العدد 77 - بلا حدود
 

«راسون» التي وضعها برنامج تمكين المجتمعات في مؤسسة نهر الأردن على خارطة التنمية الشاملة ضمن 52 قرية في المملكة، هي إحدى المناطق المكونة لبلدية العيون بمحافظة عجلون. تمتاز هذه القرية التي يزيد عدد سكانها على ألفي نسمة، بطاقة سياحية وبيئية كبيرة تجمع إلى جانب جمال طبيعتها ونقاء بيئتها ومصادرها الزراعية، وبخاصة أشجار الزيتون الرومانية المعمرة، بقايا كنيسة يعود عهدها إلى بدايات الألفية الميلادية الأولى. يبرز مشروع تنمية هذه القرية منهجية الرؤية التي تستند إلى دور المجتمع المحلي في تحديد احتياجاته وأولوياته التنموية. للإحاطة بهذا البعد وترجماته، حاورت «السّجل» مدير برنامج تمكين المجتمعات، ومنسقة تطوير هذا البرنامج في مؤسسة نهر الأردن.

«السّجل»: ما الفلسفة الكامنة وراء مشروع تنمية راسون؟.

غالب: يسعى برنامج تمكين المجتمعات للوصول إلى المناطق التي لم تنل فرصتها من التنمية على الصعيد الرسمي، وتخلو من مؤسسات غير حكومية تنهض بهذا الدور. لقد مسح البرنامج ما مجموعه 52 قرية مستهدفة، وتمثل قرية راسون في محافظة عجلون واحدة من أوائل هذه القرى التي باشرنا العمل فيها. المنهجية التي نعتمدها هي منهجية التنمية الشاملة، التي تستلزم قيام المجتمع المحلي نفسه بقيادة العملية التنموية في منطقته. تحديد الاحتياجات التنموية للقرية تم تحديدها من خلال عدة لقاءات عمل مع الأهالي من نساء ورجال وشبان وشابات، بحيث تم في هذه الجلسات التشاركية تشخيص المشاكل التي تواجه أهل القرية كما يرونها هم، ثم تم تبويبها ضمن قطاعات تخص التعليم، الصحة، والشباب، البنية التحتية والمشاريع الإنتاجية. وزارت جلالة الملكة رانيا القرية في حزيران/يونيو 2007، والتقت بالأهالي، وشجعتنا على المضي قدماً في هذا المشروع.

«السّجل»: كيف يمكن للأهالي إدارة العملية التنموية من دون إطار ناظم لعملهم؟.

- غالب: هذا صحيح. لذلك بدأنا العمل بمساعدة أبناء القرية على تشكيل جمعية تعاونية من الأهالي، لتأخذ على عاتقها إدارة الجوانب التنموية من المشاريع في القرية، والإشراف على الجوانب الخدمية التي تحتاج إلى تنسيق مع الجهات الرسمية. وقد بلغ عدد المساهمين في الجمعية 176 شخصاً أغلبيتهم نساء. ضمن منظورنا التنموي لا بد من شراكة ثلاثية، أطرافها المؤسسة غير الحكومية التي تؤمن عملية التواصل مع المجتمع المستهدف، والقطاع الخاص بنهوضه بمسؤوليته الاجتماعية، والقطاع الحكومي بالأدوار التي يتحملها على صعيد الخدمات الأساسية في المجتمع. وبعد أن انتهينا من بلورة احتياجات القرية، بدأنا نبحث عن التمويل. وتعد أورانج الأردن وفرانس تيلكوم الممول الرئيسي لتنمية راسون، حيث أبدوا حماسهم لهذا المشروع باعتباره يلبي حاجات الناس، ويحرص على التنمية المستدامة. وهناك تمويل إضافي من مصادر أردنية أخرى.

«السّجل»: لماذا فكرتم بإنشاء مخبز؟.

