العدد 76 - الملف
 

عطاف الروضان

«بلدية المفرق تحتاج إلى خطة إنقاذ وطني»، هذا هو الحل الذي يراه مواطن من المفرق عمل سنوات في العمل البلدي، شاهد خلالها ما تعانيه بلدية المفرق من مشاكل مالية وإدارية، وهو ما أثر في أدائها الخدمي والتنموي في المدينة.

ويعرب المواطن، الذي فضل عدم نشر اسمه، عن اعتقاده بأن أداء أي بلدية يظهر إلى العيان لدى تجولك في مناطقها، وما يبدو للعيان في حالة المفرق سيء للغاية، «فمثلاً شبكات الطرق والصرف الصحي والمياه جميعها متهالكة وقديمة، ولا يبدو أن هناك أي مبادرات لتغيير واقعها».

وتقدر مساحة بلدية المفرق الكبرى شمال شرقي الأردن بنحو 128 كم2، حجم المساحة المنظمة منها 64 كم2 تقريباً، في حين تبلغ مساحة التنظيم السكني 26 كم2، ومساحة التنظيم الزراعي 38 كم2.

يعيد رئيس بلدية المفرق السابق، نضال الدغمي، واقع البلدية «المتردي» الحالي، إلى منتصف الثمانينيات، عندما تم تحويل المفرق من لواء إلى محافظة، ما تطلب آنذاك مكتسبات ومرافق خدمية جديدة « فتصدت البلدية لهذا الأمر»، بحسب الدغمي الذي كان رئيساً لبلدية المفرق في الفترة 1999-2003.

ويحّمل الدغمي الحكومة آنذاك المسؤولية عن ذلك، فقد حمل ذلك بلدية المفرق هذا العبء المالي الذي أفضى إلى مديونية كبيرة وصلت اليوم إلى 5.410 ملايين دينار، «لأن البلدية، بعد أن استنفدت موجوداتها المالية، لجأت إلى القروض لتنفيذ مشاريع مكلفة أولاً، ومطلوبة من الوزارات وليس البلدية ثانياً، كالملعب البلدي، البريد، بناء مدارس، وصيانة أخرى، وغير ذلك من خدمات».

بدأت بلدية المفرق في اللجوء إلى بنك تنمية المدن والقرى للحصول على القروض بداية التسعينيات، «أدهى من ذلك أن المشاريع التي اقترحتها المجالس البلدية وطلبت القروض لأجلها كانت فاشلة عملياً» بحسب الدغمي، «فالبلدية لم تستفد شيئا، بل تراكمت الديون وفوائدها على مشاريع لا تعود بجدوى ملموسة كالمدينة الحرفية والمدينة الصناعية ومنها ما هو متوقف حالياً كالسوق المركزي» كما يؤكد.

وفقاً لأرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، وصل عدد السكان الذين يحصلون على خدمات من بلدية المفرق الكبرى نحو 122 ألف نسمة لعام 2002.

عامل آخر يضيفه ناصر نايف الذي يعمل في أحد البنوك في المدينة، لتردي واقع الخدمات في المفرق وعدم قدرة البلدية على تغييره، هو «التعيينات العشوائية القائمة على المحسوبية والواسطة لموظفين في البلدية غير قادرين على فهم جوهر العمل البلدي لخدمة المجتمع المحلي بشكل عام، وليس للحي أو الشارع أو الشخص الذي تربطني به صلة قرابة».

ويبين ناصر أن البلدية أصبحت المكان الذي ينتهي إليه كل من لم يقبله الجيش، أو من لم يحصل على قبول جامعي، أو من لم يوفق في وظيفة عامة أخرى، ويتساءل: «هل يستطيع شخص غير مؤهل أن يساهم في أداء مهمة البلدية الأساسية وهي تنمية المجتمع المحلي».

رئيس بلدية ثغرة الجب الأسبق عبد الله عودة، يؤكد أن التردي في حال البلدية بدأ يظهر بجلاء بعد أن تم دمج بلدية ثغرة الجب مع بلدية المفرق، ما أدى إلى تراجع مستوى الخدمات في البلدية «فإيرادات بلديتنا التي كانت تكفي وتزيد، حولت للرواتب وسداد الديون، فهناك نحو 650 موظفا على كادر البلدية في المفرق، يلتزم منهم بأداء وظائفهم ما لا يزيد على 150 موظفاً، ومعظم الموظفين هم من ثلاث عائلات تقريباً ترد لعشيرة المشاقبة» كما يؤكد عودة.

