العدد 76 - دولي
 

صلاح حزين

لم يكن أحد يشك في أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي سوف يفوز في الانتخابات التي جرت في أواخر نيسان/أبريل الماضي، لكن حجم الفوز كان مفاجأة لكثيرين. فقد اكتسح الحزب الانتخابات تماما، مع أنه كان قد عانى من بعض الانشقاقات المؤثرة قبل إجرائها، مثلما عانى الرئيس جاكوب زوما نفسه من فضائح جنسية ومالية، لكنه تمكن من التغلب عليها وتحقيق فوز كاسح جاء ليثبت أركان حزب المؤتمر الحاكم منذ انتهاء الحكم العنصري في جنوب إفريقيا العام 1994.

القاعدة الشعبية التي أوصلت زوما إلى الحكم كانت، في عمومها، من فقراء جنوب إفريقيا، والذين نزلوا إلى الشوارع احتفالا بفوز زوما الذي رأوا فيه معبرا عن روح إفريقيا، فهو، في النهاية، ينتمي إلى قبائل الزولو ذات النفوذ الكبير، وشخصيته تتناقض تماما مع شخصية سلفه وغريمه السياسي ثابو مبيكي، الذي يبدو أقرب إلى الروح الغربية بثقافته ودراسته وتحصيله العلمي وتصرفاته.

أما زوما فهو مناضل انخرط في صفوف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وحمل السلاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ما أدى إلى سجنه عشر سنوات، تعرف خلالها على زعيم جنوب إفريقيا الأسطوري نلسون مانديلا، ومن هنا كانت انحناءته جاثيا أمام مانديلا الذي كان حاضرا مراسم تنصيب زوما رئيسا للبلاد، والتي عبر فيها زوما عن إجلاله للزعيم الكبير، وكأنه يقول للجماهير الغفيرة التي انتخبته إنه سوف يواصل إرث مانديلا السياسي.

إلى جانب جماهير الفقراء التي انتخبت زوما، كانت هناك قوتان رئيسيتان دعمتاه في سعيه إلى الرئاسة، هما: الحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا، الذي يتمتع بنفوذ جماهيري كبير، واتحاد نقابات العمال الذي لا يقل نفوذا.

لكن فوز زوما لم يكن غير البداية في مسيرة لن تكون سهلة بكل تأكيد، بخاصة وأن البلاد تعاني، مثلها في ذلك مثل الدول الصناعية الكبرى، من آثار الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، تأثيراً يهدد بفقدان جنوب إفريقيا موقعها بين الدول ذات الاقتصادات القوية، التي تلعب دورا في إطار دول العشرين الذي يضم أقوى عشرين دولة اقتصاديا.

هذا، ما جعل زوما يقدم العامل الاقتصادي على ما عداه في اختياره للوزراء الذين ستضمهم حكومته التي يعول عليها الكثير، وبخاصة في مجالات مكافحة الفقر المنتشر في البلاد، والبطالة التي حرمت نحو ربع سكان جنوب إفريقيا من فرص العمل، إلى جانب قضية مكافحة مرض الأيدز الذي يفتك بنحو ألف مواطن جنوب إفريقي سنويا.

كانت الخطوة الأولى هي تعيين تريفور مانويل، وزير المالية السابق رئيسا لجهاز التخطيط الاقتصادي الذي سيكون أداة زوما للمحافظة على اقتصاد البلاد قويا مثلما كان منذ زوال حكم الفصل العنصري، بخاصة وأن مانويل كان المخطط الحقيقي للاقتصاد على مدى الأعوام السبعة عشر الماضية التي شغل خلالها منصب وزير المالية.

لكن الاقتصاد لم يكن المعيار الوحيد للاختيار، فهنالك توازنات كان على زوما أن يأخذها في حسبانه لدى تشكيل الوزارة مثل التوازنات السياسية، فقد اختار رئيس الوزراء الجديد الأمين العام للحزب الشيوعي لجنوب إفريقيا «بلادي نزيماندي»، وزيرا للتعليم العالي والتدريب، واختيرت «ويني مانديلا»، الزوجة السابقة لنلسون مانديلا، التي حجزت لها مقعدا في البرلمان الجديد لمنصب وزاري على الرغم من أن هناك من يراها عامل فرقة في الحزب والدولة وليس عامل توحيد.

وفي لفتة لم تكن مفاجئة، اختار زوما أن يضم إلى حكومته أنصار البيض في جنوب إفريقيا ممن ينضوون تحت راية حزب «جبهة الحرية» وهو الواجهة المعلنة للأفريكانرز، أي البيض الأوروبيين الذين بدأوا يشعرون بالتهميش منذ زوال حكم الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا في مطلع التسعينيات.

زوما بدا أنه يعرف جيدا مدى الصعوبات التي سوف يواجهها فريقه الحكومي، لذا فإنه في خطاب تنصيبه، ضرب على وترين، الأول طمأنة الجماهير التي اختارته حين أكد أن «الأحلام والآمال التي تحدو شعبنا يجب أن تتحقق.» أما الثاني فكان وتر الصرامة والحزم، حين قال «لا مكان للقناعة والاكتفاء، لا مكان للتشكك، ولا مكان للأعذار».

“المؤتمر الوطني الإفريقي” يكتسح الانتخابات جاكوب زوما يشكّل حكومته: الاقتصاد أولاً
 
14-May-2009
 
العدد 76