العدد 12 - أردني
 

د. فايز الصّياغ

في أواسط تشرين الثاني الماضي، التقت في المؤتمر الثالث للجمعية الأردنية للبحث العلمي جموع غفيرة من الباحثين والأكاديميين الأردنيين والعرب الآخرين والأجانب الذين قدموا وناقشوا عشرات من البحوث والدراسات حول واقع البحث العلمي في الأردن في المقام الأول، ومع اختتام المؤتمر، طرحت مجموعة من التوصيات الأساسية حول المحاور التي دارت حولها المناقشات، مثل قضايا الطاقة، والتغذية والاستثمار، والمياه، والنقد الثقافي والتقانات الحيوية، وظاهرة العنف والصحة، والتعليم المهني. ورفدت هذه التوصيات العريضة عشرات من التوصيات الفرعية حول كل واحد من محاور البحث.

ولسنا نعلم حتى الآن، المصير الذي آلت اليه أكداس البحوث والتوصيات والنتائج التي خلص إليها المؤتمرون، فربما «رُفعت» إلى المراجع والهيئات المختصة للنظر في إمكانية الانتفاع بها أو - وهذا هو الأهم - بتمويل تطبيقها من جانب المؤسسات المحلية أو الأجنبية في القطاعين العام والخاص، وربما انتهت إلى مجلدات مطبوعة يعود إليها الباحثون - عند الحاجة - لاستقصاء جانب من هذه القضية أو تلك، وربما اكتفى القائمون على مثل هذه المؤتمرات بالجانب الدعاوي الإعلامي، المباشر، وبنشرها في الصحافة المحلية على شكل خلاصات موجزة مبسطة لاطلاع القارئ العادي.

هذه الاحتمالات كلها قد تشير إلى أسوأ الخيارات الممكنة فيما يتصل بالبحث العلمي في الأردن، وإن بدرجات متفاوتة، وهي بمجموعها، تثير تساؤلات جدية حول جدوى البحث العلمي أساساً، وغير أن الأزمة الحقيقية تتجلى، في أبرز مظاهرها، في مجال البحث التطبيقي، وتحديداً فيما اصطلح على تسميته بالبحث والتطوير (R&D)، وهو العنصر الحيوي الأكثر أهمية في محفزات الابتكار والتوسع في القطاعات الإنتاجية في أي بلد. وقد أصبح واحداً من المؤشرات الرئيسية للتقدم الصناعي والتنمية الاقتصادية بصورة عامة.

وفي السياق الأردني، لم تعد أوضاع البحث والتطوير، في القطاعات الإنتاجية العامة والخاصة، مدعاة للتفاؤل، وصحيح أن المادة 188 في قانون الشركات وتعديلاته تنص على أن «على الشركة العامة المساهمة أن تخصص ما لا يقل عن (1بالمئة) من أرباحها السنوية الصافية لانفاقها على دعم البحث العلمي والتدريب لديها، وإذا لم ينفق هذا المخصص أو جزء منه خلال ثلاث سنوات من اقتطاعه يتوجب تحويل الباقي إلى صندوق خاص يتم انشاؤه بموجب نظام يصدر لهذه الغاية يحدد طريقة الصرف وأصوله».

وليس بين أيدينا ما يفيد بالالتزام بهذه المادة، أو بتشغيل صندوق البحث والتطوير الموعود، أو حتى إنشاؤه أصلاً. غير أن التقارير التحليلية الدولية تنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى أكثر شمولاً، وفي إطار مقارن على الصعيد العالمي أيضاً، عن طريق تحديد نسبة الإنفاق على البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي، ويرى تقرير الأيكونومست إنتليجنس يونت Economist Intelligence Unit لعام 2006 أن الانفاق على مشروعات البحث والتطوير في الأردن يعادل ٪0.081، أي أقل بكثير من واحد بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الأردني، وكان ترتيب الأردن هو 58 بين 82 دولة شملها التقرير الذي شدد من جملة أمور أخرى، على المستوى المتدني لنوعية مؤسسات البحث المحلية، وفي درجة التعاون بين الجامعات والصناعة، أما تقرير المنتدى الاقتصادي (WEF) للعام نفسه، فقد وضع الأردن في المركز 64 بين 126 دولة في مجال الإبتكار.

ولا عزاء للأردن، في أن تكون مرتبته في هذا المجال أفضل من معدل النسبة في الدول النامية (0.062٪)، ولا أن تكون أقل أو أكثر قليلاً من نسبة الإنفاق منسوباً الى الناتج المحلي الاجمالي في البلدان العربية الأخرى، كما أن من الإجحاف مقارنة الأردن في هذه الناحية ببلدان صناعية متقدمة مثل: اليابان، وكوريا الجنوبية، وألمانيا، والصين، لا تقل فيها الاستثمارات المالية الضخمة في المكونات المختلفة لمنظومة البحث والتطوير والأنشطة المساندة عن 2.5بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.

بيد أن المراقب لا يسعه، في ضوء البيانات والأدبيات الشحيحة المتوافرة في هذا الميدان، إلا أن يتساءل، بل يضع موضع المساءلة، مدى جدية الحكومة وأجهزتها المختصة في دعم مساعي البحث والتطوير، وفي تحديد المخصصات اللازمة لهذا الغرض حتى في ميز انيات الدولة السنوية، كما أن من الضروري متابعة التزام المؤسسات والفعاليات الاقتصادية في القطاع الخاص بالمتطلبات التي ينص عليها قانون الشركات، لتقصي الأوجه التي تنفق فيها تلك المخصصات والتأكد من أن هذه العملية لا تشوبها شائبة أو ممارسات غير قانونية.

أزمة البحث والتطوير في الأردن .. أين المخصصات.. أين التوصيات؟ أين «الصندوق»؟
 
07-Feb-2008
 
العدد 12