العدد 76 - أردني
 

ثمين الخيطان

تتجه الحركة الإسلامية في الأردن صوب مرحلة انتقالية جديدة مع نهاية العام، بعد أن نزعت معركة إقصاء أمين عام جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد، فتيل التشظّي داخل الحركة، التي حافظت على تماسكها في مواجهة ضغوط حكومية منذ منتصف العقد الماضي.

تهدأ وتيرة الخلافات مرحليا بين المعتدلين والمتشددين داخل مركز القيادة في ضوء التوافق على اختيار الوزير الأسبق إسحق الفرحان لخلافة بني ارشيد، المتهم بمحاولة دفع توجهات الجبهة نحو فلك حركة المقاومة الإسلامية حماس.

إعلاميون وسياسيون يرون في التغييرات الأخيرة على قيادة ذراع الإخوان السياسية «حلاً مؤقتاً» لتراكمات ثلاث سنوات من الخلاف بين «الصقور والحمائم»،حول العلاقة مع الحركة الفلسطينية ومع الحكومة.

فيما يؤكد قياديون في الجماعة التي تأسست العام 1946، أن الخلافات ليست سياسية، بل «إدارية بحتة».

أحد مفاصل الخلاف هي ازدواجية تمثيل مكاتب الإخوان في دول الخليج العربي في مجالس شورى الجماعة وحركة حماس في آن واحد، إذ يطالب الحمائم بحسم هذه المسألة بينما يريد الصقور الإبقاء على الحال ذاتها.

كان بني ارشيد، المحسوب على تيار الصقور، قدم استقالته نهاية الأسبوع الماضي إلى جانب باقي الأعضاء الثمانية للمكتب التنفيذي، قبل أقل من عام على الموعد الرسمي لاختيار خليفة له. الخطوة نالت استحسان المراقب العام للجماعة همام سعيد، المحسوب على تيار الصقور، باعتبار أنها «إسهام منه (بني ارشيد) في حل المشكلات العالقة في قيادة هذه المؤسسة».

الوزير الإسلامي السابق عبدالرحيم العكور، انتقد الصقور في مقابلة مع يومية الغد الثلاثاء (12 أيار/مايو)، داعيا إلى إعادة تعريف علاقة الجماعة بحماس «دون أن يكون تنظيم إخوان الأردن ممثلاً لها أو ناطقاً باسمها».

حين تولى بني ارشيد دفة القيادة في 2006، بدأ بالظهور تباين في وجهات النظر بين الصقور الذين يضعون العلاقة مع حماس في مقدمة أولوياتهم، والحمائم الذين تتصدر أجندتهم اهتمامات تتعلق بملفات داخلية كالإصلاح السياسي، حسبما يؤكد خبراء في الشأن الإسلامي.

«الصقور يريدون تبعية لحماس ونفوذ لحركة المقاومة الإسلامية داخل إخوان الأردن، بينما يتطلع الحمائم إلى أن تكون أجندة الجماعة أردنية مع دعم لحماس والمقاومة»، على ما يقول الكاتب والمحلل السياسي سميح المعايطة لـ«السجل»، معتبراً أن التسوية التي وصلت إليها الجماعة «تجمّد الخلافات ولا تحلّها».

ورغم اعتقاده بأن خلافات الداخل الإسلامي في الأردن «عميقة»، لا يتوقع المعايطة انشقاقاً مستقبلياً في صفوف الجبهة لأن «ثمّة قناعة لدى أفراد الجماعة بأن قيمة العضو في وجوده معهم، وإذا خرج يصبح مذنباً ولا قيمة سياسية له».

يبقى دعم حركة المقاومة الإسلامية حماس في مواجهتها مع إسرائيل، العامل المشترك ونقطة التلاقي بين الحمائم والصقور رغم اختلاف الأولويات.

في خلفية المشهد مد وجزر في العلاقة بين الأردن الرسمي وحماس، التي تشكلت من خلايا إخوان الأردن بالتزامن مع فك المملكة لارتباطها الإداري والقانوني مع الضفة الغربية العام 1988. ذلك القرار لم يحظ باعتراف الإخوان المسلمين، ولم تؤيده حماس.

في العام 1997، أثمرت جهود تفاوضية للملك الراحل الحسين بن طلال عن إطلاق إسرائيل سراح مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين، كأحد الشروط للإفراج عن عميلين للموساد احتجزهما الأردن، إثر محاولة اغتيال القيادي في الحركة خالد مشعل في العاصمة عمان في العام نفسه.

قام الحسين كذلك بالوساطة مع واشنطن للإفراج عن القيادي الآخر موسى أبو مرزوق الذي كان محتجزاً في نيويورك.

