العدد 76 - الملف
 

السجل - خاص

على استحياء، قاد مواطنون معدودون في بلدتي ثغرة الجب وحيان، وهما أقرب تجمعين سكنيين إلى مصنع اسمنت الراجحي، احتجاجات على آثار بيئية سلبية محتملة على المنطقة، بعد البدء بتشغيل المصنع الواقع شمال شرقي مدينة المفرق بالقرب من الخط الدولي هناك، قبل شهور.

يقول أبو محمد، أحد سكان بلدة ثغرة الجب، ويعمل في القطاع الخاص: «حاولنا الاعتراض في البلدة، إلا أن عددنا قليل. ما قدرنا نقنع نواب ووجهاء وشيوخ عشائر دافعوا بشدة عن المشروع بأن هناك سلبيات لا بد من الحديث فيها».

يتابع أبو محمد قائلاً: إنه ورفاقه ساروا مع التيار مجبرين، «هيك واقع الحال هون»، مشيراً إلى أن موظفين من وزارة البيئة أكدوا لهم أن المصنع قام بتركيب فلاتر على المداخن، كما أن الرياح في المنطقة دائماً ما تكون شمالية شرقية، لذا، فإن ثغرة الجب، التي تقع على بعد 5 كم إلى الشرق من المصنع، لن تتأثر سلباً».

الاشتراطات البيئية لموقع أي منشأة صناعية، تشدّد على أن الموقع يجب أن يكون مناسباً، أي لا يؤثر على البيئة بكل عناصرها: المياه الجوفية والسطحية، النباتات، الحيوانات، البشر، وبالتالي يجب أن يبعد موقع المنشأه الصناعية عن أي تنظيم سكني 7 كم على الأقل! بحسب مدير مديرية التراخيص مساعد الأمين العام في وزارة البيئة أحمد القطارنة.

من حيث المبدأ يشترط قانون حماية البيئة منح الترخص لأي منشأه صناعية إذا نفذت متطلبات كل من وزارة البيئة والصحة والمياه والعمل والزراعة والبلديات وسلطة المصادر الطبيعية، التي يشكل ممثلو كل منها لجنة مسؤولة عن التأكد من مطابقة هذه المنشأة لتلك الاشتراطات، وبناء عليها تمنح هذه اللجنة الموافقة على منح الترخيص أو حجبه.

الفقرة أ من المادة 13 من القانون تنص على أن «تلتزم كل مؤسسة أو شركة أو منشأة أو أي جهة يتم إنشاؤها بعد نفاذ أحكام هذا القانون، وتمارس نشاطا يؤثر سلباً على البيئة، بإعداد دراسة تقييم الأثر البيئي لمشاريعها ورفعها إلى الوزارة لاتخاذ القرار المناسب بشأنها». وهو ما التزم به مصنع الراجحي، بحسب مدير مديرية التراخيص مساعد الأمين العام في وزارة البيئة أحمد القطارنة.

يقول القطارنة: «نحن لا نعطي الموافقة للمنشأة فقط، وإنما نتابعها بمساعدة الشرطة البيئية بعد ذلك بشكل متكرر، ونتأكد من أنها تتبع الإجراءات الوقائية التي تعهدت بها وفقاً لدراسة الأثر البيئي التي قدمتها».

ورداً على سؤال عما إذا كان الترخيص لمصنع الراجحي تم باستخدام مادة الفحم البترولي، يقول القطارنه إنه لا يتذكر بدقه، «ولكن الدراسة التي قدمت تضمنت مواد بديلة سواء فحم أو فحم بترولي أو غاز طبيعي، وهو حال أي منشأة أخرى».

مادة الفحم البترولي هي بواقي مصافي البترول، وهي تصنع بطريقة التفحم لتصبح فحما بتروليا بشكل أسطواني صغير الحجم، بقطر يبلغ 5 سم تقريباً، ثم يطحن على شكل مسحوق ليكون جاهزاً للاستعمال داخل الحارقات لتنتج طاقة بديلة، بحسب دراسة تحت عنوان «التأثيرات البيئية لمادة الفحم البترولي» أعدها زياد صويص في تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 لحساب جمعية البيئة الأردنية.

