العدد 78 - اقتصادي
 

محمد علاونة

«توقفتُ عن إكمال بناء منزلي بعد معاناةٍ طويلة في الحصول على الإسمنت، في وقت تجاوزت فيه السقف المالي الذي وضعته لمشروعي المتواضع». بهذه الكلمات يختزل المواطن يزن الخوالدة المشهد الحاصل في سوق الإسمنت، الذي يعاني من شح في المعروض، وبلوغ الأسعار مستوى 120 دينارا للطن، ارتفاعا من 80 دينارا سجله سعر المادة الأساسية في البناء بداية أيار/مايو الجاري.

رئيس جمعية تجار الإسمنت منصور البنا، يؤكد التزام مراكز التوزيع في توزيع مادة الإسمنت، لكنه يقر بوجود نقص في الأسواق نتيجة الطلب المفاجئ مع حركة نمو يشهدها العقار، بخاصة المشاريع الصغيرة.

نقيب المقاولين الأردنيين ضرار الصرايرة يقول: «لم نجد آذانا صاغية حين حذّرنا من ذلك»، في إشارة منه إلى تحذيرات أطلقتها النقابة مطلع أيار/مايو الجاري من إمكانية تعطل مشاريع عقارية بسبب نقص في مادَّتَي الحديد والإسمنت، ووجود احتكار في السوق.

الصرايرة يؤكد أن معظم المشروعات في البلاد متوقفة، بفعل «النقص الحاد في مادة الإسمنت، وارتفاع أسعارها بشكل غير مبرر، مما تسبب في تعطيل مصالح قطاع الإنشاءات».

تحذيرات النقابة السابقة تزامنت مع تحذيرات أطلقتها جمعية المستثمرين في قطاع العقار، جاء فيها أن هناك احتكاراً في الأسواق.

وهو ما أكده رئيس الجمعية زهير العمري. يقول: «هناك من يقومون بتخزين كميات كبيرة لغايات الاحتكار ورفع الأسعار، لتحقيق أرباح مجزية من جهة، وتلافي موجة ارتفاع أسعار مواد البناء الأولية من جهة أخرى».

لكن تصريحات وزير الصناعة والتجارة عامر الحديدي، على هامش انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي على ضفاف البحر الميت، كانت ملفتة. الوزير علّق على «الأحاديث حول وجود أزمة في مادَّتَي الإسمنت وحديد التسليح في السوق المحلية»، مؤكداً أن ما يجري هو «افتعال لأزمة من قبل أطراف لتحقيق مصالح خاصة».

لكن الحديدي تراجع عن تلك التصريحات في بيان صحفي صدر السبت 24 أيار/مايو أقر فيه بوجود نقص بالكميات وارتفاع في الأسعار. وجاء في البيان أن الوزارة «اتخذت الإجراءات اللازمة كافة لتوفير مادة الإسمنت، بكميات كافية في السوق المحلية، لمواجهة ارتفاع الطلب المفاجئ على هذه المادة، بما يضمن وصولها إلى المواطنين بأسعار معقولة دون المغالاة فيها من قبل بعض التجار».

وفقاً لتسعير لجمعية تجار الإسمنت، يراوح سعر الطن من هذه المادة (واصل المستهلك) بين 90 و95 ديناراً.

الحديدي قال إن الوزارة اتخذت إجراءً لمعالجة الاختلالات التي تعاني منها سوق الإسمنت، يتمثل في تسمية مندوب من الوزارة إلى شركة مصانع الإسمنت، ليتولى عمليات تسليم كميات الإسمنت إلى التجار، ومتابعة وصولها إلى المناطق كافة.

وبيّن أنه تم اتخاذ إجراءات لتسهيل عمليات الاستيراد، لضمان وصول المستوردات إلى المملكة بأسرع وقت ممكن وضمن مواصفات جودة عالية، وذلك لسد النقص الحاصل في مادة الإسمنت، وتلبية الزيادة المفاجئة على الطلب.

بدورها، ردّت شركة الإسمنت الأردنية «لافارج» اضطرابَ سوق الإسمنت المحلية، إلى الارتفاع المفاجئ على أسعار مادة الإسمنت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. وأوضحت في بيان أن «متوسط حجم التسليم بلغ خلال أيار/مايو الجاري 17 ألف طن يوميا، فيما بلغ حجم الطلب 18.5 ألف طن يوميا».

وتوقعت الشركة أن تستقر السوق خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، مشيرة إلى أنها باشرت بعدد من الإجراءات التي من شأنها تغطية احتياجات السوق المحلية وإعادتها إلى توازنها المعتاد.

وبينت أنها قامت بوقف التصدير فور ظهور بوادر الأزمة، وبدأت بتوجيه الكميات المعدَّة للتصدير التي تبلغ 11 ألف طن، من ميناء العقبة إلى السوق المحلية، إضافة لاستيراد 18 ألف طن إسمنت سائب رغم التكلفة.

البنا يؤكد ما جاء في بيان «لافارج» بالقول: «هنالك طلب مفاجأ على مادة الإسمنت، والسوق تحتاج إلى وقت للعودة للاستقرار». ويضيف أن كميات الإسمنت التي تدخل إلى السوق يوميا تبلغ حوالي 18 ألف طن، متوقعا انحسار النقص خلال الأسبوع المقبل.

لكن العمري من جهته، جدد تحذيره من أن «هناك أزمة يمكن أن تشهدها السوق في الفترة القريبة في حال لم تجد الحكومة حلاً سريعا لذلك».

