العدد 2 - اقتصادي
 

فقدت الحكومة فرصة نادرة كان يمكن أن توفر مئات ملايين الدنانير حين لم تصغ لمقترح أحد وزرائها بضرورة رفع سعة تخزين المملكة من النفط عندما هبطت الأسعار العالمية لمستويات قياسية دون الخمسين دولارا/ برميل في منتصف العام الحالي، على ما تكشف مصادر مقربة من صناعة القرار.

تفويت تلك الفرصة يكلف خزينة الدولة الآن ضعف المخصّصات، غير المتوافرة حالياً، لدعم المحروقات بعد أن اخترقت سقف ال 100 دولار/برميل.

يجادل خبراء نفط بأن رفع السعة التخزينية لتغطية احتياجات المستهلكين لمدة ستة أشهر على الأقل يساعد الدولة على تجاوز التقلبات الطارئة في أسعار الخام العالمية.

أما وزارة الطاقة، فتقول إن تعليمات وكالة الطاقة الدولية تحصر ب 90 يوماً المخزون الاستراتيجي من الخام ومشتقاته للدول غير المنتجة بغض النظر عن نسب توزيعها بين النفط الخام ومشتقاته. وفي حالة الأردن تم إقرارخطة تكون الكفاية فيها على أساس 30 يوماً للنفط الخام و60 يوماً للمشتقات النفطية، بحسب بيان عن وزارة الطاقة والثروة المعدنية.

تعليمات الوكالة لم تتطرق لموضوع كفاية المخزون من الغاز المسال والإسفلت بسبب التكلفة العالية لبناء السعات التخزينية لمادة الغاز البترولي المسال. وبالتالي، يضيف البيان، أن مجمل كفاية السعات التخزينية المتاحة حالياً للنفط الخام ومشتقاته وبمراعاة تكرير النفط الخام، تعادل متطلبات الوكالة وتلتزم بها.

مشكلة الأردن النفطية معرضة للتوسع في حال بقيت الأوضاع في الشرق الأوسط على حالها، كما يرى خبراء اقتصاد، خصوصاً ما يسود منطقة الخليج العربي - محيط النفط العالمي، من حروب وصراعات وأحداث جسام متفجرة –وأكد هؤلاء الخبراءأن أسعار النفط سترتفع بشدة في اتجاه الـ100 دولار للبرميل،وقد تكسر هذا الحاجز، وأكبر دليل هو حرب أنقرة على المتمردين الأكراد - على رغم أن تركيا ليست دولة نفطية – لكنها تشكل ممراً مهماً لعبور نسبة معقولة من النفط والغاز عبر أراضيها وموانئها - إلا ان أسعار النفط لم تصدق خبراً - كما يقولون - فصعدت لتكسر حاجز الـ90 دولاراً للبرميل.

ويرجح الخبراء انطلاق الأسعار، بشكل صاروخي، في حال نشب نزاع مسلح بين الغرب بقيادة الإدارة الأميركية وإيران على مياه الخليج العربي وضفافه. وهي(الحرب) التي بشر بها بوش من قبل، وأكدها نائبه ديك تشيني في كلمته التي ألقاها في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في لانسداون في ولاية فرجينيا قائلاً:"إن النظام الإيراني بحاجة إلى أن يعرف أنه إذا استمر في سياسته الحالية، فإن الأسرة الدولية مستعدة لتكبيده عواقب وخيمة" مضيفاً أن بلاده والدول الحليفة لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي.

من هنا فإن ثورة الأسعار الكبرى سترفع رأسها،وقد تدق عتبة الـ150 دولاراً بحسب تقديرات عالمية ، ليبلغ الضرر الاقتصاد العالمي، ويطال الأردن، ونموه الاقتصادي، والمستهلك الذي سيتحمل ارتفاعات الأسعار الكبيرة في وقت تكون الحكومة فيه انتهت من خطتها في تحرير قطاع الطاقة، كما يرى استاذ الاقتصاد الدكتور فؤاد كريشان الذي يقول إن الحرب إذا حدثت،بين ايران والغرب، ستحرك الأسعار صعودًا كما حدث إبان احتلال العراق.

