العدد 77 - اقليمي
 

وفاء عمرو

رام الله - شهدت الساحة الفلسطينية مؤخراً حركة سياسية نشطة وجولات مكوكية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى عواصم عربية وأجنبية عدة، في مسعى لبلورة رؤية وموقف سياسي عربي موحد، بأسس مختلفة للتأثير على المبادرة الأميركية الجديدة المنتظرة التي ينوي الرئيس الأميركي باراك أوباما، الإعلان عن خطوطها العريضة أثناء زيارته للقاهرة في الرابع من حزيران المقبل، بهدف تحريك مسارات التفاوض العربي الإسرائيلي لإنهاء الصراع بين إسرائيل والدول العربية.

بدأت الحركة السياسية بزيارة مبعوث الرئيس الأميركي جورج ميتشيل للمنطقة في الثامن عشر من نيسان/إبريل الماضي، فور انتهاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة، وبزيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لواشنطن، وتشديده على الإسراع في التوصل إلى اتفاق يستند إلى حل الدولتين.

لقد قبل الرئيس عباس نصائح أصدقائه ومستشاريه، لتأجيل زيارته للعاصمة الأميركية إلى ما بعد عودة نتنياهو، حيث تتضح ملامح السياسة الرسمية الإسرائيلية تجاه حل الدولتين، الذي تدعمه الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية، وحتى يتسنى معرفة مسار الرياح التي سيبحر بموجبها الرئيس أوباما، باتجاه تحريك المسارت التفاوضية الراكدة منذ سنوات طويلة.

ومثلما كان متوقعاً فقد انتهى اللقاء الأول بين أوباما ونتنياهو في البيبت الأبيض الاثنين 18 أيار/مايو الجاري، على خلاف بائن في رؤية الجانبين للحل، فقد تمسك أوباما بحل الدولتين، الأمر الذي يعني إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب إسرائيل، ووقف الاستيطان الإسرائيلي، بينما بقي نتنياهو متمسكاً بتجنب الحديث المباشر عن قبول إسرائيل بحل الدولتين، أحد أهم أسس سياسة واشنطن الشرق أوسطية، واختصر حديثه عن الحل السياسي بالقبول بـ«إعطاء» الفلسطينيين حكماً ذاتياً ليس أكثر.

في يوم اللقاء أعلنت إسرائيل عن إقامة مستوطنة جديدة في منطقة شمال الأغوار في الضفة الغربية، الأمر الذي عدّه الناطق الرسمي بلسان الرئاسة نبيل أبو ردينة تحدّياً إسرائيلياً لإدارة الرئيس أوباما، وقال إنه «قرار استفزازي يتطلب رداً أميركياً وموقفاً فعالاً للضغط على نتنياهو لوقف سياسة الاستيطان التي يعنى استمرارها القضاء على عملية السلام».

ثمة أوساط في السلطة الفلسطينة وفي إسرائيل، تدعو الرئيس الاميركي أوباما لممارسة الضغوط على نتنياهو، للتوصل إلى حل الدولتين وإنهاء الصراع، فقد أشارت استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى أن أكثر من نصف الإسرائيليين بمن فيهم أعضاء في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو يؤيدون حل الدولتين. ومن ناحية الفلسطينيين فإن الرئيس عباس سيتوجه إلى واشنطن في 28 أيار/مايو الجاري يحمل معه مقترحات فلسطينية عربية حول الحل الإقليمي مع إسرائيل.

لقد قام الفلسطينيون بالتحضير لزيارة الرئيس عباس على مسارين: الأول وضع تصور لـ«خريطة طريق إقليمية» جديدة ومفصلة للسلام تستند إلى حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام، ولا تقتصر فقط على رؤية سياسية عربية وإسلامية مشتركة، إنما تقوم بتحديد مبادئ وسياسات وآليات تنفيذية لها في اطار زمني محدد. وأوضح مسؤول فلسطيني أن هذه الخريطة قد أُعدت بعد التنسيق بين الأطراف المعنية (الفلسطينيون، الدول العربية والإسلامية، الرباعية الدولية، والاتحاد الأوروبي)، وستُطرح على أوباما خلال اللقاء المنتظر بينه وبين عباس في البيت الابيض.

وكان المبعوث الأميركي جورج ميتشيل قد أبلغ الفلسطينيين خلال زيارته الأخيرة لرام الله، أن مبادرة السلام العربية ستكون جزءا مهما من خطة أوباما، التي يتوقع إعلانها في القاهرة بعد أسبوعين.

حسب مسؤولين فلسطينيين حضروا الاجتماع مع ميتشيل، فقد أبلغ الأخير عباس بضرورة وضع المبادرة العربية في سياق أوسع لتشمل العالم الإسلامي، واتخاذ خطوات «بناء ثقة» تجاه إسرائيل لإقناعها بتبني المبادرة العربية، وتشمل هذه الخطوات المقترحة، حسب ميتشيل، السماح للطيران المدني الإسرائيلي بالتحليق فوق الأجواء العربية، وفتح خطوط الاتصالات الهاتفية مع إسرائيل، وإعادة فتح مكاتب التمثيل للدول العربية التي أغلقتها خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، إضافة إلى بعض الخطوات الاقتصادية غير المحددة، على أن تنتهي بحل خلال عام واحد من بدء التفاوض.