بينما يلفت الصرايرة إلى أن نقص الإسمنت سيؤخر تنفيذ مشروعات المقاولين وتسليمها في مواعيدها المحددة، ما يحمّلهم أعباء مالية كبيرة جرّاء الغرامات.

الصرايرة والعمري طالبا الحكومة بالتدخل، ومعالجة المشكلة، لدعم النشاط العمراني، ومحاسبة من يرفع الأسعار دون مبرر.

من الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصناعة والتجارة لمعالجة المشكلة: التعاقد مع شركات معاينة عالمية بالتعاون بين مؤسسة المواصفات والمقاييس والمستورد والمورد، وفحص الإسمنت المراد توريده إلى المملكة، وإصدار تقارير خاصة حول جودة المنتج ومدى مطابقته للمواصفات المعمول بها في الأردن لتسريع الإجراءات وسد العجز الحاصل ما بين العرض والطلب.

وأعلنت الوزارة أنه سيتم استيراد كميات إضافية من الإسمنت من السعودية عبر شركة إسمنت الشمال، وبواقع 400 إلى 600 طن يوميا، إلى أن يتم البدء بالإنتاج الفعلي لهذه الشركة في تموز/ يوليو المقبل.

وعممت الوزارة على مدراء الصناعة والتجارة في المحافظات، لتشديد الرقابة على تجار مادة الإسمنت، ومتابعتهم بشكل يومي للاطلاع على كيفية بيعهم للمخصصات التي يتسلمونها يوميا، واتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالفين منهم.

ويتم –بحسب بيان الوزارة- تزويد المديريات بقائمة تبين الكميات التي استلمها كل تاجر أولاً بأول من مصانع الإسمنت، كما تمت مخاطبة شركة مصانع الإسمنت الأردنية لتزويد الوزارة بأسعار بيع الإسمنت بشكل مفصل.

وستقوم مديريات الصناعة والتجارة في المحافظات يوميا بتسلم كشف يومي من الوزارة يبين أسماء المحلات التي تم إرسال الإسمنت لها، لتتولى متابعة محلات التوزيع وفقاً للكشف المرسل لها، للتأكد من أن المحلات تقوم ببيع الكميات للمواطنين، ومنع البيع بكميات كبيرة، حيث لاحظ كوادر الوزارة أن بعض الورش ومعامل الطوب تخزّن كميات كبيرة من الإسمنت خشية فقدان المادة.

مصنع سعودي جديد لإنتاج الإسمنت

أعلنت الشركة العربية للإسمنت السعودية، ومقرها مدينة المكلا، أنها ستفتتح أول مصنع لها في الخارج في منطقة القطرانة بالأردن العام المقبل، بحجم استثمار قدّرته الشركة بـ400 مليون دولار.

رغم أن الشركة أكدت في بيان أصدرته مؤخراً أنها ستجمد عملياتها التوسعية في الخارج حتى تنتهي الأزمة المالية العالمية، إلا أنها بينت أن مصنعها في الأردن قيدُ الإنشاء، وتتوقع أن يبدأ الإنتاج في بداية العام المقبل بطاقةٍ تبلغ خمسة آلاف طن يوميا، بينما سيكون الإنتاج الفعلي نحو مليون إلى 1.5 مليون طن بناء على الطلب، ليرتفع إلى مليونَي طن سنويا بحلول الربع الأول من العام المقبل.

تعتزم الشركة، بحسب البيان، زيادة إنتاجها نحو 36 في المئة إلى 3.5 مليون طن، بعد توسعة مصنعها في رابغ بالسعودية، لتزيد طاقة الإنتاج اليومية سبعة آلاف طن.

كانت الشركة جمدت خططا لمزيد من التوسع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حتى تستقر الأسواق العالمية وتتضح آثار الأزمة المالية.

السعودية، تقام فيها مشروعات للبنية التحتية بمليارات الدولارات، وهي تعاني مثل الأردن، نقصاً في الإسمنت ، مع تصدير الشركات كميات كبيرة منه للخارج، مما دفع الأسعار المحلية للارتفاع، وأجبر الحكومة هناك على حظر الصادرات.

الحظر الذي تزامن مع ارتفاع في عدد مصانع الإنتاج، أدى إلى زيادة في المعروض بالسوق المحلية هناك، مما دفع الأسعار للانخفاض.

تقرير صادر عن بيت الاستثمار العالمي، ومقرّه الكويت، قدّرَ حجم مادة «الكلنكر» المخزنة في 12 مصنعا في السعودية، بنحو ثمانية مليارات طن، ما عدّه التقرير كمياتٍ ضخمة سيكون من الصعب بيعها في السنوات القليلة القادمة. ويدخل «الكلنكر» في صناعة الإسمنت.

وتوقّع التقرير أن يبلغ إجمالي الطلب على الإسمنت في السعودية العام المقبل 33 مليون طن، بينما يبلغ المعروض حاليا نحو 43 مليون طن سنويا.

ومن المتوقَّع أن تتخطى الطاقة الإجمالية لإنتاج الإسمنت في السعودية 55 مليون طن في غضون العامين المقبلين، بينما تعمد الشركات إلى التوسع، ويدخل منتجون جدد السوق.

المصنع الذي يقام في منطقة القطرانة الجنوبية، تبلغ طاقته الإنتاجية الأولية مليونَي طن سنويا، يمكن مضاعفتها إلى أربعة ملايين طن إذا كان الطلب كافيا. وتتوقع الشركة أن تصدّر من إنتاج المصنع إلى أسواق مجاورة، مثل: العراق، وسورية، والمناطق الفلسطينية.

نقص الإسمنت بين تحذيرات مقاولين وتطمينات مسؤولين
 
28-May-2009
 
العدد 78