشرية كانت توفر موارد للدفء، لا تقتصر على الحطب والأردية بل تشمل الطعام والشراب، الذي يبعث الحرارة في أوصال الجسم. خبرة أبناء اليوم تجعلهم لا يدركون، أن فرك راحة الكفين يبعث الدفء ويثير في النفس مسرة صغيرة! الآن ينظر إلى البرد كنذير خطر فحسب ،وليس كعرض عادي ملازم للفصل. بل يتم النظر الى الشتاء برمته على أنه فصل الأمراض، ويتمنى البعض في سريرته لو لم يأت .وفي بال اليافعين من أبناء زماننا، أن الماء سلعة يمكن شراؤها على مدار العام من البقالات والمولات ،فلا حاجة لفصل شتاء طويل .أما الكبار فترهقهم ميزانية المحروقات ،ويبدون على ضيق وحرج شديدين من استقبال الضيف الثقيل، الذي لا تربطهم به رابطة أو وشيجة.

في بلاد أخرى يشكون من نقص عدد فصول السنة بسبب الطبيعة المناخية .فيكون لديهم شتاء طويل يستغرق أكثر من نصف شهور السنة، أو تمتد أشهر الصيف لتأخذ الربيع والخريف في طريقها. ما زلنا نتمتع بالفصول الأربعة وإن طرأ قليل من التداخل بينها .الأوروبيون يحسدوننا على دفء الشمس، والخليجيون يغبطوننا على نعمة الشتاء .ونحن نريد للطقس عندنا أن يثبت على درجة عشرين مئوية على مدار السنة ،فلا نستشعر سخونة ولا برودة.علما بأن وسائل التعذيب الحديثة، تشمل تثبيت درجة حرارة وإضاءة واحدة على السجين لفترات طويلة .

عقاباً على هذا "الطمع " مع أسباب أخرى تتعلق بانتهاك التوازن البيئي، فإن الطبيعة تعاكس توقعاتنا.فبدأنا نشهد ذلك الاضطراب، الذي يجعل يوم الاحتفال برأس السنة وافر الشمس. أو تداهمنا الأمطار بغتة ونحن في ملابس الصيف في أيار.

محمود الريماوي: شتويات
 
14-Feb-2008
 
العدد 13