العدد 2 - اقتصادي
 

الاحتلال الأميركي للعراق وصعوبة الأوضاع الامنية على الطريق البري الذي يربط البلدين الشقيقين وأنفتاح منافذ جديدة للاستيرادات العراقية بعد رفع العقوبات الاقتصادية وكذلك ضعف الارادة السياسية لدى بعض المسؤولين العراقيين أدى الى أنخفاض التبادل التجاري بين الاردن والعراق الى مستويات متدنية لم تشهدها التجارة البينية بين البلدين منذ عدة عقود.

ففي العام 2004 وحسب الاحصائيات الاردنية أنخفضت الصادرات الاردنية الى العراق الى مستوى 300 مليون دولار بعد أن كانت تقارب ال 700 مليون دولار سنويا قبل الاحتلال الاميركي للعراق في العام 2003.

وحسب المسؤولين من كلا البلدين يعود هذا الانخفاض بالدرجة الاولى الى أنعدام الامن في العراق وخاصة الطريق البري الذي يربط العاصمة الاردنية عمان ببغداد والذي يمتد داخل العراق بمسافة 600 كيلومتر.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق تعرضت الشاحنات التي كانت تنقل المواد الغذائية والسلع الاخرى المصنعة جزئيا او كليا في الاردن الى الحرق والنهب وقد قتل الكثير من سائقي هذه الشاحنات من الجنسيتين العراقية والاردنية مما أدى الى شبه توقف هذا الخط.

وكان الاردن قبل تغيير النظام في بغداد يلبي كل احتاجات العراق من المواد الغذائية والدوائية خاصة في ضل العقوبات الاقتصادية على العراق التي كانت الامم المتحدة تفرضها والتي دامت ثلاثة عشر سنة.

وأصبحت المملكة أنذاك اكبر شريك تجاري للعراق وكانت بغداد المورد الوحيد لاحتاجات المملكة من النفط الخام والمحروقات حيث بلغت الاستيرادات الاردنية من النفط والمحورقات حوالي 700مليون دورلار سنويا والتي كانت تحصل عليها المملكة بأسعار تفضيلية. وكانت المملكة تسدد تلك الفاتورة عن طريق بيع العراق المواد الغذائية والادوية والسلع الاخرى المصنعة جزئيا او كليا في المملكة.

وكانت هذه العلاقة التجارية بين البلدين تنظمها أتفاقية تجارية تجدد كل سنة . وقد توقفت هذه الاتفاقية منذ الاحتلال الامريكي للعراق. ويحاول المسؤولين من كلا البلدين تجديد تلك الاتفاقية لكن يرى مراقبون سياسيون أنه لا توجد إرادة سياسية لدى حكومة بغداد الحالية لتجديد تلك الاتفاقية.

بالاضافة الى تلك الاتفاقية كانت هناك تجارة واسعة بين رجال الاعمال العراقيين والاردنيين تقدر بملايين الدولارت. وهي الاخرى تأثرت بسبب الوضع الامني. علما أن هذا النوع من التجارة بين البلدين أنتعش في الاشهر الاولى بعد الاحتلال حيث سمحت القوات الغازية ولأول مرة للعراقيين أستيراد السيارات من دون فرض رسوم كمركية. وادى هذا ألاجراء غير السليم الى دخول أكثر من مليون سيارة مستعملة للسوق العراقية معضمها عن طريق الاردن. لكن هذه التجارة سرعان ما توقفت بعد قيام الحكومة العراقية بمنع دخول السيارات القديمة واشترطت ان تكون السيارات الداخلة من الموديلات الحديثة.

تجارة السيارات هذه ازدهرت بعد الاحتلال بشكل كبير، ليس مع الاردن فقط بل مع دول خليجية وأوربية. وكان يمكن ان تنحصر هذه التجارة مع الاردن فقط لكن السوق الاردنية لم تستطع أستيعاب الطلب المتزايد على السيارات من قبل التجار العراقيين ما أضطرهم اللجوء الى اسواق أخرى.

والنوع الاخر من التجارة التي كانت مزدهرة بين البلدين هي نقل المسافرين العراقيين من بغداد الى عمان وبالعكس ونقل البضائع، حيث كانت السيارات الاردنية تتقل آلاف المسافرين وآلاف الاطنان من البضائع بين البلدين على الطريق البري عبر معبر الكرامة الذي كان المنفذ الوحيد للعراقيين للسفر خارج بلادهم. ألا أن هذا النوع من التجارة توقف هو الاخر بسبب الوضع الامني الصعب على ذلك الطريق داخل العراق.

وقد أدى توقف هذا الخط الى بطالة مئات السائقين الاردنين. سعود نجم كان يمتلك سيارة من نوع جي أم سي (7 راكب) كان يجني أكثر من 7 الاف دولار في الشهر من جراء نقل المسافرين. أما الان فقد أصبح عاطلا عن العمل ولايستطيع أعالة عائلة تتكون من 8 افراد بعد أن كان ميسور الحال. وهكذا حال مئات من السائقين كانوا يعملون نفس عمل سعود.