وقد أوضحت الدراسة أن الفحم البترولي يتكون من: كبريت، كربون، رماد، ومعادن ثقيلة مثل: الزئبق، والرصاص، والزنك، والنيكل، والنحاس، والكروم، والكادميوم، والخارصين.

ولمادة الفحم البترولي ملوثات حمضية متمثلة في غاز ثاني أوكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين، الذي يتحول بوساطة الشمس والعوامل الجوية إلى حامض الكبريتيك وحامض النيترات، وتتساقط على شكل حبيبات في فصل الصيف، وأمطار حمضية في فصل الشتاء.

أحد نواتج الاحتراق الأخرى للفحم البترولي، وخصوصاً الاحتراق غير الكامل، ينتج عنه أول أوكسيد الكربون ودقائق الكربون التي تعتبر من الملوثات الخطيرة في الجو.

يشار إلى أن هذه الدراسة كانت أجريت لمعرفة تأثير استخدام مادة الفحم البترولي في مصنع الاسمنت في مدينة الفحيص.

«النوايا لا تكفي، وإنما يجب أن يؤكدها تطبيق عملي على أرض الواقع»، يقول مدير جمعية البيئة الأردنية فرع المفرق هايل العموش، الذي يؤكد أن «المصنع تعهد بتطبيق ما جاء في دراسة الأثر البيئي من إجراءات وقائية للنتائج السلبية إن وجدت».

ويوضح العموش أهمية الفعاليات الصناعية للمساهمة في التنمية المحلية للمنطقة الموجودة بقربها، مشيراً إلى أن «من المتوقع أن تستفيد المنطقة اقتصاديا وتنموياً، ويتم دعم مؤسسات المجتمع المدني والحراك الاجتماعي في المنطقة».

ويسوق العموش مثالاً على ما تقدم استعداد المصنع لإعادة تأهيل المحاجر والمقالع في البلدتين اللتين تأثرتا بيئياً، نتيجة العشوائية في إنشاء تلك المحاجر والمقالع، ولا يتوقع أثراً سلبياً للمصنع على المنطقة، فهو يلمس «مراقبة مستمرة من وزارة البيئة».

المدير التنفيذي لشركة اسمنت الراجحي، برهم مضاعين، شدّد في ورشة عمل نظمها المصنع في المفرق شباط/فبراير الماضي، على أهمية اختيار المفرق لإنشاء المشروع ليكون مصدراً تنموياً رئيسياً في استقطاب الطاقات العمالية اللازمة، مؤكداً أنه «سوف تكون هناك أولوية لأبناء المحافظة، وسنستعين بمؤسسة التدريب المهني لتدريب العمالة المحلية، ومن المتوقع أن يوفر المصنع حوالي 500 فرصة عمل».

بلغت معدلات البطالة بين من تزيد أعمارهم على 15 سنة في محافظة المفرق 10.9في المئة بين الذكور، 27.9 في المئة بين الإناث، بحسب التقرير التحليلي للنتائج السنوية لمسح العمالة والبطالة للعام 2008، الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة.

هذا وتعهد المصنع، بحسب مضاعين، بإنشاء «حزام أخضر بجوانب المصنع للمحافظة على البيئة وجمالية المناطق المجاورة».

رئيس قسم الموارد البشرية في المصنع براء عبيدات، أشار إلى أن تكلفة المشروع الذي سيتم الانتهاء من إنشائه قريباً، بلغت 250 مليون دينار. وأكد أنه تمت مراعاة المواصفات البيئية والصحية «بما يحافظ على سلامة المواطنين وصحتهم».

يذكر أن شركة الراجحي لاستثمارات الاسمنت، هي إحدى الشركات التابعة لمجموعة الراجحي الاستثمارية السعودية، وتعمل في مجال صناعة الاسمنت منذ أكثر من 45 سنة في أسواق مختلفة انطلاقاً من المملكة العربية السعودية.

