العدد 76 - الملف
 

نهاد الجريري

الطريق الدولي الذي يصل عمان ببغداد، هو ذاته الذي يفصل بين مدينة المفرق وجامعة آل البيت، التي استقبلت باكورة طلابها العام 1995. امتداده على هذا النحو يشكل ما يشبه حدا اصطناعيا بين الطرفين.

بتاريخ 10 آذار/ مارس الماضي، جاء في مقالة نشرها موقع «كل الأردن» الإلكتروني أنه «بدلاً من أن تنفتح الجامعة (آل البيت) على المجتمع المحلي وتسهم في تنميته، بقيت الجامعة أشبه بقلعه حصينة أو جزيرة معزولة لا علاقة لها بالمجتمع، ومعظم العاملين فيها يأتون من خارج محافظة المفرق، يسلكون الطريق الخارجي الصحراوي، ويندر أن يدخلوا مدينة المفرق».

تماضر ذات السبعة والعشرين عاما التي ولدت وترعرعت في المدينة تلفت إلى أن الطلاب القادمين من الزرقاء أو عمان أو إربد يفضلون الترجل من الباصات عند «الجسر»، والمشي باتجاه بوابة الجامعة ومن ثم التوجه إلى كلياتهم الممتدة على مساحة واسعة من الأرض، بدلا من أن يكملوا المشوار إلى «المجمع» في مدينة المفرق، كي يستقلوا «السرافيس» المتوجهة إلى الجامعة. تعلق تماضر: «لهذه الدرجة يكره الطلاب أن يدخلوا المدينة»!

بالنسبة للطلبة الذين يعيشون في سكنات الجامعة، فإن مدينة المفرق لا تعني شيئا. تقول تماضر: «هؤلاء يحصلون على حاجياتهم من سوق واحدة هي سوق عكاظ، وثمة شارع واحد يخدمهم معروف لدينا باسم شارع الجامعة، لكن لا شيء يربطه بالمفرق». وتتمنى تماضر لو أن «آل البيت» حققت للمفرق ما حققته جامعة اليرموك لإربد.

ماجد، طالب في إدارة الأعمال بالجامعة، يعترف بأنه لا يعرف أي شيء عن المفرق سوى الجامعة. ويعلل ذلك بأن المنطقة غير تجارية، تخلو من أي مظاهر قد تجذب الشباب مثل النوادي أو المقاهي أو حتى أماكن التسوق.

في المقابل، اعتاد أهل المفرق على منظر الطلاب الأجانب الذين يصرون على العيش بين سكان المدينة والاستئجار لديهم، ويحرصون على الخروج إلى الشوارع والأسواق المحلية للتبضع وتعلم اللغة العربية. ناهيك عن الرحلات السياحية التي تنظم باستمرار لتعريفهم بالبادية الشرقية والشمالية؛ وهو أمر يفيد منه أهل المفرق. ثمة خمسمئة طالب وافد (عربي وأجنبي) سجلوا للفصل الأول في جامعة آل البيت للعام الدراسي 2008 - 2009.

أما التركيبة المجتمعية داخل الجامعة، فيمكن تقسيمها إلى نوعين. الأول عشائري، وهو متعارف عليه بين الطلاب من محافظة المفرق؛ فهم ينتظمون بحسب انتماءاتهم العشائرية، ويتخذون من «مبنى قريش» في الجامعة مركزا لهم. والثاني مناطقي؛ إذ ينضم الطلاب، من الزرقاء مثلا، في مجموعة واحدة، بغض النظر عن أصولهم، وكذلك الطلبة من عمان أو من إربد، وهكذا. هؤلاء يتركزون في كلية الاقتصاد.

في هذه النماذج خروج عن أحد بنود رسالة الجامعة ومهامها المذكورة في موقع الجامعة الإلكتروني، وهي «تعريف ‘المسلم‘ ليس فقط بثقافته ولكن بثقافات العالم المتعددة».

إلا أن أحدا لا ينكر دور الجامعة في الدراسات والأبحاث التي تخدم البيئة المحلية، وبخاصة ما يتعلق بالحصاد المائي وزيادة الرقعة الخضراء في البادية.

محمد الفرجات، الأستاذ المساعد في علم المياه الجوفية في معهد علوم الأرض والبيئة في جامعة آل البيت، يقول إن المفرق من أكثر مناطق المملكة جفافا. وهي بالإضافة إلى هذا تتعرض لاستنزاف مواردها من المياه الجوفية. وهنا يأتي دور الجامعة في في توفير مظلة رسمية ودعم لوجستي لتسهيل مهمة الباحثين في علوم المياه السطحية والجوفية. فتشرف الجامعة على مشاريع لتجميع مياه المطر وتغذية المياه الجوفية. من هذه المشاريع استغلال الكهوف البازلتية لتغذية المياه الجوفية في شرقي المفرق، واستخدام خزان البازلت لتخزين المياه قرب الأزرق.

كما كان للجامعة دور في إحياء السدود الأثرية في البادية، مثل سد الرويشد، التي انتعشت إلى حد بات معه «المفرقيون» قادرين على صيد أسماك قد يصل وزن الواحدة منها إلى 12 كيلوغرام.

وكان للجامعة أيضا دور في زيادة الرقعة الخضراء من خلال زراعة الأشجار الحرجية في محيطها، وزراعة أشجار الزيتون التي درت دخلا على الجامعة العام الماضي تعدى المئة ألف دينار. الجامعة تشرف حاليا على مشروع بدأته جمعية برقش الخيرية لزراعة نبتة الغتروفا بهدف إنتاج البنزين.

لكن هذا لا يغير من حقيقة أن جامعة آل البيت لم تعد تسير على النهج الذي أنشئت من أجله. الكاتب الصحفي محمد أبو رمان الذي أنهى دراساته العليا من آل البيت، كتب في صحيفة الغد بتاريخ 28/9/2008 أن «المقارنة بين ما كانت عليه الجامعة في عهد عدنان البخيت وبين ما آلت إليه اليوم هي مقارنة تثير الألم والحزن والكآبة». البخيت كان أول رئيس لجامعة آل البيت.

إنجازات في الأبحاث والزراعة تلاها تراجع جامعة آل البيت: انفتاح الطلبة الأجانب وانفضاض الأردنيين
 
14-May-2009
 
العدد 76