وكان قد تم دمج أربع بلديات مجاورة وعدد من المجالس القروية والتجمعات السكانية لبلدية المفرق، لتشكل في مجموعها بلدية المفرق الكبرى، بقرار من مجلس الوزراء العام 2001.

يقول مواطن رفض نشر اسمه، تتكرر مراجعته للبلدية بحكم عمله كصاحب مطعم «قلة من الموظفين يلتزمون بالدوام، والباقي لا يحضر إلى مبنى البلدية إلا عند استلام الراتب، فهناك موظفون في البلدية يتاجرون في سوق الأغنام، ومزارعون، وموظفون في القطاع الخاص، وهؤلاء جميعا مسجلون على كادر البلدية»، على حد تعبيره.

ويتفق كثيرون ممن تحدثنا معهم من مواطني المدينة في أن ضعف التحصيل لمستحقات البلدية من أجور لمنشآت وضرائب ورسوم وضرائب مسقفات، عامل متجدد في الواقع المالي الصعب الذي تعيشه البلدية، وهذا يعود لسببين بحسب تأكيداتهم: معظم المستأجرين أو المستفيدين من خدمات البلدية هم أقارب لمتنفذين. وهنالك أيضا طبيعة المحصل نفسه غير القادر على القيام بمهمته.

هذا الأمر أكده تقرير أعده مركز الدراسات الاستراتيجية العام 2004 تحت عنوان البلديات ضعف الاستراتيجية وهيمنة المرحلية، الذي اعتبر بلدية المفرق من البلديات التي تعاني من أوضاع بالغة السوء، ذلك أن البلدية عمدت إلى إنشاء مشاريع ومجمعات تجارية تؤجر باسم البلدية، لكن المستأجرين لم يدفعوا أجورها على مدى سنوات، لضعف نظام الجباية، وتساهل وزارة البلديات المفرط.

التنوع السكاني الذي تتميز به مدينة المفرق يتراجع اليوم أمام هذه الحقيقة، كما يرى عودة الذي يستثني من هم ليسوا من عشائر بني حسن التي تشكل غالبية السكان في المدينة، فهؤلاء بالنسبة للبلدية دافعو ضرائب ومنفذو قانون فقط، «فالتنوع يساهم إيجابياً في كل المجتمعات إلا في المفرق» على حد تعبيره.

ومن المعروف أن أول رئيس بلدية للمفرق كان علي باشا عابدية في العام 1947 وهو من أصل ليبي، وخلفه أحمد عبده الرجال، وهو من أصل شامي.

وفي حال حصول البلدية على قروض لمشاريع خدمية، فإنها توزع على المعارف والمحاسيب بانتقائية شديدة، بحسب الخمسيني أبو محمد، من إحدى البلدات الصغيرة التي دمجت مع بلدية المفرق، والذي يصف أداء البلدية بـ«نسمع جعجعة ولا نرى طحناً»، فهناك حديث عن إنجازات متكررة لكن واقع الحال يقول عكس ذلك.

أم أحمد مواطنة وأم لخمسة أطفال، تشكو من واقع الخدمات المتردي، وغياب متنفس لها ولأطفالها مثل الحدائق والمتنزهات، وتقول «كانت حديقة الأميرة إيمان كويسة، وصار عليها إقبال، بس فتحها للشباب وعدم اقتصارها على العائلات أدى إلى تردي أوضاعها وبطلنا نروح عليها».

وتبدي أسفها لإغلاق حديقة السكة العام 2003، «كانت حلوة، عملتها البلدية في محطة الخط الحجازي. إشي تراثي وتاريخي للمدينة، بيجي عليها طلاب بالقطار من عمان والزرقاء، وإحنا كنا نروح مع أطفالنا. الآن سكروها وصارت ملم للزعران، حتى الحديد اللي فيها سرقوه، ومكتبة الطفل التي أسستها البلدية سابقاً أصبحت مشروعاً ميتاً بلا حياة».