وفي نيسان /ابريل الماضي أطلق صندوق النقد الدولي في تقرير سابق للمراجعة الدورية الاقتصادية إنذاراً مبكرً حول آثار صعود أسعار البترول على الاقتصاد الأردني.

وحينها كان سعر برميل النفط ما يزال يدور حول مستوى 65 دولارًا للبرميل، إلا أن رحلة "الذهب الأسود" في منحى الارتفاع استمرت حتى وصل قبل أيام معدودة إلى مستوى 96 دولاراً للبرميل، الأمر الذي يقتضي مراجعة أخرى سيبدؤها خبراء الصندوق نهاية تشرين الثاني.

ويفترض فريق من الباحثين في الصندوق أن ارتفاع سعر برميل النفط 5 دولارات سيزيد عجز موازنة العام 2007 بنسبة 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، محذراً من تفاقم آثار ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد الأردني مع عدم وجود آلية تسعير أوتوماتيكية للمحروقات في المملكة، وبالتالي الإبقاء على الدعم جزئياً ما يعتبر بمثابة أحد أهم المخاطر التي تعتري "مالية الحكومة العامة" في المملكة ، إلى ذلك تؤكد تقارير لفريق الصندوق أن أسعار النفط العالمية ستبقى ميكانزماً مؤثراً في توجهات الاقتصاد الأردني في بلد يستورد كامل احتياجاته النفطية من الخارج.

ويرى خبراء أن أسعار النفط ضمن معدلاتها الحالية ستلقي بظلالها على مفاصل أساسية في الاقتصاد الوطني، وبخاصة على بنود التضخم، وعجز الميزان التجاري، وعجز الموازنة العامة، ناهيك عن الآثار الاجتماعية لذلك بافتراض إعلان تحرير سوق المشتقات النفطية مطلع العام المقبل.

مصدر حكومي مطلع ألمح إلى أن ملحق الموازنة الأخير الذي أصدرته الحكومة مطلع تشرين الأول الماضي الذي قدر حجم نفقات دعم المحروقات فية بحوالي 200 مليون دينار سيكون كفيلاً بتغطية نفقات هذا البند "حتى لو وصل سعر برميل النفط الى 100 دولار" وهو الأمر الذي ينسجم مع وعود رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت بشأن عدم رفع أسعار المحروقات في العام 2007.

وكان مجلس الوزراء قد أقر ملحقاً للموازنة بقيمة 500 مليون دينار وخصص منها ايضاً 140 مليون لدعم الأعلاف و160 مليون لنفقات مالية أخرى.

ويرى المصدر ذاته أن تمويل الملحق سيتم بتخفيض ما تبقى من بند النفقات الرأسمالية البالغة قيمتها 200 مليون دينار، والاستفادة من العوائد الناجمة عن رفع قيمة الضريبة الخاصة على التبغ والسجائر بقيمة 100 فلس لعبوة التبغ، والمشروبات الكحولية بنسبة 10بالمئة لسعر اللتر، التي قدرتها وزارة الماليةب 33 مليون دينار سنوياً، الى جانب تفعيل التحصيل الضريبي لغايات تمويل باقية نفقات الملحق.

حلول أخرى

الصعوبات الجديدة التي تعتري واقع المالية العامة في الاردن تبدأ مطلع العام المقبل مع التزامات الحكومة التي أكدها وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور خالد الشريدة بتحرير سوق المشتقات النفطية الذي سيتوج بانتهاء مدة عقد امتياز المصفاة في 10 آذار المقبل.

وتفترض دراسة تسعير المشتقات النفطية المستندة للأسعار العالمية Import Parity Prices التي أعدها لحساب وزارة الطاقة والثروة المعدنية المستشار Tom Houston في تشرين الثاني 2005، الإعلان عن تسعير المشتقات النفطية المحررة مع وضع سقف للأسعار المحلية للمشتقات المحررة بشكل شهري أو كل أسبوعين لفترة انتقالية يحددها قانون المعادن والبترول ضمانة لضبط عدم تجاوز الأسعار المحلية للسقف المعلن.

وسيوفر قانون البترول والمعادن 2007 الذي أعدت الوزارة مسودة مشروعه، وستعرضه على مجلس الوزراء قريباً آليات لحماية المواطن من تجاوز السقف المعلن للأسعار، وسينبثق عن قانون المعادن والبترول نظام يحدد سياسة التسعير المستندة للأسعار العالمية.

