العدد 76 - أردني
 

سعد حتر

شهدت زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر ازدواجية في التعبيرات بين الإنجليزية والعربية، على لسان البابا في عظته صباحاً على جبل نيبو، ولاحقاً حين تحدث الأمير غازي بن محمد، الممثل الشخصي والمستشار الخاص للملك.

في كلمته باللغة الإنجليزية داخل مسجد الملك حسين، قال الأمير غازي، رئيس مجلس أمناء مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، إنه يشكر رأس الكنيسة الكاثوليكية «على الأسف (regret)  الذي عبّر عنه» بعد محاضرته قبل عامين في ألمانيا، التي بدا فيها وكأنه يربط الإسلام بالعنف.

لكن الترجمة العربية لكلمة الأمير أشارت إلى «ندم» البابا، وهي مفردة تدخل في مفهوم التكفير عن الخطيئة، طبقا لتعاليم الكنيسة الأرثوذكسية، وترادفها بالإنجليزية إما (Remorse) أو(Repent).

وزع منظمو التلاقي الإسلامي-المسيحي كتيباً بعنوان «كلمة سواء»، وهي حزمة آيات قرآنية وأحاديث نبوية تظهر سماحة الإسلام واحترامه للآخر، وضعتها مؤسسة آل البيت قبل عامين رداً على تصريحات البابا، وتحمل توقيع 830 زعيماً روحياً إسلامياً من مختلف المذاهب.   

وفي عظته صباح السبت على جبل نيبو، شدّد البابا بنديكتوس على «الرابط»  بين كنيسته و«الشعب اليهودي»، في سياق الاستشهاد بوقوف النبي موسى على هذا الجبل قبل أن يموت ويدفن هنا عن 120 عاما، بحسب التوراة.

حديث البابا عن الرابط مع شعب إسرائيل، التي ستكون المحطة الأخيرة في جولته بعد الأردن والأراضي الفلسطينية، ظهر حصرا في النسخة الإنجليزية، فيما خلا منه النص العربي الذي وزعته السفارة البابوية في عمان.

وفي كلمته لاحقاً داخل مسجد الملك حسين، انتقد البابا «التوظيف الأيديولوجي للدين» لأهداف سياسية أمام 20 من رجال الدين الإسلامي من دائرة الإفتاء والقضاء الشرعي. كان بين الحضور أيضا عقيلة الأمير وابنته والناشطة الإسلامية (في جماعة الإخوان المسلمين سابقا) نوال الفاعوري، عضو مجلس الأعيان.

وبينما اعتبر أن ذلك التوظيف سبب الخلاف بين الديانات المختلفة، انتقد الحبر الأعظم من يردد بأن «الدين هو بالضرورة سبب للانقسام في عالمنا».

وقال: «على المسلمين والمسيحيين، بسبب ثقل تاريخهم المشترك الذي كثيرا ما شهد حالات سوء فهم، أن يجهدوا من أجل أن يعرفوا ويعترف بهم باعتبارهم من أحباب الله».

من جانبه أشار الأمير غازي بن محمد، الممثل الشخصي للملك، إلى ثقل أتباع هاتين الديانتين الذين يشكلون «55 في المئة من سكان العالم».

مسجد الملك حسين هو ثالث بيت دين إسلامي يزوره بابا يتربع على السدّة البابوية، حسبما استذكر مستشار الملك.  الزيارة الأولى نفذّها العام 2001 سلف بنديكتوس السادس عشر، يوحنا بولس الثاني إلى المسجد الأموي التاريخي في دمشق، والثانية قام بها البابا الحالي إلى المسجد الأزرق في اسطنبول.

استذكار الحروب الصليبية

الأمير غازي المعروف بعمق تدينه، توقف عند محطات مفصلية في العلاقة بين كنيسة روما والشرق، مستذكراً الحروب الصليبية وانصهار المسيحيين العرب، لاسيما الأرثوذكس في الحضارة الإسلامية.

وبعد أن أكد تجذّر المسيحيين في المنطقة قبل انبلاج الإسلام بستة قرون، قال الأمير غازي: «لطالما كانت الغالبية من الأرثوذكس، وعلى مر التاريخ شارك المسيحيون مصير وصعاب زملائهم المسلمين». وفي العام 630 (بعد ثماني سنوات من الهجرة النبوية) «انضم المسيحيون إلى جيش الرسول محمد، ضد الجيش البيزنطي المؤلف من إخوانهم الأرثوذكس في معركة مؤتة» قرب الكرب جنوبي الأردن.

«وفي العام 1099 ذبحوا وهم واقفون مع رفاقهم العرب المسلمين على أيدي الصليبيين الكاثوليك حين سقطت القدس».

ووصف الأمير الانتداب البريطاني (1921-1946) بأنه «انتداب بروتستنتي استعماري»، في أول توصيف من نوعه على لسان مسؤول أردني، لحقبة شهدت ميلاد الأردن الحديث عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية. وقال الأمير غازي: «شارك المسيحيون رفاقهم المسلمين فترة الوهن التي دامت عدّة عقود تحت الانتداب البروتستنتي الاستعماري، ولاحقا حاربوا إلى جانب إخوانهم المسلمين ضد خصومهم اليهود».

ورأى مستشار الملك في زيارة البابا «رسالةً واضحةً على ضرورة الوئام والانسجام بين الأديان، والاحترام المتبادل في العالم المعاصر؛ وبرهاناً ملموساً على استعداد قداستكم للقيام بدور قيادي في هذا المجال».

وخلص إلى التشديد على الرابط القومي لمسيحيي الأردن وسائر المشرق. إذ قال: «في الوقت الذي تراهم فيه قداستكم على أنهم إخوانك المسيحيين، فإننا نعرفهم على أنهم إخواننا الأردنيون، وهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن تماماً مثل الأرض نفسها».

ازدواجية التعبير بين اللغات في زيارة البابا إلى الأردن
 
14-May-2009
 
العدد 76