وقال دبلوماسي غربي في القدس لم يفصح عن هويته، إن الولايات المتحدة لا تريد البدء بـ«عملية» سلام ليستمر التفاوض بشأنها إلى أجل غير مسمى، ونوه إلى توقف الإدارة الأميركية الجديدة بالحديث عن «عملية سلام» تخضع لجلسات تفاوض كثيرة، بل عن «صنع السلام»، في إشارة لسياسة أميركية جديدة تنخرط فيها واشنطن أكثر في صناعة سلام ينهي الصراع العربي الإسرائيلي.

ترى الإدارة الأميركية في استمرار النزاع الداخلي بين فتح وحماس، إعاقة لجهودها، بخاصة أن إسرائيل تستخدم ذلك ذريعة لعدم توقيع اتفاق سلام مع الرئيس عباس الذي لا يسيطر على جميع الأراضي الفلسطينية.

أما المسار الثاني في التحضير لزيارة عباس لواشنطن، فقد تمثل في إعلان الرئيس الفلسطيني عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة سلام فياض، وكان الإعلان قد تأجل تنفيذه لأسبوع نتيجة خلافات داخلية، أهمها اعتذار بعض الشخصيات الفتحاوية والمستقلة في قطاع غزة عن تولي حقائب وزارية في الحكومة خشية إجراءات انتقامية قد تقوم بها حماس ضدهم.

السبب الآخر للتأخير في إعلان الحكومة هو الخلافات بين قياديين في حركة فتح كبرى فصائل المنظمة وبين الرئيس عباس بصفته رئيسا للحركة، وسلام فياض، باتهامهما بتجاهل حركة فتح في المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة، وقد استمرت الخلافات حول التشكيل إلى ما قبل أداء اليمين القانونية بخمس دقائق، وقد اضطر اثنان من أعضاء فتح في الضفة الغربية، وهما: ربيحة ذياب، وعيسى قراقع اللذين تم تسميتهما كوزراء في الحكومة، للانسحاب/ التزاما بقرار كتلة فتح البرلمانية بمقاطعة الحكومة، وتوعدها بعدم اضفاء الشرعية البرلمانية عليها.

لقد كان أحد أهداف تشكيل الحكومة الموسعة، أن تشمل فصائل منظمة التحرير، بخاصة حركة فتح، على أمل أن تكون صمام الأمان للقيام بمهامها، إلا أن موقف كتلة فتح البرلمانية المعارض لحكومة فياض، تسبب في إشاعة الانقسام في صفوفها بدلا من تجميعها، وقد يشكل عائقا أمام ممارسة مهامها.

تشكلت الحكومة الجديدة من 24 وزيراً نصفهم من فتح، إضافة إلى وزراء من ثلاثة فصائل أخرى هي: الجبهة الديمقراطية، حزب فدا، جبهة النضال الشعبي، والمستقلون، بينما قاطعتها كل من حماس والجهاد والجبهة الشعبية وحزب الشعب، وقد جاء تشكيلها بعد يوم واحد من انتهاء الجلسة السادسة من الحوار بين فتح وحماس في القاهرة، الذي ما زال يدور في حلقة مفرغة بسبب الاختلاف الأيديولوجي والسياسي بين الحركتين، ورغم ذلك فقد تم الاتفاق على مواصلته في 7 تموز/يوليو المقبل تحت ضغط مصري.

رئيس الوزراء سلام فياض، أكد أن حكومته الموسعة هي حكومة انتقالية، إلى حين توصل الفصائل إلى اتفاق بشأن حكومة توافق وطني تنهي حالة الانقسام القائمة، بينما عقب الناطق الرسمي باسم حركة حماس فوزي برهوم، أن تشكيل الحكومة الجديدة في رام الله «يعتبر تخريباً متعمداً للحوار الفلسطيني وتهديداً لمستقبله، وأن أيّ حكومة يتم تشكيلها في رام الله ستبقى غير قانونية وغير شرعية ولن تعترف بها الحركة».

كان عباس أقال حكومة حماس بعد الانقلاب في غزة، قبل نحو سنتين، غير أن حماس رفضت الانصياع وواصلت التصرف كحكومة، بما في ذلك تعيين وزراء جدد وعقد اجتماعات أسبوعية واتخاذ قرارات. وعين عباس سلام فياض رئيسا لحكومة فلسطينية مسؤولة عن إدارة أمور الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن وجود حماس هناك كقوة أمر واقع، منعها من ممارسة مهامها، وتنظر الجامعة العربية والمجتمع الدولي إلى حكومة فياض على أنها الحكومة الشرعية.

ويستعد الرئيس الفلسطيني للذهاب إلى واشنطن ومعه حكومة فلسطينية تعترف بالاتفاقات مع إسرائيل، غير أن تشكيل حكومة جديدة لا يعني نهاية الانقسام، بل قد يكرسه، كما أن إجراءات حماس في قطاع غزة وتشبثها بالحكم هناك يقلل من فرص نجاح الحوار.

يبقى التحدي الرئيسي أمام الفلسطينيين، إنهاء حالة الانقسام، لمساعدة أنفسهم أولاً، ومساعدة الرئيس الأميركي الذي أكد للرئيس عباس وللعرب أنه جاد في محاولاته لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.

الرئيس الفلسطيني إلى واشنطن الخميس المقبل: خريطة طريق إقليمية جديدة لحل الصراع
 
21-May-2009
 
العدد 77