العدد 12 - اعلامي
 

السّجل - خاص

من يحدّد سقف حريّة الصحافة وفضاءات الإبداع؟ الحكومة، التشريعات أم الشارع الغاضب المتحفز لانتقاد أي ترميز أو إشارة يبدو وكأنه يتناقض مع معتقدات الشعب والدولة. تثور هذه التساؤلات في ضوء ردود فعل غاضبة على رسمين كاريكاتوريين نشرتهما يومية «الغد» للزميل عماد حجاج الأول حول رفع الأسعار والثاني عن مأساة سكان غزّة أمام الحصار والتجويع والقصف الإسرائيلي.

اشترك رجال دين مسلمون ومسيحيون وقرّاء عاديون في استنكار الرسمين باعتبار الأول تطاولا على الذات الإلهية من منظور إسلامي والثاني تهكما على أحد طقوس المسيحيين.

حجّاج- المختص في توظيف الكلام واللعب على المفردات لخدمة الرسم- استخدم عبارة «شكلو رفع الدعم وصل السما» في رسم نشره منتصف الشهر الحالي. بعد أسبوع من ذلك التاريخ ثارت انتقادات مجددا حين رمز حجّّّّاج لمعاناة سكان قطّاع غزة بصليب على شكل عامود كهرباء تعلوه نجمة داوود وعليه سيدة غزّية.

أطلق الرسمان جدالا الكترونيا وعلى صفحات الصحف بين مؤيد ومعارض لتوظيف الرمز في الإبداعات الصحفية.

وتواصلت الردود وردود الفعل على مدى أيام بينما تعالت انتقادات نشطاء في جبهة العمل الإسلامي ورجال دين مسيحي.

المدافعون عن فكرة الرسم الأول يرون أن ما جاء فيه لا يعدو «استخداما للهجة المحكية في التعامل مع الأحداث»، فيما يعتبر المدافعون عن الرسم الثاني أنه «تعبير عن الحال الذي وصل إليه قطاع غزة وتخلي العرب عنه». وسعى حجّاج ومؤيدوه للتفسير أنه لم يقصد من أي من الرسمين التطاول على الذات الإلهية.

النائب عن حزب جبهة العمل الإسلامي محمد عقل يشدّد على أن حجاج «أقحم الذات الإلهية في أمور دنيوية» حين رسم حوارا ساخرا: «بالك ليش المطر مقطوع؟ .. «شكلوا رفع الدعم وصل للسما». ويرى عقل في هذا الحوار «تطاولا على الذات الإلهية وبالتالي لا يجوز ان يتم نشره».

وفي الرسم الثاني لم يكن الهجوم أقل حدّة.

إذ يرى الأب رفعت بدر في تشبيه أهالي غزّة بالسيد المسيح «إيحاءات ورموز بالصورة، فجاءت جارحة إلى حد كبير لمشاعر، ليس المسيحيين، فحسب، بل لكل إنسان ذي إرادة صالحة، يؤمن بالكتب السماوية وبكرامة الأنبياء».

وبينما يقر بأنه ليس ضد جنوح «الخيال البشري إلى مثل هذا التصور في أن مدينة غزة مصلوبة وسكانها تحت آلة القمع الإسرائيلي»، يرى الأب بدر مع ذلك أنه «ليس كل ما هو ممكن بالخيال أو بريشة فنان كاريكاتوري يحترمه الناس، أو غيره، مسموحا به أدبيا أو أخلاقيا».

ودخل على خط السجال الإلكتروني عشرات القراء بين مؤيد ومعارض لنشر الرسمين.

القارئ عامر الذيبة يعلق: «يا خوفي تفرض الحكومة ضريبه على المطر النازل من السماء فالأفضل أن لا تمطر الدنيا». علاء البلبيسي يقول من جانبه: «خلّي الحكومة ترش ميّة صحة على الناس من الطيارات عشان يحسو بالاسترخاء وبوجود المطر على أساس انه ما عندهم هموم في الوقت الحالي». ويؤيد سامر عادل ما ذهب إليه حجاج ويطالب بأن «ترفع جبهة العمل الإسلامي وصايتها عن الدين». ويضيف «قد أسمع الفنان حجاج لو نادى حيا ولكن لا حياة لمن ينادي. ليست غزة وحدها المحاصرة وإنما وطننا العربي كله بات محاصرا».

سارة حداد، المسيحية، تختلف مع رجال الدين المسيحيين في تقييم الرسم المتعلق ب «صلب الغزيّة». إذ تقول: «حلوة الفكرة بتشبيه ما يجري بغزة بالألم وليس تشبيها للمسيح كشخص. وهذا ليس خطأ فمن ينتقدون، عليهم أن ينتقدوا بشكل صحيح قبل أن ينفعلوا دون تركيز. ونحن كمسيحيين حين نعبر عن معاناة نقول لي كذا عام حامل الصليب على ظهري».

أما المدير التنفيذي في يومية «الغد» الزميل موسى برهومة فيقول: «أتعامل مع حجاج كفنان وأخاطب منجزه الإبداعي بمعزل عن الضغوط في استدعاء الموروثات والرموز الدينية الغابرة التي تمارس قسرا على اللوحة أو النص لأن محاولة البحث عن رموز دينية في النص غالبا ما تصل إلى منطقة لإخراج المكبوت وليس مكانا لتغيير الإبداع وتوسيع منطقة التأمل في العالم».

الإبداع الصحفي بين التشريعات وتصلّب الموروثات
 
07-Feb-2008
 
العدد 12