والسبب الاخر والمهم في انخفاض تلك التجاره هو رفع العقوبات الاقتصادية عن العراق في أيار/ مايو 2003 اي بعد الاحتلال الاميركي للعراق وانفتاح منافذ جديدة للاستيرادات العراقية عبرسوريا وتركيا وايران ودول الخليج وبعض الدول الاوربية بعد أن كان المنفذ الاردني هو تقريبا الوحيد في تجهيز العراق بما يحتاجه. والسوق العراقية تمتليء الان مع الاسف بالصناعة الايرانية الرديئة جدا والذي يعود بالدرجة الاولى لكون المنفذ الايراني الذي تدخل عبره البضائع الايرانيه أكثر أمانا من المنافذ الاخرى وكذلك بسبب التغلغل الايراني الواضح داخل المناطق الجنوبية من العراق.

كما ويستورد العراق الكثير من السلع وخاصة الالكترونيات والاجهزة الكهربائية والمنزلية والسيارات من دولة الامارات العربية. وتصدر تركيا عبر المنفذ الشمالي الكثير من المواد الغذائية والالبسة والبضائع الاخرى للعراق.

انخفاض التجارة بين البلدين طال المصانع الأردنية

الى ذلك فإن انخفاض حجم التبادل التجاري بين المملكة والعراق بعد وقوعه تحت الاحتلال تسبب بإغلاق وتكبيد 80 % من المصانع الاردنية التي اعتمدت التصدير الى السوق العراقية وهي خسائر مادية حفيقية بحسب قول أصحاب هذه المصانع.

ويقول هؤلاء ان تركيز تصدير إنتاج هذه المصانع على أسواق معينة كان خطأ كبيرا أدى للاضرار بصناعتها ومصالحها عندما فقدت جزءا كبيرا من السوق العراقية بعد الحرب.

وأنخفض أيضا حجم الصادرات الوطنية الاردنية الى العراق خلال الاشهر الاولى من العام الحالي بنسبة 8.9 % ليصل الى نحو 145 مليون دينار فقط مقارنة مع 159.3 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

كما وذكرت البيانات الصادرة عن غرفة صناعة عمان تراجع صادرات الغرفة خلال هذه الفترة الى حد كبير بسبب تزايد صعوبة الاوضاع الامنية في العراق الذي يعتبر من أهم الاسواق التصديرية بالنسبة لكثير من الصناعات الوطينة الاردنية. وطبقا لهذه البيانات فقد بلغت الصادرات الحاصلة على شهادات منشأ من الغرفة الى السوق العراقية خلال النصف الاول من العام الحالي 126.3 مليون دينار بتراجع بنسبة 53 % مقارنة مع 267.2 مليون دينار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

ويقول تجار أردنيون ان الشاحنات المنطلقة من المملكة للعراق باتت تمر بالأراضي السورية لتتوجه الى المنافذ الشمالية في أقليم كردستان العراق بدل التوجه مباشرة الى الحدود العراقية-الاردنية بسبب الظروف الامنية الصعبة مما أدى الى أرتفاع تكاليف الشحن.

ازدياد الاستثمارات العراقية في الأردن

ورغم انخفاض مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلا أن حجم الاستثمارات العراقية في المملكة آخذ في الزيادة سنة بعد سنة. ويحتل المستثمرون العراقيون المرتبة الثانية بعد المستثمرين السعوديين في حجم استثماراتهم. وبحسب المدير التنفيذي لمؤسسة تشجيع الاستثمار معن النسور فإن حجم الإستثمارات العراقية في المملكة أزداد من 46 مليون دينار في عام 2005 الى أكثر من 100 مليون دينار في عام 2006. وحسب أخر الاحصائيات فإن الاستثمارات العراقية في قطاع العقار خلال الأشهر السبعة الاولى من هذا العام بلغت 41 مليون دينار.

كما وبدأ المتسثمرون العراقيون في توجيه استثمارتهم في العقبة. ويذكر أن سلطة العقبة الخاصة وشركة تطوير العقبة وقعت مؤخرا 7 اتفاقيات مع شركات ومستثمرين عراقيين بقيمة تصل في حدها الادنى إلى نحو 200 مليون دينار. وذلك على هامش ملتقى الاعمال العراقي الذي عقد في العقبة على مدار ثلاثة أيام في شهر تموز/ يوليو الماضي. وتشمل هذه الاستثمارات إنشاء مشروع تجميع وصيانة الطائرات الخفيفه وأنشاء أكاديمية للطيران إضافة الى إنشاء مشروع مركز تدريب على الطائرات المروحية وانشاء مجمع تجاري مفتوح ومبنى مكاتب ووحدات سكنية وفندقية.

يذكر أن سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة وشركة تطوير العقبة قد طرحت فرصاً استثمارية بقيمة 10 مليارات دولار منها 5 مليارات دولار لمشاريع عقارية إضافة الى مليار دولار في مجال تطوير الموانئ والاخرى في مجال التطوير الصناعي واللوجستي.

التجارة بين الأردن والعراق في أدنى مستوياتها – حسن البرواني
 
15-Nov-2007
 
العدد 2