العدد 76 - بلا حدود
 

تنهض جامعة فيلادلفيا الخاصة بمسؤوليتها المجتمعية على نحو يستند إلى رؤية غير تقليدية، تعكس التزامها بالإسهام في تعميق وترسيخ الفكر الإبداعي ومنجزاته الثقافية والتكنولوجية، وتأخذ بنظرة شمولية للعملية الإبداعية باعتبارها ظاهرة متكاملة، تجد تجلياتها في الكتابة والترجمة والعلم والتكنولوجيا والحاسوب والفنون. تتشعب الأدوار التي تترجم بها الجامعة مسؤوليتها المجتمعية إلى مبادرات تمتد إلى سنوات، وأخرى متجددة تسعى إلى مواكبة التغير في المجتمع، وتواصل تخصيص موازنات مجزية للبحث العلمي وابتعاث الطلبة لنيل درجة الدكتوراه، وترتقي بمساهماتها في خدمة المجتمع المحلي وبدورها التنويري. للإحاطة بهذه الأدوار، حاورت «السّجل» إبراهيم بدران مستشار رئيس الجامعة، وغسان عبد الخالق عميد شؤون الطلبة.

«السّجل»: هل لجامعتكم رسالة خاصة في مجال المسؤولية المجتمعية؟.

- إبراهيم: رسالة فيلادلفيا المكتوبة تبدأ بعبارة «تعتبر الجامعة نفسها واحدة من المؤسسات العلمية المتميزة»، وبالتالي تلزم نفسها بأن تكون شريكاً كاملاً في تطوير المجتمع الأردني بوجه خاص والمجتمعات الأخرى على الصعيدين الإقليمي والعالمي بوجه عام». لذلك تلتزم الجامعة بالشراكة مع المجتمع وتضع لها برامج متطورة. وبما أن الجامعة مؤسسة تعليم عال، فقد التزمت أيضاً بنوعية التعليم وحداثته، وكذلك في البحث العلمي التطبيقي باعتبار أن ذلك هو الوسيلة الأساسية لقيادة المجتمع ليصبح شريكاً ومنتجاً وفعالاً في الحضارة الإنسانية. بهذا فإن البرامج التي تبنتها الجامعة مرتبطة بهذه الرسالة وبعملية التجديد التي تطبع بها الجامعة أعمالها. وأمام التغيرات المتواصلة في المجتمع، لا بد لصيغ المشاركة والالتزام مع المجتمع، أن تتجدد وتتطور، ولذلك تطلق الجامعة بين عام وآخر نشاطاً جديداً يلبي هذا التطلع، حتى لا تصبح المشاركة المجتمعية مجرد نموذج مقولب.

«السّجل»: أين مكانة الإبداع في هذه الرسالة؟.

_ إبراهيم: المجتمعات الناهضة والمتقدمة تدرك أن الإبداع والابتكار والتنافسية هو عنوان هذه المجتمعات. على سبيل المثال لدى الاتحاد الأوروبي دائرة متخصصة في الإبداع والابتكار، وهذا يعني أن تحفيز الإبداع لدى مختلف قطاعات المجتمع، هو أحد المحركات الرئيسية لتطوير المجتمع ودفعه إلى آفاق جديدة. لهذا أنشأت برامج تعزز هذا التوجه، ومنها وحدة لرعاية الموهوبين، وهي مفتوحة لجميع أفراد المجتمع. وكذلك إنشاء مركز الإبداع الذي ينظر فيه في تطوير المشاريع التي يضعها الطلبة أثناء الدراسة. وكجزء مكمل لمركز الإبداع هناك «حاضنة الأعمال التكنولوجية». ويستطيع أي شخص من داخل الجامعة أو خارجها ولديه مشروع ذو طابع تكنولوجي وبحاجة إلى تطوير كي يصبح مشروعاً تجارياً ناجحاً، أن يستفيد من خدمات هذه الحاضنة.

«السّجل»: ما مكانة «الجوائز» في المسؤولية المجتمعية للجامعة؟.

- غسان: بدأ إطلاق الجوائز كنموذج للمسؤولية المجتمعية قبل عشر سنوات، نتيجة لقناعة إدارة الجامعة بمسؤوليتها تجاه المجتمع على اعتبار أن الجامعة لا تعلّم فقط، وإنما تسهم في العملية التنموية الشاملة للمجتمع. وتمثل «جائزة أحسن كتاب» منصة نذكّر من خلالها كل عام برسالة الجامعة على الصعيد الثقافي، التي تتجاوز الدور التقليدي للجامعة لتصل إلى مستوى الإسهام المباشر في دعم الثقافة والمثقفين، والتركيز في كل عام على مفردة ذات علاقة بالمشروع الثقافي.

