العدد 76 - احتباس حراري
 

تؤدي معدّات الصيد البحري المفقودة في المحيطات أو التي ينبُذها الصيادون في عرض البحر عمدا أو عرضا، إلى الإيذاء بالبيئة البحرية، وتضر بالأرصدة السمكية بسبب ما يُعرف باسم ظاهرة «الصيد الشبحي»، مثلما تشكّل خطراً ماثلاً على حركة ملاحة السفن.

هذا ما أكده تقرير جديد مشترك بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).

يُفيد التقرير أن معدات الصيد المنبوذة كنفاية، أو المفقودة في عرض البحار، باتت تطرح مشكلةً متفاقمة قياسا على الوتيرة المتزايدة لعمليات صيد الأسماك في العالم، ونوعية معدات الصيد عالية التحمل المصنوعة من مواد صناعية متينة تدوم لفترات طويلة.

في تقدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن معدات الصيد المنبوذة كنفاية أو المفقودة في المحيطات تقدَّر بنحو 10 في المئة من مجموع النفايات البحرية، وتعادل ما يقرب من 640 ألف طنّ من الحطام البحري.

يعدّ الشحن التجاري المصدر الأساسي لتلك الكميات في أعالي البحار، وتعود معظم كميات الحطام البحري قرب الشواطئ إلى أنشطة المجتمعات المحلية بالمناطق الساحلية.

ولا تُعزَى معظم نفايات معدات صيد الأسماك إلى إلقائها عمداً، بل إلى فقدها في خضم العواصف أو جرف التيارات البحرية العنيفة، أو بسبب «اشتباك المعدات»، أي الاصطدام بمعداتٍ أخرى على سبيل المثال، حيث قد يصطدم الصيد بالشباك في المناطق التي تُنصَب فيها شُركٌ بفخاخ القاع، مما يسبب اشتباك هذه الأدوات معاً وتضرّرها، ومن ثم نبذها.

من الآثار الناجمة عن المعدات المنبوذة أو المفقودة، وقوع أسماك وحيوانات بحرية غير مقصودة بالصيد، مثل السلاحف، والطيور البحرية، والثدييات البحرية، في هذه الشرك، وهلاكها بلا طائل، وإحداث تعديلات في بيئة القاع البحري، وتشكُّل أخطار في البحار يمكن أن تُفضي إلى حوادث وقد تُضرّ بالمراكب.

يضيف التقرير أن شباك الصيد الخيشومية، ومعدات الصيد الوعائي والشُّرُك والفخاخ، ينجم عنها الظاهرة المعروفة باسم «الصيد الشبحي»، في حين تؤدي الخطوط السِّنّارية الطويلة إلى إعاقة الكائنات البحرية الحيّة وهلاكها.

صيد شبحيّ

كانت اصبع الاتهام في ما مضى موجهة إلى شباك الصيد الهائمة التي لا تدار بكفاءة، بوصفها المسؤول الأول عن الأضرار البحرية في المحيطات. غير أن حظر استخدامها في العام 1992 في العديد من المناطق، قلّص مسؤوليتها في عمليات «الصيد الشبحي» بلا طائل للأنواع البحرية.

اليوم، تُعدّ شباك القاع الخيشومية أكثر معدات الصيد إثارة للمشكلات، إذ تُشبّك أطرافها في القاع البحري، وتطفو الشبكة فوق السطح بوساطة عوّامات لتشكِّل ما يشبه «جداراً بحرياً عمودياً» يمتد لمسافات تتراوح بين 600 متر و10 آلاف متر طولاً. وفي حالة فقد هذا النموذج من الشِّباك، أو نبذه، من الممكن أن تستمر عمليات «الصيد الشبحي» طيلة أشهر بل سنواتٍ، لقتل الأسماك والأحياء البحرية الأخرى بلا طائل.

تمثل الشُّرُك والفخاخ الوعائية عاملاً آخر رئيسياً وراء ظاهرة الصيد الشبحي. ففي خليج «تشيزابيك» بالمياه الساحلية للولايات المتحدة، يُقدَّر أن نحو 150 ألف شرك وعائي لسرطان البحر تُفقَد كل عام، من مجموع نصف مليون وحدة مستخدمة سنوياً. وفي جزيرة «غودالوب» الكاريبية وحدها، تسبّب الزوبعة الواحدة فقدَ نحو 20 ألف من تلك الشُّرُك سنوياً، أي بنسبة 50 في المئة من المجموع المستخدَم، وتواصِل تلك المعدات عملياتِ الصيد الشبحي بلا طائل لفتراتٍ طويلة من الزمن.

