العدد 76 - كتاب
 

لا أهمية ولا أولوية أساسية في الاقتصاد وفي النشاط الاقتصادي تعادل أو تتقدم على وضع في التوجيهات والسياسات يكفل توافر أو بناء ادخارات متنامية تتحول إلى قنوات استثمارية تُستخدم في إقامة «مشاريع اقتصادية جديدة»، أو توسيع وتطوير مشاريع قائمة تؤدي إلى مزيد من التنمية الاقتصادية والقيمة المضافة، وتعزيز التكوين الرأسمالي، وتوسيع السلع وتجويدها، وتوفير الخدمات المساندة والمكملة، سواء جرى ذلك بطريق مباشرة من أصحاب المدخرات، أو بشكل غير مباشر من خلال شركات ومؤسسات مصرفية ومالية وسيطة تقوم بجمع المدخرات ثم تحويلها في قنوات إقراضية استثمارية تتطلبها ضرورات التنمية المتوازنة والمستدامة والتطوير البنيوي في هيكلية الاقتصاد.

الادخار بهذا المفهوم، يختلف في جوهره وفي طبيعته ونتائجه عن ظاهرة «الاكتناز»، الذي لا يتحول إلى استثمارات تنموية وحياتية.

وإذا كان للمدخرات كل هذه الأهمية والضرورة في العملية الاستثمارية، وفي التكوين الرأسمالي وفي إنتاج المزيد من السلع، وفي إيجاد المرافق والخدمات المساعدة، فإنّه مما لا يقل أهمية أيضاً أن يكون مصدرها في معظمه محلياً مع إمكانية استكمالها وترك الباب مفتوحاً لقبول أو لجذب أي استثمارات أو رؤوس أموال أجنبية، كلما كان ذلك ضرورياً، لتغطية أي «فجوة تمويلية» ناجمة عن عدم كفاية المدخرات الوطنية لسد حاجات فروع النشاط الاقتصادي الأساسية وفق قواعد وشروط متكافئة وليس بالمطلق.

رغم وضوح المفهوم العلمي للادخار والاستثمار وارتباطه بدرجة مساهمته في تحقيق التنمية الفعلية المستدامة، وفي تدعيم التكوين الرأسمالي والتنويع المتوازن في هيكلية الاقتصاد، إلاّ أن فعاليات اقتصادية حكومية وأهلية رَكّزَتْ في تعاملها مع جانب الاستثمار والمستثمرين على ترديد شعارات من نوع «جذب الاستثمار وتشجيع المستثمرين وتحفيزهم»، وعلى العمل من أجل «خلق البيئة الملائمة للاستثمار»، وإيجاد «المناخ الملائم»، وضرورة «إزالة العوائق من طريق الاستثمار والمستثمرين وإزالة العقبات البيروقراطية» وأمثالها من الشعارات والتوجهات التي تكررت في البيانات والتصريحات منذ سنوات طويلة، ولتكون في جانب رئيس منها بديلاً عن جهود حقيقية وعلمية لتنمية المدخرات الوطنية، وللعمل من أجل انسيابها في أفضل القنوات الاستثمارية والأكثر أهمية في الوصول إلى التنمية المستدامة.

وبحسن نية أحياناً، وبنية تضليلية أحياناً أخرى، لجأ عديد من المسؤولين والمحللين في الحكومة، وفي القطاع الخاص، إلى وصف الكثير من العمليات أو النشاطات التبادلية بأنها استثمارية، ووصف القائمين بها بالمستثمرين، رغم أنه لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتوليد «طاقات إنتاجية جديدة أو توسيع القائم منها»، ولا تخرج عن كونها عمليات «انتقال ملْكيَة» من جهة محلية إلى أخرى محلية، أو انتقالها من جهة محلية إلى جهة أجنبية وبالعكس.

فعمليات التداول في البورصة، على سبيل المثال، لا تخرج في جوهرها عن عمليات لانتقال ملكية الأسهم من جهة إلى أخرى، ومع ذلك توصف عمليات كهذه بأنها استثمار، ويوصف القائمون بعمليات التداول بالمستثمرين.

وعندما قامت الحكومة بخصخصة أو بيع قسم لا يستهان به من ممتلكاتها وأصولها، وما تمتلكه من أسهم وحصص في الشركات والمؤسسات، فإنّ بعضهم لم يتردد في وصف ذلك بالاستثمار، ووصف المشترين بالمستثمرين، رغم أن الأمر في جوهره يعكس «عملية انتقال ملكية» لا تزيد في القيمة المضافة التي تتحقق من استثمارات في مواقع جديدة.

بل إن البعض عمد إلى اعتبار «مجرد إبداء جهة رغبتها أو اهتمامها بالاستثمار» وكأنه استثمار فعلي، وأيضاً بمجرد وعد أو تنفيذ مشروع بأنه استثمار، قبل تنفيذه أو استكماله.

ليس مفاجئاً أن تتضخم أرقام استثمارية صمّاء معلنة غير واقعية، كما أنه ليس مستغرباً أن لا يتلمس معظم المواطنين أي مزايا وإنجازات منها على أرض الواقع من شأنها أن تنعكس في تحسين ملموس في مستويات معيشتهم، وفي معالجة وتقليص مشكلتَي الفقر والبطالة المزمنتين.

أحمد النمري: المستثمر والاستثمار الذي نريد
 
14-May-2009
 
العدد 76