العدد 12 - دولي
 

في الأسبوع الماضي سألت صحيفة إنترناشنال هيرالد تريبيون عضو البرلمان الأوروبي الإيطالية مونيكا فراسوني عن أهمية هذا الموسم الانتخابي الأميركي، فأجابت بصراحة: "لقد تعلمنا أن الفرق بين رئيس أميركي جيد أو سيئ يمثل الفرق بين الحرب والسلام. وأن الفرق بين رئيس إيطالي جيد أو سيء لا يمثل أي فرق على الإطلاق.»

وفيما ينظر الأردن والعالم العربي عموما، بأهمية متجددة إلى الانتخابات الأميركية، يتوجب فهم الآلية. ولا شك في أن تلك نتيجة لتطور تاريخي معقد. "إن العملية الخاصة باختيار المرشحين الرئاسيين لدينا ليس لها علاقة وثيقة بمبدأ "صوت واحد لكل مواطن" أكثر من قزخستان," كما قال برنشتاين في الشهر الماضي. وبرنشتاين هو مندوب "الواشنطن بوست" الذي كشف فضيحة ووتر غيت التي أدت إلى إنهاء رئاسة ريتشارد نيكسون. ولفهم النظام الذي سيحدد مرشحي الرئاسة الديمقراطي والجمهوري، فإن عليك أولا أن تتذكر أن الأمر لم يكن أصلا مصمما بهذا الشكل.

في الواقع أن النخب السياسية لم تكن في العقود الأولى للجمهورية الأميركية، تملك سوى القليل من الثقة في قدرة الجمهور على اختيار مرشحين أكفاء، «فالديمقراطية ليست أكثر من حكم الرعاع، حيث أن 51 في المئة من الناس يمكنهم أن يستولوا على حقوق ال49 في المئة الآخرين،" وفق مقولة جيفرسون الشهيرة. وفي محاولة للتخفيف من عدم الثقة بالأغلبية هذه، بقي الكونغرس الأميركي هو الذي يختار المرشحين لمدة تناهز 40 عاما.

ومع مرور الزمن انتقل الامتياز إلى المتنفذين داخل كل حزب، وفي بداية القرن العشرين أصبح الأمر أشبه بنظام المندوبين الذي نعرفه اليوم، ولكن بعض عدم الثقة هذه بالأغلبية بقيت هناك، فهي تكمن داخل العملية نفسها.

أسس الانتخابات الأولية

إنها تعمل كما يلي: ترشح كل ولاية عدداً من ممثليها يطلق عليهم اسم المندوبين، للاجتماعات القومية للأحزاب التي تعقد في نهاية الصيف (سيعقد اجتماع الديمقراطيين في دنفر وكولورادو، بينما يعقد الجمهوريون اجتماعهم في مينيابوليس ومينيسوتا). وهناك يتم اختيار مرشح الحزب رسميا.

وتقرر الانتخابات الأولية أو اللجان الانتخابية، أي المرشحين سيصوت له هؤلاء المندوبون. وعموما، فكلما كان عدد المصوتين في ولاية ما أكبر بالنسبة لمرشح معين، كلما كان عدد المندوبين لذلك المرشح ممن سيرسلون إلى الاجتماع القومي أكبر. وفي الأساس فإن الأغلبية هي التي تفوز. ويكون على المرشحين أن يستثمروا اللحظة التي يكونون فيها تحت الأضواء العالمية حيث تنثر الأوراق الملونة وتصدح الموسيقى. إنها صورة أنيقة، ولكن العملية في الحقيقة ليست بمثل هذه البساطة.

أولا، تختلف قوانين الترشيح اختلافا بينا من ولاية إلى أخرى. وهكذا فإن المرشحين يضطرون إلى القيام باختيارات استراتيجية قاسية ،من شأنها أن تغير مجرى وصيغة الحملة بين ولاية وولاية.

تضع كل ولاية قوانينها الخاصة، فتكون لبعضها لجان انتخابية، مثل الانتخابات الأولى التي جرت في اللجان الانتخابية القومية في أيوا، حيث تداعى الجيران معا وعلنا لكي يناقشوا بحماسة قضية مرشحهم. وكما قد تتوقعون، فإن كثيراً من الصفقات تعقد، وتمتحن الولاءات ويمكن للسياسات الخاصة بأيوا أن تتحول إلى قضايا شخصية. فمثلا، من المحتمل ظهور مرشح نجم في حفلة في منزل أو في ملعب لكرة القدم. وفي الولايات الأخيرة في برنامج الانتخابات الأولية تكون مثل هذه الحميمية قد انتهت، لتحل محلها ملايين الدولارات التي تنفق على الإعلانات التلفزيونية.