تخزين النفط

ويرى أستاذ الاقتصاد الدكتور فؤاد كريشان أن التجربة الغربية "خصوصاً لدى البلدان التي تعدل أسعار المحروقات أوتوماتيكيا" تفيد في حماية الاقتصاديات المحلية من التذبذب في أسعار المشتقات النفطية، اذ يعمد جمهور المستهلكين والمستوردين إلى شراء المشتقات النفطية عند المستويات السعرية المنخفضة وتخزينها في فترات ارتفاع الأسعار.

وتجري الاستعدادات حالياً لاستكمال إجراءات زيادة الطاقة التخزينية بالعقبة بمقدار 230 ألف طن، والسير في بناء سعات تخزينية للغاز البترولي المسال بمقدار 8000 طن في موقع المصفاة. كما تعكف وزارة الطاقة على استكمال دراسة تضمين وثائق عطاء تأسيس الشركة اللوجستية التي سيتم ترخيصها بعد انتهاء عقد امتياز شركة المصفاة التي تهدف إلى زيادة السعات التخزينية للمشتقات النفطية.

إلا أن نقيب أصحاب محطات المحروقات حاتم عرابي يرى أن فعالية قدرات التخزين في الواقع الحالي في حماية الاقتصاديات المحلية من تذبذب تبقى محدودة جدا ،مشيرا إلى أن الدول المتقدمة تعمد إلى توسيع قدراتها التخزينية من المشتقات النفطية لمستويات يكفي معدل استهلاكها حوالي 8 أشهر وأكثر.

عرابي يرى أن عمليات تخزين المشتقات النفطية مكلفة اقتصاديا ويقول " لا تستطيع تجميد 300 مليون دولار بشكل دائم على شكل مخزونات نفطية في اقتصاد ناشئ كالأردن، كما أن الأمر محكوم بعقود التسليم التي تستمر لأشهر ومدد زمنية طويلة".

مخاطر ومخاطر

الحكومة أراحت نفسها حتى نهاية العام فيما يخص انعكاس أسعار النفط وأثره على مستوى الاقتصاد الوطني بعد أن قررت عدم رفع الأسعار خلال عام 2007 ، الا أنها ماضية في سياسة تحرير المشتقات النفطية ،وهذا أمر اكيد كشفه بلاغ الموازنة الصادر عن الحكومة الذي وضع تحرير سوق المشتقات النفطية في أول بند من بنود افتراضات موازنة العام 2008.

رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب السابق عاطف الطراونة حدد مخاطر ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد الوطني بزيادة الأسعار وارتفاع "معدل التضخم" وتنامي عجوزات الميزان التجاري والموازنة العامة.

إلى ذلك يقدر مصدر طلب عدم ذكر اسمة قيمة فاتورة الطاقة هذا العام بحوالي 2 ملياري دينار، متوقعاً أن يفوق حجم الدعم الحكومي للمشتقات النفطية 500 مليون دينار، فيما قدرت الفاتورة النفطية حتى نهاية آب الماضي "قبل 4 أشهر من نهاية العام" بحوالي 1.2 مليار دينار، مما يعني أن عجز الموازنة مرشح لأن يصل مع نهاية العام الحالي إلى 600 مليون دينار أو ما يزيد على 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر للعام 2007.

إضافة إلى ما سبق، سيعمل تحرير سوق المشتقات النفطية الذي سيعكس أسعار البترول أوتوماتيكيا في محطات المحروقات الأردنية على رفع معدل التضخم في الأسعار لارتباط انتاج نحو 60 سلعة وخدمة في سلة المستهلك الأردني بأسعار المحروقات بشكل مباشر، مما يرشح ثبات معدل التضخم إلى مستوى يزيد على6 بالمئة، وهو المعدل الذي سجله العام 2006 والشهور المنصرمة من العام الحالي، الأمر الذي يعني فشل الخطط الحكومية في تخفيض معدلات الأسعار.

لماذا لم تشتر الحكومة النفط عندما هبط إلى 50 دولاراً – السجل خاص
 
15-Nov-2007
 
العدد 2