المناطق التنموية: خدمات عدّة في مكان واحد

تقوم فكرة المناطق التنموية على اختيار مناطق بعينها لتكون حاضنة للصناعات والخدمات اللوجستية والاتصالات. ويضم الأردن اليوم ثلاث مناطق تنموية هي: منطقة الملك الحسين بن طلال التنموية في المفرق، ومنطقة معان التنموية، ومنطقة إربد التنموية.

تقول هيئة مفوضي المناطق التنموية التي تم تشكيلها بموجب قانونٍ ملكي العام 2008، «إن المناطق التنموية جاءت لإحداث نقلةٍ في المسيرة التنموية وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توزيع مكتسبات التنمية، وخلق بؤر تنموية ونواة للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وإيجاد حلقات تنموية متكاملة وفق الميزات التنافسية والتفاضلية في كل محافظة أو منطقة، بالإضافة إلى مكافحة الفقر والبطالة، وتوفير فرص العمل سعياً نحو تحسين الظروف المعيشية للمواطنين».

وتقدم المناطق التنموية مفهوماً جمركياً وإدارياً جديداً، حيث تتوافر مرونة تشريعية في قانون المناطق التنموية لاستيعاب أنشطة اقتصادية مختلفة، وتمكين القطاع الخاص من أخذ زمام التطوير، ضمن بيئة جاذبة ومحكومة من ناحية التنظيم، والتأهيل، والمتطلبات، ومعايير الأداء.

كما يتم من خلال هيئة المناطق التنموية توفير خدمة المكان الواحد من خلال كونها المرجعية الإدارية الفاعلة، دون الحاجة إلى خلق جهاز حكومي جديد، بل من خلال المؤسسات العاملة في أجهزة الدولة المختلفة، بالإضافة إلى إبراز دور القطاع الخاص من خلال التعريف بالمطور الرئيسي وتنظيم شروط تأهيله وواجباته وصلاحياته، وتمكين الهيئة من إبرام اتفاقيات معه تحت مظلة مجلس الوزراء.

وتمتاز كل من المناطق التنموية بمزايا خاصة بها؛ فمنطقة الملك الحسين بن طلال التنموية في المفرق التي تم إطلاقها العام 2006، تتميز بموقعها الاستراتيجي، إذ تبعد ما بين 160-550 كم عن خمسة موانئ رئيسة هي: العقبة وبيروت وطرطوس واللاذقية وحيفا، بالإضافة إلى مرور عدد من أهم الطرق الدولية عبرها.

منطقة معان التنموية التي أطلقت العام 2007، تتميز بأنها تشكل محوراً إقليمياً للحركة الصناعية، يدعمه توافر القوى العاملة بتكلفة منافسة وإطار تشريعي ومالي ملائم، لكي تكون مركزاً للتميز في مجال التدريب المهني الذي يزود طلابه بالمهارات والقدرات التي يحتاجونها لإثبات أنفسهم في أسواق العمل، ويرفد المشاريع والاستثمارات بالموارد البشرية الجاهزة والمؤهلة، بالإضافة إلى كونها معلمًا دينيًّا للحجاج يوفر لهم الراحة والاسترخاء.

أما منطقة إربد التنموية التي أطلقت العام 2007، على مساحة 3.2 كم مربع، لتكون نواة للعديد من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، ومركزًا علميّاً في محافظة إربد، فإن من المتوقع لها أن تسهم في البناء على الفرص المتاحة لتحويل جامعة العلوم والتكنولوجيا إلى منطقة ذات نشاط اقتصادي ومعرفي، وخلق شراكة بين طلبة الجامعات وأعضاء هيئة التدريس والشركات العالمية التي ستعمل في المنطقة، بخاصة وأن أبرز عوامل نجاح المنطقة يتمثل في توافر قطاع تكنولوجيا المعلومات والبنى التحتية الخاصة به، وتعدد الجامعات والخريجين المؤهلين لسد احتياجات تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية.

مصنع إسمنت الراجحي: استحقاقات بيئية تتراجع أمام واقع البطالة
 
14-May-2009
 
العدد 76