العدد 2 - اقتصادي
 

ينهمك مرشح "كادح" في تعليق يافطات بسيطة على امتداد شوارع القرية متنقلا على "ظهر بيكب"، بينما يعرض مرشح "حوت" أحدث صوره الالكترونية ونصوصا عبر الانترنت والفضائيات قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات التشريعية.

مشهدان يعكسان الفارق الصارخ في تكاليف تمويل الحملات الانتخابية في بلد يشهد بعض مواطنيه طفرة مالية فيما تئن الغالبية تحت فقر مدقع تتجاوز نسبته 14 % بحسب الارقام الرسمية، و30 % من زهاء ستة ملايين نسمة- طبقا لتقديرات مستقلة.

الأكثر بروزا في السباق نحو كرسي النيابة هذا الموسم الإرتفاع الملحوظ في تكاليف الحملات الانتخابية، فضلا عن اتساع الهوة في الإنفاق بين طبقات مختلفة من المرشحين تصل في ذروتها إلى 250 ألف دينار نزولا إلى 25 ألفا فما دون.

يبرّر خبراء التكلفة العالية لفاتورة الحملات الدعائية والإعلانية بالمكاسب السياسية والإقتصادية المتحققة من الوصول إلى ساحة القبة النحاسية في العبدلي. في المقابل يجادل آخرون بأن الأكثر ثراء يسعون وراء "البرستيج" لإنهاء حياتهم العملية في جمع المال وسط رجال التشريع.

حمى الحملات دعائية انتقلت من شوارع المملكة وأعمدة الكهرباء إلى شاشات الفضائيات ورسائل الخليوي في إشارة أكثر حدة للسعي بكل السبل إلى ايصال الرسائل الإنتخابية ومواكبة أحدث التقنيات.

ويرى مرشحون، متابعون مختصون أن "معدل" حجم الإنفاق على الحملات الانتخابية تضاعف مرة واحدة على الأقل عنه في انتخابات المجلس النيابي الرابع عشر. ففي حين قدر هؤلاء تكلفة الحملة الانتخابية هذه الدورة بين 25 إلى 250 ألف دينار، استذكروا أرقام الموسم الماضي بين 10 و 100 ألف دينار.

في إنذار مبكر لأثر ارتفاع الإنفاق الانتخابي الذي يطال كل بيت تقريبا في المملكة، أثار صندوق النقد الدولي مخاوف من أن الإقتصاد الوطني سيتعرض إلى مزيد من الضغوط التضخمية الناجمة عما أسماه "ارتفاع الإنفاق في عام الانتخابات" ما يفاقم معدلات التضخم التي وصلت إلى ما يزيد عن 6 % خلال النصف الأول من العام الجاري.

شهد الأردن انتخابات بلدية على مستوى 99 بلدية فيما ستستعر حمى الإنتخابات النيابية الأكثر كلفة وشعبوية في 45 دائرة.

مرشح طلب عدم ذكر اسمه وصف الحملات الانتخابية الضخمة بأنها "بذخ سياسي"، فالتنافس المحموم يعبر عنه سباق تعليق اليافطات وفق لرأيه بأعداد مبالغ فيها، وتتحول الامكانات المالية للمرشح إلى "مال سياسي" يستهدف شراء الأصوات مما يبرر وصف تكلفة بعض الحملات بالأرقام الفلكية.

وأقر خليل الحاج توفيق "المرشح عن الدائرة الثالثة" بإرتفاع الإنفاق على الحملات الانتخابية هذه الدورة مبررا ذلك بضرورتها للتعريف بالمرشح وبرنامجه, لكنة استدرك قائلا "يجب أن تكون الحملات الانتخابية في حدود معقولة ودون مبالغة فيها".

وترتفع ميزانية المرشحين المقتدرين ماليا بشكل كبير حيث توقع الحاج توفيق أن "تتراوح الحملة الانتخابية لمرشحين من العيار الثقيل في بعض دوائر العاصمة ذات التنافس العالي كالدائرة الثالثة إلى 100 ألف دينار" تستهدف نشر البرنامج الانتخابي فقط.

فيما توقع عودة قواس وهو مرشح عن الدائرة الثالثة أن" تكلفة حملته الانتخابية لن تتجاوز الـ 30 ألف دينار" مشيرا إلى تراجع حجم مخصصاته لهذه الدورة عنها في عام 2003.

مرشح آخر عن الدائرة الاولى أكد أن حملته الانتخابية ستكون بتكاليف معقولة تناسب الأوضاع التنافسية داخل دائرته، وقلل من تأثير الحملات الترويجية في توجهات الناخبين نحو المرشحين، إذ أن الغالبية العظمى من المقترعين تبلورت توجهاتهم في مرحلة سابقة نحو مرشحهم إلا أنه لا ينفي" أثر المال السياسي على تغيير توجهات الناخبين في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة"، مع تعدد الاغراءات واتساع ظاهرة شراء الأصوات من قبل بعض المرشحين، مع غياب وسيلة رقابة فاعلة للكشف عن حالات شراء الأصوات التي تبقى حبيسة ضمير الناخب والمرشح.

ويرى مراقب أن الإنفاق على الحملات الانتخابية يجب أن" يحدد في قانون الانتخابات لضمان المساواة لجميع المرشحين" في الترويج لأنفسهم، فالحاصل أن من "يملك المال له القدرة على نشر اليافطات والاعلانات أكثر من غيره" رغم تمتعه بمؤهلات المناسبة.

وفي مطالعة للدليل الانتخابي للعام 2007 والذي أعده المستشار القانوني في وزارة الداخلية المحامي جورج نزهة يتضح أن" فصل الدعاية الانتخابية بدا خاليا من أي بنود تتعلق بسقوف عليا لحجم الإنفاق على الدعاية"، وإنما اشتملت على مواد عامة تضمنت حدود التزام المرشح بالدعاية الانتخابية والأماكن المحظور على المرشح استخدامها في الدعاية الانتخابية، الأمر الذي يراه المراقب" يتنافى مع التقاليد الديمقراطية في الدول المتقدمة والتي تضع حدا أعلى لحجم الإنفاق على الحملات" كميكانيزم ديمقراطي يدلل على نزاهة العملية الانتخابية والمساواة بين جميع المرشحين.

دكتور علم الاجتماع في جامعة البلقاء الدكتور حسين الخزاعي يرى أن" المنافسة في المحافظات ستكون قوية لعدم وجود إجماع على مرشحين في معظم العشائر"، متوقعا أن" تتراوح الحملة الانتخابية للمرشح ما بين 25 إلى 150 ألف دينار على أعلى تقدير، مشيرا إلى أن للحملة الانتخابية تأثيران: الإعلام والتوجيه، فهو يشهر ويعلم عن ترشحيه، ويحاول توجيه الناخبين، نحو ما يطرح من شعارات وبرامج ليؤثر ويقنع الناخب بمدى جديته ومدى كفاءته للترشيح، ويزيد" كلما كانت الشعارات والبرامج بعيدة عن الواقع قلت ثقة الناخب بالمرشح، والعكس صحيح.

الفجوة في كلفة الحملات الانتخابية تعكس طبقية بين المرشحين – معاذ فريحات
 
15-Nov-2007
 
العدد 2