وعلى أي حال فإن معظم الولايات لديها انتخابات أولية، مثل كاليفورنيا المهمة جدا، والتي صوتت في الخامس من شهر شباط. إن هذه الأحداث قد تبدو مألوفة للعديد من الأردنيين؛ فهي تشبه انتخاباتنا البلدية (وإن بنسبة أقل من شراء الأصوات). في كاليفورنيا تجري انتخابات أولية مغلقة، أي لا يشارك فيها من الحزب سوى أعضائه المسجلين.

ولكن في ولايات مهمة محددة تجري فيها الانتخابات في وقت مبكر، كانت الانتخابات الأولية مفتوحة، ففي نيوهامبشير مثلا، كانت الانتخابات المفتوحة تعني أن للمنتخب أن يصوت على اختيار أي مرشح في أي حزب، بغض النظر عن رغباته الحزبية، وفي النتيجة، فإن سيناتور أريزونا جون ماكين تمكن من الفوز في انتخابات الجمهوريين الأولية هناك على الرغم من خسارته بين الجمهوريين لصالح حاكم ماساتشوستس السابق ميت رومني – بسبب الدعم الكبير من المستقلين وحتى من بعض الديمقراطيين.

لقد ثبت أن لذلك تأثيرا كبيرا – فماكين حصل على زخم جعله واثقا من أنه سيكون المرشح التالي للرئاسة عن الحزب الجمهوري. وبسبب التأثير الكبير لعمليات جمع التبرعات، فإن الزخم هو كل شيء في الحملات الانتخابية الأميركية. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تكون تلك المرة الأولى في السباقات الرئاسية التي تبلغ فيها تكلفة المرشحين ما يزيد على البليون دولار. لذا فمن دون الصوت المستقل في نيوهامبشير (وهي ولاية يقطنها ما يقل عن نصف الواحد في المئة من سكان الولايات المتحدة)، من غير المحتمل أن يستطيع ماكين الصمود أمام رومني الثري.

العامل المهم الآخر يبدو أشبه بمادة كتاب هزلي: إنه المندوب الأعظم، فهنا تلقي مسألة عدم الثقة بالجماهير بظلالها. والمندوب الأعظم هو لاعب حزبي من مستوى رفيع، كأن يكون سيناتورا سابقا أو رئيسا، تكون لديه حرية الالتزام مع أي مرشح يريده. ولكل منهم في العادة أجندته الخاصة. ويعادل المندوب الأعظم في وزنه خمس المندوبين لأي حزب تقريبا. ولكن، في السنوات العادية يتقرر السباق قبل اجتماعات الحزب بكثير، لذا فإن صوته لا يصنع فرقاً ملحوظاً.

هذا العام قد يكون مختلفا، وخاصة بالنسبة للديمقراطيين، ففي حين لم يتم حسم القرار بخصوص مرشح الحزب أثناء الاجتماع لأكثر من 50 عاما (إذ غالباُ ما تكون النتيجة محسومة مسبقاُ)، فإن ذلك يبدو محتملاً هذا العام. عند ذلك سوف يقرر المندوبون الأعظم مصير المرشحين، فالسيناتور باراك أوباما، وهو أول مرشح أسود للرئاسة يؤخذ على محمل الجد من جانب المؤسسة في واشنطن، والسيناتور هيلاري كلنتون، السيدة الأولى سابقا في عهد الرئيس بيل كلنتون، أنفقا ما يقرب من 100 مليون دولار تقريبا في محاولة لضمان الفوز بالترشح. وإلى لحظة طباعة الجريدة، فإن المرشحين متساويان في عدد المندوبين.

هنالك بالتأكيد طرق أسوأ لاختيار المرشح (فكر في نصف بلدان إفريقيا جنوب الصحراء)، ولكن هنالك بالتأكيد طرقا أفضل أيضا، أما بالنسبة للأميركيين، فإن الأرقام تشير إلى أنهم غالبا سعداء باختياراتهم الرئاسية لهذه الدورة. ربما يكون قضاء المرشحين شهورا وهم يذرعون البلاد لمقابلة ناخبيهم، اختبارا جيدا لنقاط قوتهم ونقاط ضعفهم، وربما يعطي ذلك الأميركيين كثيرا من الفرص لتحديد السياسيين الذين يفضلونهم أكثر من غيرهم.

المتاهة الكبرى للرئاسة الأميركية
 
07-Feb-2008
 
العدد 12