العدد 76 - أردني
 

منصور المعلا

استناداً إلى منطق «إنساني واجتماعي» يعكف عدد من الوزارات على فك استعصاء معضلة عمال المياومة التي تراوح مكانها منذ العام 2006، وذلك عبر تثبيتهم على جدول التشكيلات، مع أن اختصاصاتهم غير مطلوبة في غالبية الوزارات، على ما يقول أمين عام وزارة تطوير القطاع العام علي الدرابكة.

أوضح الدرابكة لـ«السجل» أن الوزارة اعتمدت مقاربة «إبداعية» في مسعاها لحل هذه القضية في كل الوزارات من خلال «دفعهم للعمل في وزارة الزراعة خصوصاً في المشاريع الإنتاجية. إلا أن العمال من الوزارات الأخرى رفضوا الانتقال، بدعوى أنهم لا يرغبون في هذا النوع من الأعمال».

وبينما يلفت إلى أن عدد عمال «المياومة» يفوق في وزارتي الأشغال والزراعة عدد الموظفين فيهما، يرى الدرابكة أن «الضرر الكبير من التثبيت سيلحق بالقطاعات الخدمية الأساسية على رأسها الصحة والمياه».

وزارة تطوير القطاع العام حاولت مرة أخرى «إبداع» مخرج آخر يتمثل في شمولهم بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي للعمال دون تثبيتهم، إلا أن الدرابكة اتهم «قوى في الظل» لم يسمها «بمواصلة دفع العمال إلى التظاهر والمطالبة بالتثبيت»، حسبما يستذكر.

الدرابكة يؤكد أنه مع تثبيت عمال المياومة على الموازنة العامة، فإن «رواتبهم الجديدة لن تزيد كثيراً عما يتلقونه الآن».

وزارة القطاع العام أخذت على عاتقها تبني قضية عمال المياومة، الذين تم تعيينهم على مراحل قبل سنوات لفترة محدودة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، إلا أنهم واصلوا العمل وتقاضي الرواتب، حسبما يوضح أمين عام الوزارة.

عبء مالي جديد

من جانبه يرى وزير تطوير القطاع العام السابق ماهر المدادحة، أن تثبيت عمال المياومة سيضيف زهاء 12 ألف موظف جديد إلى كادر الحكومة المقدر بـ370 ألف موظف، يتقاضون ما يقارب ملياري دينار أي 50 في المئة تقريبا من نفقات الدولة، تضاف إليها 30 في المئة كلفة تشغيلية من حجم الإنفاق الحكومي المقدر بـ 4،5 مليار دينار.

المدادحة يعتقد أن زيادة حجم الإنفاق على هذا البند، يقلل من فرص الحكومة في تقديم خدمة أفضل للمواطنين، إذ «أن 20 في المئة من حجم الإنفاق الحكومي، المتبقي بعد خصم الكلفة التشغيلية ورواتب الموظفين، لا يكفي لتحسين واقع التعليم أو الصحة على سبيل المثال».

يتوزع عمال المياومة في عدّة مؤسسات حكومية في مقدمتها وزارتا الأشغال العامة (خمسة آلاف) والزراعة (3800)، بحسب وزارة القطاع العام.

مصدر رفيع في وزارة الزراعة، فضل عدم نشر اسمه، بيّن لـ«ے» أن «محاولات توطين العمال في قطاع الزراعة لم تؤت ثمارها، كون معظم العمال خصوصاً في وزارتي الأشغال والمياه يعتبرون العمل في الزراعة عملاً شاقاً».

يعمل غالبية عمال المياومة طوّافين في الأحراش والغابات الأميرية أو في زراعة الأشجار على حواف الطرق.

العمال يعانون من سوء الأوضاع المعيشية، إذ لا تتجاوز أجورهم الشهرية 140 دينارا، ولا يتمتعون بحقوق كسائر الموظفين مثل الإجازات المرضية، أو زيادة الرواتب أو التأمين الصحي أو الضمان الاجتماعي.

التوجه الجديد يتناقض مع طرح حكومي سابق في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي، سعى إلى وضع خطة حكومية تقضي «بتقليص الكادر الحكومي بنسبة 2 في المئة سنويا من أجل ترشيق الجهاز الحكومي، الذي يعاني من الترهل نزولا إلى 150 ألف مستخدم»، بحسب نائب رئيس حكومة أسبق فضّل عدم نشر اسمه، كان قد عمل على هذا الملف.

شرارة التحول الحكومي استجابة للضغط العمالي قدحت بعد «اعتصام نفذه العمال أمام الديوان الملكي يوم العمال (الأول من أيار/مايو)، إذ التقوا هناك موظفا كبيرا لم يطلع العمال على اسمه»، بحسب محمد السنيد، رئيس لجنة عمال المياومة التي تشكلت العام 2006. وأكد السنيد «أن العمال تلقوا منه وعداً قاطعاً بحل مشكلتهم».

اعتصام العمال أمام الديوان سبقته محاولة انتحار فتاة تدعى جيهان الهواوشة بداعي الفقر، من على مبنى عير مكتمل قرب دوار الداخلية. جيهان ابنة عامل مياومة سابق في وزارة الزراعة، توفي وترك العائلة دون أي مصدر دخل.

وكانت اللجنة الفنية المكلفة بمعالجة أوضاع المعينين خارج جدول التشكيلات والموازنة العامة (عمال المياومة)، اتجهت لتحديد المسميات الوظيفية لهؤلاء تمهيدا لتثبيتهم.

منذ بدء مسلسل الاعتصامات صيف العام 2006، مرت قضية عمال المياومة، وبخاصة الملحقون بوزارة الزراعة، على عدد من الحكومات التي أكدت عدالة مطالبهم ووعدتهم بتحقيقها، ومنها تحويلهم من «مياومة» إلى «مقطوع»، بعد أن انتظر بعضهم أكثر من عشر سنوات قرار التثبيت.

تعاقب على قضية العمال الوزراء عاكف الزعبي، مصطفى قرنفلة، مزاحم المحيسن وأخيراً سعيد المصري، فيما تشكل قضية العمال في الزراعة الأبرز مقارنة بعمال المياومة في الوزارات الأخرى، نظرا لأن إثارة القضية بدأت من هذه الوزارة.

نفذ العمال 17 اعتصاماً منذ أن بدأوا بالمناداة بمطالبهم. إلا أن القضية ظلت تتفاقم بخاصة عندما وعدت الحكومات السابقة بالتثبيت على مراحل بين العامين 2006 و 2009. إلا أن تلك الوعود لم تنفذ، إنما تم تثبيت الحاملين للشهادات العلمية، بغض النظر عن الفترة التي عملوا خلالها.

رغم العبء المالي قرار وشيك بتثبيت عمال المياومة
 
14-May-2009
 
العدد 76