بعد ذلك بسنتين، كان مشعل وأبو مرزوق من بين خمسة قياديين في الحركة قررت الحكومة الأردنية إبعادهم بداعي الرغبة في الفرز ما بين ترؤسهم لتنظيم مقاومة فلسطيني ونشاطهم على أرض المملكة، الموقعة منذ 1994 على معاهدة سلام مع الدولة العبرية.

في تصعيد لاحق، أعلن الأردن عن اكتشاف مخابئ أسلحة قال إن عناصر تابعة لحماس هربتها إلى الأراضي الأردنية.

في البال اتهام الحركة الإسلامية للدولة باستهدافها من خلال قانون الصوت الواحد المعمول به منذ انتخابات 1993 البرلمانية، التي ضعف بعدها تمثيل الإسلاميين في المجلس النيابي. كذلك يحمّل الإسلاميون على الحكومة لعدم ترخيصها مسيرات وتظاهرات يحاول الحزب تنظيمها في مناسبات متعددة، فضلاً عن وضع الدولة يدها على جمعية المركز الإسلامي للاشتباه بقضايا فساد.

اتجهت هذه الملفات وغيرها للانفراج صيف العام الماضي، حين فتحت قنوات الاتصال الأمني والسياسي مؤقتاً بين عمان وقادة حمساويين. رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله قام بزيارات سرية إلى العاصمة السورية دمشق حيث يقيم عدد من قياديي الحركة، وذلك بالتزامن مع أربعة لقاءات جمعت مدير المخابرات العامة آنذاك الفريق أول محمد الذهبي، مع نواب جبهة العمل الإسلامي. غير أن الاتصالات توقفت بعد أن غادر الذهبي موقعه أواخر العام الماضي.

الكاتب الصحفي محمد أبو رمّان، يتحدث عن «شرخ عميق» يمكن أن يؤدي إلى انشقاق في الجماعة، بالنظر إلى ما اعتبره مؤشرات للانفصال منها الاختلاف داخل مجالس شورى الإخوان وحماس على تمثيل مكاتب الإخوان في الخليج، قبل فك الارتباط التنظيمي بين الفصيلين العام الماضي.

تنكر القيادات في كلا التيارين أن تكون لهذه المسائل أي علاقة بالاستقالات، مؤكدة على أن الأمر لا يتعدى كونه «اختلاف في وجهات النظر».

«هي خلافات قديمة تتعلق بمنهج إدارة الحزب... وليس بالعلاقة مع حماس»، يقول عضو المكتب التنفيذي المستقيل، الحمائمي نبيل الكوفحي.

القيادي المصنف ضمن تيار الحمائم ارحيل الغرايبة، يؤكد «أن جميع إخوان الأردن متفقون على دعم حركة المقاومة حماس ومساندة القضية الفلسطينية»، معتبراً أن الخلاف يتمحور حول «تنفيذ القرارات الشورية».

«هذا استحقاق للخلاف الموجود منذ الانتخابات النيابية الماضية، إذ كان قرار مجلس الشورى بخوض الانتخابات، إلا أن الأمين العام (بني ارشيد) رفض هذا القرار»، حسبما يضيف الغرايبة، الذي فشل في دخول مجلس النواب في الانتخابات البرلمانية العام 2007، التي خاضها «على كرت» الإخوان عن دائرة عمان الثالثة.

حينها نجح ستة إسلاميين في دخول مجلس النواب (110 أعضاء)، من أصل 22 مرشحاً ضمن قائمة جبهة العمل الإسلامي، التي اتهمت الحكومة بالتزوير بهدف إقصاء مرشحيها عن السلطة التشريعية. قبل ذلك بعدة أشهر كان الإسلاميون قد انسحبوا من الانتخابات البلدية قبل ساعات من إقفال الصناديق.

بعيد الانتخابات البلدية، أطلق رئيس الوزراء حينذاك معروف البخيت، تصريحات اتهم فيها الجبهة بالتشكيك بالدولة والتعرض للجيش والأجهزة الأمنية، وطالب من سمّاهم «العقلاء» داخل الحركة بأن «يستعيدوا زمام الأمور من أيدي الصغار».

تصريحات البخيت شكّلت إحدى حلقات مسلسل الهجوم الحكومي على الصقور، ما دفع في بعض الأحيان للمواجهة الداخلية بينهم وبين الحمائم، حسبما يعتقد محمد المصري، الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.

«هذا الهجوم جعل الحمائم يفكرون بأنهم إذا أرادوا الدخول في تفاهمات مع الدولة، يستوجب ذلك إعلاء صوت المعتدلين»، قال المصري، مضيفاً «أن الضغوط الحكومية الموجهة نحو الصقور كان من آثارها الجانبية إضعاف الحمائم، وإكساب بني ارشيد التعاطف بين أوساط الإسلاميين».

