العدد 11 - كتاب
 

 

السياسات النقدية وتسليط ضريبة المبيعات على رقاب العباد كانت وراء تسارع وتيرة ارتفاع أسعار كثير من السلع والخدمات الأساسية في بلد يقل دخل 80 بالمئة من سكانه عن 200 دينار شهرياً. في ضوء تلك السياسات، غير المرتكزة إلى وجع المواطن، قفزت أسعار سلع أساسية مثل: الحليب، ومنتجات الألبان، والزيوت النباتية، والزيتون، والدواجن، والبيض، والخضار، والفواكه، والأعلاف، والقمح ومنتجات المخابز «عدا المحسن منها». كذلك زادت أسعار الورق، البلاستيك، الإسفنج، الحديد، ومختلف أنواع مواد البناء بخاصة المستورد منها.

الاتجاه التصاعدي لمعدلات التضخم السنوية تؤكده الأرقام الرسمية بعد أن بلغت 2.3 بالمئة في 2003 إلى 3.4، 3.5 و6.3 بالمئة في السنوات 2004، 2005، 2006 على التوالي، ليستمر هذا الاتجاه خلال الأشهر التسعة الأولى من 2007 وصولاً إلى 5.7 بالمئة، مع توقعات بتضاعفها في 2008.

النسب السابقة عامة ومحصلة لمعدلات مجموعات مختلفة من أسعار سلع وخدمات، ومعظم هذه تعرض لنسب غلاء أعلى، وبمعدل 9.3 بالمئة لمجموعة المواد الغذائية الضرورية، وبنسبة 24 بالمئة، لمجموعة الخضار والفواكه على سبيل المثال.

ثقل عبء المعدلات السابقة العامة وتفرعاتها سيتزايد أو سيتضاعف مع إعادة تقدير موضوعي لسلة السلع والخدمات ولوزنها النسبي في قياس التضخم.

الاقتصادي والمواطن العادي، يمكنه أن يرصد العديد من أسباب اشتداد الغلاء الناجمة في معظمها عن التوجهات والسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الانفتاحية المتبعة منذ البدء بوضع وتطبيق ما يسمى «ببرامج التصحيح الاقتصادي».

ومن هذه الأسباب فرض ضريبة المبيعات، واستمرار التوسع في تطبيقها، ورفع معدلاتها، والامتداد المتواصل لنطاق سريانها الذي ينعكس في ارتفاع أسعار السلع والخدمات المطبقة عليها.

كما كان لرفع الدعم عن المشتقات النفطية عدة مرات خلال السنوات الأخيرة منذ 2003، دوراً رئيسياً في تحقيق ارتفاع مواز أو أكثر في أسعار مئات السلع والخدمات المتأثرة بالمحروقات بشكل مباشر وغير مباشر.

ولعبت السياسة النقدية للبنك المركزي المرتكزة على ربط صرف الدينار بالدولار أثراً واضحاً في اشتعال موجة التضخم بعد تدهور سعر الأخير، وبالتالي الدينار مقابل العملات الرئيسة الأخرى، وبنسبة قاربت 42 بالمئة مقارنة باليورو، ما كان سبباً في حدوث ارتفاع مماثل حتى في أسعار السلع والخدمات المستوردة من غير السوق الأميركية.

في أجواء التضخم الجامح، وامتناع الحكومة عن التدخل في مراقبة وإدارة الاقتصاد، والاكتفاء بإلزام الموزعين بإعلان الأسعار، تحركت بعض الفعاليات الاقتصادية، وبخاصة المستوردة منها، إلى رفع مفتعل للأسعار من أجل توسيع هوامش ربحيتها.

وبسبب فلسفة ونهج العديد من اقتصاديي السوق الرأسمالي وتحرير الاقتصاد والمطالبة باستيراد القمح والمنتجات الحقلية واللحوم وغيرها لكون ذلك في رأيهم «أكثر جدوى من إنتاجه محلياً»، فقد انعكس ذلك في استمرار القطاع الزراعي الأردني في التراجع في الإنتاج، وفي أهميته النسبية التي هبطت من 14بالمئة في 1972 إلى أقل من 3بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي الآن، وبالتالي نقص المعروض المحلي منه وتدني نوعيته وارتفاع أسعاره لنفاجأ أخيراً بتضاعف أسعار القمح والشعير والذرة والأعلاف أكثر من مرة في السوق الدولية.

وليس خافياً أن أهم نتائج وتداعيات الغلاء المتفاقم كان وسيكون في تردي مستويات معيشة أصحاب الدخل المتدني والمتوسط، وضعف قدراتهم الادخارية والشرائية، واتساع مساحات الفقر وجيوبه، ومدخلاً لتباطؤ وركود اقتصادي واختلالات متزايدة في هيكلية الاقتصاد الأردني وفي العلاقات الاجتماعية والسياسية.

وبدون التقليل من جدوى بعض الإجراءات والقرارات الحكومية الأخيرة بإلغاء الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات على 13 سلعة أساسية، والصحوة المتأخرة لأهمية تشجيع زراعة القمح وإنتاج الأعلاف وتوسيع المراعي، والتوجه نحو إقرار زيادة في رواتب العاملين والمتقاعدين تتوازى مع معدلات التضخم الفعلية المتراكمة، فإنه من الضروري من أجل الخروج الآمن من عنق زجاجة الأزمة العامة المتفاقمة أن تتحقق، إضافة إلى ما سبق، تغييرات جوهرية في نهج التوجيهات والسياسات الاقتصادية المطبقة في اتجاه سياسات جديدة خلاقة ومتوازنة تجمع بين مصالح ودور الاقتصاد الخاص والاقتصاد العام، وتضمن تخطيطه المسبق وانضباطه وتوازنه النسبي بعيداً عن فوضى تحرير الاقتصاد بمفهومه الحالي.

أحمد النمري : "ضريبة المبيعات" و "السياسة النقدية" تطلقان العنان للتضخم
 
24-Jan-2008
 
العدد 11