- لارا: ببساطة لأن أهل القرية طالبوا بإنشاء المخبز، حيث إنهم يعتمدون عملياً في تأمين حاجتهم من الخبز، على عجلون التي تبعد عن راسون أكثر من 10 كيلومترات. وقد واجهتنا صعوبات كثيرة لإنشاء هذا المخبز «نصف دوار»، بدءاً من اختيار موقع مناسب، مروراً بالحاجة إلى توسيع البناء الذي وقع عليه الاختيار، وانتهاء بالحصول على التراخيص اللازمة بعد توفير شروط الصحة والسلامة العامة. وسوف تستلم الجمعية هذا المشروع في غضون أسبوع. وأود الإشارة إلى أننا ننظر للمخبز، ليس فقط باعتباره سيوفر الخبز للأهالي من دون مشقة وبلا تكاليف إضافية، بل باعتباره أيضاً مشروعاً إنتاجياً مدراً للدخل لجمعية راسون التعاونية.

«السّجل»: ماذا قدّم صندوق المشاريع الدوارة؟.

- غالب: كما هو معروف نحن لا نعطي قروضاً بالمعنى المتعارف عليه. لكننا نساعد في إيجاد تمويل بسيط للراغبين في إقامة مشاريع صغيرة مثل فتح محل لبيع الخضراوات والفواكه، تربية أغنام، تربية نحل، وغيرها. وفي وضع راسون، وفرت مؤسسة نهر الأردن منحة للجمعية التعاونية، ودربنا الجمعية على إدارة القروض الصغيرة. التمويل المتاح أطلق حراكاً اقتصادياً في القرية باتجاه إقامة مشاريع إنتاجية بلغ عددها 25 مشروعاً، إلى جانب تقديم قروض مستردة لسبعة طلبة جامعيين. وما يستعيده الصندوق من أمواله يعيد إقراضه لمشاريع جديدة.

«السّجل»: ما حصة الشباب من المشاريع؟.

- لارا: لم تكن هناك برامج تستهدف الشباب في راسون. الشباب في القرية حدّدوا احتياجاتهم وجاء في مقدمتها إنشاء ملعب، وإقامة مركز شبابي، والعمل على إنشاء فريق كرة قدم، ودعم الفرقة الفولكلورية. ولتلبية هذه الاحتياجات تم التنسيق مع المجلس الأعلى للشباب. وبدعم وزارة التخطيط تم استئجار مكان مؤقت بمواصفات مناسبة، وتجهيز الفرقة الفولكلورية، وفريق كرة القدم الذي لعب مباراة مع فريق «أورانج» بمناسبة يوم الشباب العالمي. وتبرعت البلدية بأربعة دونمات لإقامة مجمع شبابي سيكون من ضمنه الملعب ومقر المركز الشبابي، وسيخدم هذا المشروع راسون ومنطقة غرب عجلون، وهو الآن قيد التصميم في قسم الأبنية الحكومية بوزارة الأشغال.

«السّجل»: هل للسياحة مكانة في مشاريع راسون؟.

- غالب: تعمل وزارة السياحة حالياً على تخطيط مسارات سياحية، يكون لها آثار إيجابية مباشرة على المجتمع المحلي، وتقع راسون والقرى المحيطة ضمن هذه المسارات. وسوف يوفر هذا المشروع فرص عمل من خلال إنشاء مطاعم ومقاهٍ «منزلية»، والقيام بدور أدلاء السياح في المنطقة، وتجهيز المنطقة على نحو أفضل لإبراز خصائصها السياحية. ويظهر شباب راسون إمكانيات جيدة في الترويج السياحي لمنطقتهم، لاسيما من خلال مشاركة الفرقة الفولكلورية في عدد من المهرجانات في المحافظة.

«السّجل»: ما المشاريع التي نفذت في مدرسة البنات؟.

- لارا: اتجه الاهتمام بداية نحو ترميم مدرسة البنات الثانوية، حيث كانت في حالة يرثى لها، بما يخص الساحة والدرج وتصريف مياه الشرب والألواح في الغرف الصفية. الترميم شمل طلاء الجدران ودهان الأبواب وصيانة الدرج والساحة وسور المدرسة ووضعت مراوح في الصفوف. كما تم بناء غرفة خارجية للحارس، وكل ذلك بإشراف وزارة التربية. أما المشروع الثاني، فيتعلق بحاجة المعلمات إلى حضانة لأطفالهن. في البداية تم العمل لإنشاء حضانة عامة للأطفال كمشروع للجمعية التعاونية، ثم تبين أنه ليس هناك مكان جاهز يلبي المواصفات الرسمية لفتح حضانة عامة، لذلك استعضنا عن ذلك بالشروع في إعداد قسم حضانة خاص بالمعلمات في مدرسة البنات بموافقة وزارة التربية، وسوف يكون جاهزاً في غضون ثلاثة أسابيع.