ولعل أحد أبرز المشاكل التي تعاني منها المفرق هي مسألة جمع النفايات «التي طرأ عليها تحسن» بحسب فاطمة، ربة منزل، بعد إثارة موضوعها في برنامج «يحدث اليوم» في التلفزيون الأردني، إلا أنها ما زالت تحتاج إلى متابعة من البلدية.

وأشارت فاطمة أيضا إلى قضية مداخن المخابز في الأحياء السكنية «التي تسبب تلوث الجو وتنشر أمراضاً في الجهاز التنفسي للمواطنين».

يؤكد مدير فرع جمعية البيئة الأردنية في المفرق المهندس هايل العموش، الذي يعمل في الوقت نفسه مديراً للبلدية «أن بلدية المفرق تحتاج إلى دعم كبير للتصدي لموضوع النفايات والواقع البيئي بشكل عام، وبخاصة في ساعات الصباح».

ويشير مهندس عامل في البلدية فضل عدم نشر اسمه إلى أن هناك مشكلة كبيرة على وشك أن تواجهها البلدية، وهي أن هناك أراض واسعة تابعة للبلدية لا تخضع لمخطط التنظيم، وبدأ المد العمراني ينتشر بشكل عشوائي في اتجاهها، «ومن المؤكد أنها ستخلق تجمعات سكانية عشوائية ستعاني من وجود شبكة طرق وخدمات ضعيفة نتيجة لهذه الحال».

طالب وافد من إحدى الدول العربية يدرس في جامعة آل البيت، يتساءل عن تغييب الشباب في المفرق عن خطط واهتمامات البلدية في مشاريعها وفعالياتها، ويستذكر مهرجان المفرق الأول الذي تبنته البلدية في السابق، ومدى الإقبال الذي شهدته فعالياته، «فقد كان فرصة للشباب للعمل التطوعي ولنشاط فني وثقافي.» هذا المهرجان ألغي العام 2003.

حاولت «ے» الاتصال برئيس بلدية المفرق الحالي عبد الله العرقان، لكنه لم يرد، إلا أن مدير الإعلام والعلاقات العامة مروان عبد المجيد، كان قد كتب في سرده لتقرير الإنجازات والمشاريع المستقبلية لبلدية المفرق في موقعها الإلكتروني: «ما أن تسلم المجلس البلدي مهامه في بلدية المفرق الكبرى في 2007 حتى قام برفع شعار العمل والإصلاح، وأخذ على عاتقه العمل بشكل مؤسسي مبني على تقييم الحالة العامة للبلدية، وحين وجد العديد من المشكلات سواء ما تعلق منها بدار البلدية أو الأجهزة التي تنبثق عنها، أو ما يتعلق بواقع الخدمات، وضع نصب عينيه القيام بواجبه تجاه المدينة، وبدأ العمل ضمن الإمكانات المتاحة لتقديم ما استطاع للمواطنين ضمن سلم الأولويات، وخدمة الجميع دون تمييز، لرفع وتحسين مستوى الخدمات».

أكد تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية المذكور سابقاً أن خلق أزمة البلديات وتضخيمها، وأبرزها في المفرق، كان نتيجة تضافر عدة عوامل، أهمها وأكثرها تأثيراً «عدم احتكام السياسات الحكومية المتعلقة بالحكم المحلي، بأوسع مفاهيمه ومضامينه، إلى رؤية استراتيجية واضحة تتبناها الحكومات المتعاقبة».

لكن معظم من تحدثت إليهم «ے» أفادوا بأن مشكلة بلدية المفرق المالية، والترهل الإداري، وضعف الخدمات، وآفاق الأداء غير المبشر، يعود إلى سيطرة العشائرية على مجريات الحياة بشكل عام في المدينة، وهناك من أكد أن المفرق بلدية عاجزة، لأن العشائرية هي التي تحكمها، فهي تقدم المصلحة الضيقة للأفراد على مصلحة المجموع.

“تحتاج خطة إنقاذ وطني” العشائرية والمحسوبية تنخران جسد بلدية المفرق
 
14-May-2009
 
العدد 76