يقول نائب الأمين العام للأمم المتحدة، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أتشيم شتاينر، إن «هنالك أشباحاً كثيرة تسري في جسد البيئة البحرية، من صيدٍ مفرط، ونمو المحتوى الحِمضي للمياه بسبب الغازات الناجمة عن الاحتباس الحراري، وتزايد انتشار المناطق المُفرَّغة من الأكسجين، والميّتة بسبب تسرّب سوائل النفاية من اليابسة إلى البحار، وغيرها من أنشطة التلوّث البشرية». ويضيف أن «مشكلة مخلّفات معدات الصيد المنبوذة أو النفاية في البحار، تطرح جزءاً من تلك التحدّيات التي يجب أن تُعالَج جماعياً وعلى وجه السرعة إذا كانت معدلات إنتاج محيطاتنا وبحارنا ستبقى على ما هي عليه لأجيالنا الحاضرة والمقبلة».

في هذا الصدد، يعرض التقرير المشترك، عدداً من التوصيات تصدّياً لمشكلة «الصيد الشبحيّ»، منها الحوافز المالية، حيث يمكن لهذه الحوافز أن تشجّع صيّادي الأسماك في الإبلاغ عن المعدات والأدوات المفقودة، أو تسليم المعدات المتقادمة أو المتضررة في ميناء الرسو، وقد يشمل ذلك أي «شباك شبحيّة» أو معدات يُعثَر عليها عَرَضياً خلال الصيد.

وهناك أيضاً تأشير المعدات. فمعدات الصيد القديمة لا يُلقى بها دوماً عن عمد، لذا قد يساعد «تأشير المعدات» على تحديد الجانحين، أو يقود إلى التعرُّف إلى هوياتهم. بل يمكن أيضاً أن يساعد على الإحاطة بالأسباب الكامنة وراء الظاهرة، واتباع إجراءاتٍ وقائية ملائمة لمكافحتها.

ومن التوصيات: تجديد التكنولوجيات. تتيح التقنيات المستَجدة إمكانياتٍ جديدة لتحجيم ظاهرة الصيد الشبحي. ومن تلك تبرُز تقانات تصوير القاع البحري لتجنُّب الاصطدام بالحواجز والعقبات تحت سطح المياه. ونظراً إلى ارتفاع أسعار أدوات ومعدات صيد الأسماك، لا يتوانى العديد من الصيّادين، في أغلب الأحيان، عن بذل قصارى جهودهم لاستعادتها إن فُقِدت. وبفضل النظام الشامل لتحديد المواقع (GPS) يمكن التعرُّف إلى مواقع المعدات المفقودة بسهولةٍ أكبر، حتى على متن سفن النقل العادية لاسترجاعها لاحقاً. وعلى النحو نفسه يمكن مساعدة رُبّان السفينة بفضل معدات مراقبة الحالة الجوية على اتخاذ القرار السليم، لعدم نشر الشِّباك في حالات الخطر والعواصف الوشيكة.

مثلما ساهمت المواد التخليقيّة الحديثة في انتشار مشكلة «الصيد الشبحي»، نظـراً إلى دوام الشباك وغيرها لفتراتٍ بالغة الطول، فإن بإمكان التكنولوجيا أيضاً أن تجد حلولاً للمشكلة، مثل استخدام المواد القابلة للتحلّل الحيوي الطبيعي واعتمادها كمقياسٍ صناعي. فعلى سبيل المثال تُنتَج بعض الشُّرُك والفخاخ الوعائية لدى بعض البلدان مزوَّدةً بـ«فتحات هروب» قابلة للتحلّل طبيعياً إذا ما تُركَت لفتراتٍ طويلة تحت سطح المياه، ما يُتيح نجاة الأنواع التي تقع فريسةً فيها. ونظراً إلى أن هذه التقنية في ذاتها لا تحدّ بالضرورة من مستويات الحطام البحري المتناثرة، فمن المتعين تركيب أجهزة لنُظم الإبلاغ عن الموقع والاستعادة كجزءٍ ممكن في معدات الصيد الحديثة.

“الأشباح” تُلحق أضراراً جسيمة بالبيئة البحرية
 
14-May-2009
 
العدد 76