العدد 77 - كتاب
 

موازنة 2009 لم تخل من ثغرات واختلالات عند وضعها وإعتمادها، لتأتي في جانب ملموس منها انعكاساً لبروز أزمة متصاعدة في الاقتصاد الأردني الكلي في أهم فروعه وقطاعاته، وكان متوقعاً أن تظهر التداعيات بوضوح إلى السطح فور البدء بتنفيذ بنود عناصرها، سواء تلك المتصلة بجانب الإيرادات، أو تلك المتعلقة بجانب النفقات مع تواصل الارتفاع في رصيد عجزها إلى 688 مليون دينار بعد المساعدات والمنح، وبنسبة 4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز بعد المساعدات بسقف 1373 مليون، وبنسبة 9.2 في المئة.

الأزمة الاقتصادية ليست بنت ساعتها أو ذات صلة مقتصرة على العام 2008 فقط، ولم تنجم مع انفجار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية أو بعدها، بل كانت متصاعدة معها وفي موازاتها، وكلتاهما من نتائج السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية نفسها المغرقة في ليبراليتها، من دون أن ينفي ذلك تفاقم الأزمة الأردنية، بشكل أو بآخر، بانفجار الأزمة العالمية في أواخر أيلول/سبتمبر 2008، التي ما زالت ذيولها تتوالى فصولاً ومتغيرات. بدلاً من رقم فائض في موازنة الأردن 2008 خلال الربع الأول بمبلغ 129 مليون دينار، كمحصلة إيرادات بقيمة 1191 مليون دينار مقابل نفقات كلية أقل بقيمة 1062 مليون دينار، فإنّ الربع الأول من 2009 سجّل عجزاً بقيمة 151 مليون دينار فرقاً بين نفقات فعلية بمبلغ 1395 دينار مقابل إيرادات أقل وبقيمة 1244 مليون دينار.

الانتقال من رصيد وفْر إلى رصيد عجْز ربحي في موازنة 2009 سببه قفزة واسعة في النفقات العامة زادت بمقدار 333 مليون دينار عن النفقات المقابلة في العام 2008 وبنسبة ارتفاع 31 في المئة، فيما كان الارتفاع في الإيرادات في الفترة المقابلة محدوداً، وبقيمة 53 مليون دينار، وبنسبة 4.5 في المئة فقط.

كان من المحتمل أن يكون مبلغ العجز في الموازنة 2009 في الربع الأول، أكبر في قيمته لولا تحقق زيادة ملموسة استثنائية في إيرادات ضريبة الدخل قياساً بسنوات سابقة، وفي المقابل، فإنّ حالات التباطؤ واشتداد البطالة واتساع مساحات الفقر المطلق والمدقع، وتدهور القدرات الشرائية، أدى إلى ثبات حصيلة ضريبة المبيعات، أو حتى تحقق اتجاه هبوطي فيها من المتوقع تسارعه لاحقاً.

ستشهد الأشهر المقبلة اتساع حجم العجز في الموازنة الأردنية، لاعتبارات وأسباب من بينها حدوث تراجع حاد في إيرادات ضريبة الدخل التي يتم سداد معظم مستحقاتها، في العادة، في الأشهر الأولى من كل سنة مالية، طبقاً لمتطلبات قانونية، وللاستفادة من حوافز الخصم التشجيعي، فيما من المستبعد أن تحافظ ضريبة المبيعات على زخمها التصاعدي حتى مع تنفيذ القرار الحكومي الأخير بتنزيل حد سقف التسجيل من 100 ألف دينار مبيعات سنوية إلى 75 ألف دينار الذي يوسع من شريحة أعداد المكلفين الصغار، كما لا ننسى أن حصيلة ضريبة المبيعات في الأشهر الأولى للعام 2008 الأولى اتسعت وزادت كثيراً من الاتجاهات والموجات التصاعدية في التضخم في الفترة الموازية من السنة المالية، (هي ضريبة تضخمية ركودية ثقيلة بامتياز)، كما أنه لن يكون مفاجئاً أيضاً استمرار الاتجاه الهبوطي في قيمة حصيلة الرسوم الجمركية في موازاة تواصل التخفيض في معدلاتها تنفيذاً لشروط منظمة التجارة الدولية، وبسبب التراجع المتوقع في المستوردات.

في مقابل الهبوط الفعلي والمتوقع للإيرادات، تستمر مستويات الإنفاق المعتمدة في الموازنة على حالها أو حتى يمكن لبعض بنودها الارتفاع في غياب عدم القدرة أو عدم الرغبة في تخفيض الكثير من بنودها، بما فيها الجارية والكمالية منها، ويبقى الأمل المحذور في تقليص سقف ما يسمى «الإنفاق الرأسمالي» من خلال تجميد بعض مشاريع البنية التحتية الفرعية أو إلغائها.

خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، هبطت حوالات المغتربين بنسبة 1 في المئة، كما بلغت نسبة التراجع فيها في آذار/مارس 6.7 في المئة، وينتظر استمرار الاتجاه الهبوطي واتساعه في الفترة المقبلة، مما سيكون له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة وصعبة في بنود إيراد موازنة 2009 وأكثر في موازنة 2010.

كما أن الإيرادات لهذا العام، ولفترات مقبلة، ستتأثر سلباً مع وقائع تباطؤ في تدفقات سياحية وافدة، وحجوم استثمارات أقل، وتراجع في الصادرات، وضعف في مستوى تنافسيتها.

ما سبق يشكل تحديات خطرة، واختناقات سلبية عميقة على واقع موازنة 2009 واتجاهاتها، وأكثر بكثير على موازنة 2010، ومن المفارقة أن تتجه الإدارة الحكومية للمالية إلى تبني تخفيضات غير مسبوقة على المعدلات العالية لضريبة دخل القادرين والمشمولين، وتكريس الإعفاءات الأساسية لهم، وشطب معظم مرتكزاتها التصاعدية، فيما المطلوب لمواجهة جادة للأزمة العامة المتفاقمة، كان وما زال اختيار المسار العكسي لذلك.

أحمد النمري: متغيرات في أرقام الموازنة واتجاهاتها
 
21-May-2009
 
العدد 77