العدد 78 - الملف
 

ابراهيم قبيلات

لم يمنع بُعد مدينة الطفيلة عن مدن المملكة الأخرى، مواطني المدينة الجنوبية من التفاعل مع الأحداث السياسية التي اجتاحت العالم العربي في أواسط الخمسينيات. فقد شهدت تلك الفترة خروج المظاهرات التي قادها مدرسون وشارك فيها طلاب، وبخاصة، بعد تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر العام 1956.

وقد ساعد على هذا الحراك السياسي وجود عدد من المنفيين السياسيين في المدينة في خمسينيات القرن الماضي، فبحسب على القطامين، بعثي سابق، بلغ عدد المنفيين السياسيين في المدينة في تلك الفترة أكثر من مئة.

القطامين (67 عاماً)، يقول لـ ے: «شكل المبعدون سياسياً، والمعلمون المنفيون من شتى مدن المملكة إلى الطفيلة، حالة سياسية اتسمت بالنشاط الدائم». من بين من يستذكرهم القطامين من هؤلاء السياسيين الضابط موسى المحيسن، الذي كان يخضع للإقامة الجبرية في الطفيلة على خلفية سياسية، وصادق علاء الدين، من أريحا. ومن المعلمين البعثيين يتذكر القطامين سليم فرهود، المنفي من إربد، ونسيم الصناع، زهير محيسن.

ويؤكد القطامين: «كانت الطفيلة مغلقة على الفكر القومي حتى سبعينيات القرن الماضي، ولم يدخلها حزب الإخوان إلا مؤخراً».

إلى جانب هؤلاء، كان الطلبة الذين يغادرون الطفيلة لتحصيل العلم، سريعا ما يعودون محملين بأفكار جديدة عن التحرر والوحدة العربية والاشتراكية، فينشرون أفكارهم في المحيط الجاهز لتقبل مثل هذه الأفكار، كما يؤكد محمد العوران، الوزير والنقابي السابق.

المذياع، الذي كان منتشرا في صورة ضيقة، ساعد أيضا في تشكيل الوعي السياسي لأبناء الطفيلة، وبخاصة من خلال إذاعة صوت العرب التي بدأت بثها العام 1954، والتي كانت أداة مهمة في مجال التأطير السياسي في تلك الفترة المضطربة من تاريخ الأردن والعالم العربي.

محمد العوران الذي حمل حقيبة التنمية السياسية، في التعديل الذي أجري على حكومة البخيت في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2006، يتفق مع القطامين بأن «المعلمين استطاعوا مبكراً نشر الأفكار الحزبية بين جموع الطلبة، بالإضافة إلى الطلبة الذين ارتحلوا من الطفيلة بقصد إكمال التعليم، سواء أكان ذلك داخل الأردن أم خارجه». يستذكر العوران تلك الحقبة التي كانت المرآة لكل ما يحدث في الأقطار العربية، وبخاصة بعد ثورة يوليو/تموز في مصر، فقد كانت المظاهرات تخرج حين ذاك، وكان يشارك فيها المعلم إلى جانب طلابه». ومن أكثر المعلمين حراكاَ حسبما يستذكر العوران سليم فرهود، المدرس البعثي القادم من الشمال، والذي كان يدرس مادة الرياضيات.

في نهاية الستينيات غاب الطابع الوطني عن الأحزاب الأردنية، وانصهرت في الفصائل الفلسطينية، ليس من خلال حمل الهوية الفلسطينية، بل لطابعها العربي والقومي، الذي وجد استجابةً من الأردنيين بعامة ولم يكن الطفايلة بمعزل عن هذا الهم كما قال لـ ے العوران.

بعد العام 1967، انصهرت الهوية الفرعية للأحزاب القومية المتواجدة آنذاك في الطفيلة في الفصائل الفلسطينية، كما يقول العوران، لكن هذا كله انتهى بعد أحداث أيلول/سبتمبر 1970، فبدأ الأخوان المسلمون بدخول الطفيلة من أوسع أبوابها، هم الذين لم يكن لهم أي تواجد فيها قبل ذلك، مستغلين عدم وجود أي منافس لهم. واستمر الحال على هذا المنوال حتى عودة الانفراج الديمقراطي، حسبما يستذكر وزير التنمية السابق.

بعد هبة نيسان (1989)، نشطت الأحزاب التي خرجت من تحت الأرض، وقدمت مرشحيها في أول انتخابات برلمانية حزبية تجري منذ أكثر من عشرين عاما، فتمكن الإخوان المسلمون من إيصال عبد الله العكايلة وفؤاد الخلفات إلى مجلس النواب، ورشح الحزب الشيوعي الأردني وليد العطيوي، لكنه لم يتمكن من الفوز.

الحماسة التي رافقت عودة الحياة البرلمانية والديمقراطية لم تستمر بالزخم نفسه، وبخاصة بعد إقرار قانون الصوت الواحد في العام 1993، الذي أشر لمرحلة التراجع عن الديمقراطية التي لم تكن بدأت إلا قبل أربع سنوات.

الطفيلة السياسية: قوميون حتى السبعينيات
 
28-May-2009
 
العدد 78