يفخر بني ارشيد بأن توقعاته بحدوث تزوير في الانتخابات «صدقت»، وبالتالي يعتبر أنه كان محقاً في ما ذهب إليه. «لو لم يشارك الحزب في الانتخابات، ربما لم تكن الحكومة لتقوم بالتزوير، لأنها كانت تريد إثبات أن شعبية الإخوان تتناقص في الشارع»، قال بني ارشيد في حديث لـ«ے».

تلك الانتخابات قدحت شرارة سجال داخل الجبهة والإخوان. لكن المتخاصمين: الحمائم والصقور، توصلوا إلى صفقة تسوية، أسدل الستار بموجبها على محاكمات داخلية كانت ستشمل الأمين العام المستقيل، لعدم انصياعه لقرارات مجلس شورى الحزب.

بني ارشيد يرفض الربط بين واجب إسناد حماس وتوجهات الجبهة الداخلية. «دعم حماس في مقاومتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن أن يكون على حساب العمل في ملفات الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد»، بحسب نهج الحزب، حسبما يقول، لافتاً إلى أنه «يمكن العمل بالتوازي في كلا المجالين دون وجود تناقض».

رفض بني ارشيد الدخول في «الملفات الإدارية» موضع الخلاف بين قيادات الإسلاميين، لكنه تحدث عن «استهدافه شخصياً من قبل الحكومة عدة مرات بالضغط من أجل أن يقدم استقالته». وهو يرى أن تلك المحاولات الرسمية فشلت لعدم سماح قيادات الإخوان لأجهزة الدولة بالتدخل: في ما اعتبره «لشؤون السيادية للحركة الإسلامية».

الحكومة تنفي

وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، والناطق الرسمي باسم الحكومة نبيل الشريف، نفى تدخل الحكومة في الخلافات الداخلية بين الإسلاميين، معتبراً أن الدولة «تحترم أي قيادة (حزبية) تفرزها آلية قانونية طبيعية».

«موقف الحكومة هو الدعم والمساندة طالما أنها تعمل وفق القانون... وتقف (الدولة) على مسافة واحدة من جميع الأحزاب»، أضاف الشريف في اتصال هاتفي مع «السجل».

اسحق الفرحان، الوسطي بين تياري الحمائم والصقور، يعتمد مقاربة مختلفة عن تلك التي يتخذها بني ارشيد. إذ يعتبر أول أمين عام لجبهة العمل أن الحركة الإسلامية والدولة «صنوان»، على اعتبار أن الدين الإسلامي هو العامل المشترك بين دستوري المملكة والجماعة.

شغل الفرحان منصب وزير التربية والتعليم في حكومة الراحل وصفي التل العام 1970، واستمر بعدها في الموقع نفسه على عهد أحمد اللوزي، وزيد الرفاعي. وقد أدى اعتراض أوساط الجماعة على توزيره إلى تجميد عضويته حتى أوائل الثمانينيات.

أولويات الفرحان

يرتب الفرحان أولويات أجندته في حالة اختياره رسمياً أميناً عاماً خلال اجتماع شورى الحزب في الثلاثين من الشهر الجاري. «أولاً الهم الأردني، ثم الهم الفلسطيني، ثم العربي فالإنساني... هذه حلقات مترابطة»، يقول الوزير السابق والأكاديمي لـ«السجل».

وعن الخلافات الداخلية يقول الفرحان: «بالنسبة لي هذه خلافات تافهة و غير مهمة، المهم هو طريقة معالجتها وهذا مقدور عليه».

النائب المستقل ممدوح العبادي (وزير أسبق ونقابي) يتوقع إعادة خروج الخلافات في أروقة الجماعة الإسلامية للعلن مع انطلاق انتخابات المكتب التنفيذي في كانون الأول/ديسمبر المقبل. «الفرحان سيقود الجبهة لأجندة أكثر أردنية والبعض من قيادات الحركة لن يعجبهم هذا الأمر»، قال العبادي لـ«السجل».

يرى العبادي أن «الحكومة لا تتدخل في خلاف الإخوان لأنه من مصلحتها حدوث شقاق داخل أكبر أحزاب المعارضة».

في الأثناء، تنتظر عمان حكومة وشارعاً، ما ستؤول إليه ترتيبات البيت الإسلامي خلال الأشهر المقبلة حتى تزول «الضبابية» التي يرى قادة إسلاميون أنها تخيم على المشهد منذ العام الماضي.

إقصاء بني ارشيد أبعد عاصفة المواجهة.. لكن مؤقتاً الفرحان: خلافات البيت الإخواني.. “تافهة”
 
14-May-2009
 
العدد 76