«السّجل»: ما أنشطة التمكين الأخرى الموجهة للأهالي؟.

- غالب: بشكل عام، يمكن القول إننا وظفنا برامج مؤسسة نهر الأردن في خدمة تنمية راسون وتمكين الأهالي في عدد من المجالات، وكذلك في التشبيك بين أهالي المنطقة والمسؤولين في أجهزة الدولة، إضافة إلى إبراز الخصائص السياحية والزراعية للمنطقة، وهذه كلها عناصر مهمة للتنمية الشاملة المنشودة، التي تشرك المجتمع المحلي بشكل متكامل في العملية التنموية. أما على صعيد التمكين، فقد قدمت وحدة الشباب في المؤسسة، إسهامها لتطوير قطاع الشباب في راسون، وتطوير دورهم في العملية التنموية وفي خدمة مجتمعهم. ونفّذ برنامج حماية الطفل برامج توعوية للأمهات حول حماية الطفل ورعاية الأم. كما نفّذنا برامج تدريب للسيدات على التصنيع المنزلي للمواد الغذائية، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من ناحية، وتنفيذ مشاريع اقتصادية مستقبلاً.

«السّجل»: لماذا تم شراء باص للقرية؟.

- لارا: في راسون زهاء مئة طالب جامعي، وهؤلاء كانوا يواجهون مشكلة في الوصول الى جامعاتهم في إربد. بعد توفير التمويل لشراء الباص، كان من الضروري الحصول على موافقة هيئة تنظيم قطاع النقل التي حضر رئيسها شخصياً إلى القرية للتأكد من مطلب الأهالي، ونلنا الموافقة لتشغيل الباص الذي تملكته الجمعية التعاونية، وتم شراء الباص الذي سيبدأ عمله خلال أسبوع. هذا الباص علاوة على حل مشكلة تنقل الطلبة، يشكل مشروعاً استثمارياً للجمعية سيساعد في استدامة مواردها.

«السّجل»: هل أسهمت تنمية راسون في إطلاق مبادرات أهلية أخرى؟.

غالب: نعم. المبادرة التي أثرت فينا كثيراً هي قيام الجامعيين بتجميع كتب جامعية مستعملة لإعارتها للمحتاجين. هذا التكافل الاجتماعي كان مصدر سرور لنا، لأن قسماً رئيسياً من برنامج تنمية راسون يستهدف الشبان والشابات. فالشبان الذين لا يملأون أوقاتهم بما هو مفيد لهم، قد يلجأون إلى ما هو مضر. كذلك أبرزت بعض المشاريع الصغيرة مثل محل للخضار والفواكه أقامه شبان، ومحل آخر للأدوات المنزلية أقامته سيدة. إنها مهمة ليس فقط لأصحابها بل لأهل القرية أيضاً لما توفره من جهد ونفقات.

«السّجل»: هل هناك مشاريع أخرى تم تنفيذها؟.

- لارا: بيّن استطلاع الأوضاع في راسون أن مركزها الصحي، بحاجة إلى مختبر وأجهزة تصوير سنّي وجهاز إلترا ساوند. وزارة الصحة أمنت جهاز الإلترا ساوند، وتم تدريب طبيب للعمل عليه. وشجعت زيارة الملكة رانيا للقرية على إسهام شركات طبية في تأمين المختبر الطبي وكرسي أسنان مجهز بخدمات حديثة. كما تبرع الديوان الملكي بإعادة تأهيل وهيكلة حديقة القرية، التي تبلغ مساحتها ثلاثة دونمات بحيث أصبحت متنفساً للأطفال.

قرية راسون بمحافظة عجلون نموذجاً: تفعيل دور الأهالي في تنمية مناطقهم
 
21-May-2009
 
العدد 77