العدد 78 - الملف
 

محمد جميل خضر

لم يكن ما تسبب في أحزان المبدع الأردني الراحل تيسير سبول، عارضاً طارئاً، أو يدخل ضمن قائمة الأسباب الشخصية للحزن، ولهذا، ربما، فإن سبول مضى بحزن جليل لا يفهمه سواه.

إثر نكسة حزيران العام 1967، انكفأ سبول المولود في الطفيلة العام 1939، على نفسه، ولم يستطع رغم الأصدقاء، تقبل الهوة السحيقة التي وضعت فيها هزيمة «الساعات الست» العرب.

تناول سبول، بالتالي، لا يستقيم دون تناول الأعوام الأخيرة من حياته، وهي الأعوام التي انكفأ فيها على نفسه، وانتكست أحواله، وتوقف نتاجه الأدبي خلالها عند حدود ديوانه الوحيد: «أحزان صحراوية» الصادر عن دار النهار في بيروت العام 1968، ورواية «أنت منذ اليوم» الصادر عن دار النهار في بيروت أيضا وفي العام نفسه، والتي نال عنها جائزة الرواية العربية بعد الهزيمة، وبعض قصص منثورة هنا وهناك، وبعض قصائد.

الموت المبكر، انتحاراً، رفضاً للهزيمة بمختلف أبعادها الموضوعية والذاتية والعاطفية والقيمية، هو العنوان الأبرز في مسيرة لم تتعد 34 عاما بين ولادته العام 1939 وموته العام 1973.

سبول، الذي هجر مبكرا بيت العائلة الحجري، باحثا عن الطراوة الرجراجة في روحه عبر باقي الجهات، ليمسك بإعدادية في مدينة الزرقاء فثانوية كلية الحسين بعمان، ويبرز كأفضل كاتب لموضوع تعبيري في جميع الشعب في صفه بحسب ما قدمه معلم اللغة العربية الأديب عبد الرحمن كيالي.

الكتابة التي برع فيها سوف تقوده إلى نارين، الأولى: لدغة الكتابة والتوتر والبحث المضني عن الجمال. والثانية: الهم القومي، وتشظيات جغرافيا الدولة العربية وتداعيات كارثة فلسطين.

القارئ لسيرة سبول، ولمنجزه الإبداعي المتأثر بتداعيات تساقط الخطاب السياسي العربي، وانسحابه المبكر من الحلقة التنظيمية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان منتميا إليه، لأنه لم يتسع لحلمه وطموحاته، لا يسعه إلا التقاط وجه التشابه بين ذلك كله وبين أحداث رواية «أنت منذ اليوم» وانشطارات «عربي»، بطل الرواية، فما من جهة احتملها الفتى إذن، وما من مساحة احتملت حدود روحه النزقة.

كان يمكن لصداقات عمانية مع شعراء وكتاب مثل: عز الدين المناصرة، فايز محمود، رسمي أبو علي، وصادق عبد الحق، أن تجعله يتوقف قليلا كي يحدق بوعد العمر وجمالية تدفق الحياة. كان يمكن أن يترك روحه مأخوذة بالإذاعة الأردنية، وبتقديم البرامج الأدبية كي يرسم الوعد اللاحق لأقلام واعدة ظل تيسير يرعاها ويحنو عليها.

كان يمكن أن يتريث قليلا، ويحدّق بحبيبة عمره، زوجته مي تيسير، وبطفله عتبة وابنته صبا، أن يوزع ذاته المتعبة على أرجاء البيت، مثلما يفعل رب كل عائلة عربية عادة في آخر النهار.

وكان يمكن أن يصدق صوفيته، ويذهب في نقاء العقيدة وصفاء الذهاب في حلقات الذكر إلى الله كي يهدئ من روعه قليلا، مثل كثير من المعذبين بحمى الأسئلة. وكان يمكن أن ينسف كل المنجزات التي أحدثها في كل الجهات ويعود إلى جهته الأولى الجنوب، حيث الطفيلة والبيت الحجري والجبال التي تظل تحرس أرواح الرجال.

كان يمكن، لكنه كان قد اتخذ قراره أخيراً وصوب المسدس نحو الرأس ظهر يوم 15 تشرين الثاني العام 1973 وصار الضحى التشريني الأردني في كل عام يستذكر الشاعر الذي أطلق الرصاصة على رأسه لتصبح كل الجهات جنوبا.

تيسير سبول: كل الجهات جنوب
 
28-May-2009
 
العدد 78