«السّجل»: هل الجائزة محصورة بالثقافة؟.

- غسان: في كل دورة يترشح عشرات الكتب، ويشارك في تمييز هذه الكتب أساتذة وخبراء مرموقون من خارج الجامعة. ويحق لأي مواطن أن يتقدم للجائزة، على أن يكون كتابه قد صدر في السنوات الثلاث الأخيرة. ويراعى لدى تمييز هذه الأعمال أن تكون موجهة للجمهور وليست متخصصة، وأن تشمل على جدّة واضحة في موضوعها وتسهم في عملية التغيير والتحديث في المجتمع. وتحاول لجنة الجائزة، قدر الإمكان، تجاوز الأعمال الأكاديمية البحتة، وتشجع التأليف الثقافي المستنير. وتستأثر الجائزة منذ تأسيسها باهتمام مجتمعي متزايد. كما تستأثر باهتمام وسائل الإعلام، وبخاصة أن الكلمة التي يلقيها رئيس الجامعة في كل سنة، والكلمة التي يلقيها رئيس لجنة التحكيم تشتمل على معلومات قيّمة تخص واقع النشر والثقافة.

«السّجل»: وماذا بشأن الجوائز الأخرى؟.

- غسان: الشروط والآليات نفسها تنطبق، من حيث المبدأ، على جائزة أحسن كتاب مترجم وأحسن عمل فني والجوائز الأخرى. جامعة فيلادلفيا تضطلع بدور يتجاوز الأدوار التقليدية لمؤسسات القطاع الخاص والقطاع الرسمي على صعيد الإسهام في تطوير البنية التحتية للقطاع الثقافي، وفي تطوير الوعي الثقافي. هناك أيضاً جوائز تتعلق بالعلوم التطبيقية والاختراعات. وتتبنى الجامعة من خلال حاضنة التكنولوجيا والإبداع، تطوير أي تصميم برامجي أو أي برنامج حاسوبي، يكون قابلاً للتسويق والإسهام في التنمية من خلال علاقة الجامعة مع مركز الملك عبد الله الثاني للتصميم، وبوصف الجامعة مقراً لجامعة ابن سينا للتعليم عن بعد في العالم.

«السّجل»: ما حصة الطلبة مما تقدمه الجامعة؟.

- إبراهيم: ما يميز الجامعة أنها لا تقتصر في أنشطتها على الطلبة، لأنها ملتزمة بالإسهام في تطوير المجتمع، كما لا تكتفي بتعليم الطلبة، وإنما تقدم الفرص للمبدعين من خارج الطلبة. ومع ذلك هناك فرص تقدمها الجامعة لطلبتها تمثل المسؤولية المجتمعية مثل: التأمين الصحي، والتأمين على الحياة، وصندوق التكافل الذي ينفق على الطالب الذي يفقد معيله أثناء الدراسة حتى التخرج. وبالنسبة للطلبة المحتاجين اتبعت جامعتنا أسلوباً يختلف نسبياً عن السائد. فبدل توفير منحة جزئية أو كلية، تعطي الجامعة المنح للطلبة المتفوقين والمتميزين في أي مجال كان. والفلسفة وراء ذلك أننا نريد للشبان أن يدركوا أن التعليم والعلم لهما تكلفة، ويتطلبان مشقة واجتهاداً يستطيع الطالب أن يتحملهما. إذ يجب الاّ يتحول احتياج الطالب إلى جسر للتواكل وطلب المعونة، ما دام أن أمامه فرصة لتغطية احتياجه من بوابة التفوق، محتفظاً بشعوره بكرامته واعتزازه بإنجازه. كما أن لدى الجامعة برنامج ابتعاث للطلبة، سواء من فيلادلفيا أو خارجها لنيل الدكتوراة شريطة التفوق والتميز والإبداع، وتخصص له الجامعة (3) بالمئة من الموازنة التشغيلية.

«السّجل»: لم لستم منحازين لطلبة الجامعة؟.

- إبراهيم: نحن منحازون لتأصيل الإبداع في المجتمع الأردني، لذلك لا نحصر البعثات في طلبتنا بل على خريجي جامعتنا أن ينافسوا الطلبة الآخرين. أيضاً كجزء من المشاركة المجتمعية، هناك يوم المسار الوظيفي الذي تعقده الجامعة ويستمر لمدة يومين، وتتم فيه دعوة الشركات والمؤسسات إلى الجامعة لتتعرف إلى الطلبة المتوقع تخرجهم، والاطلاع على مرافق الجامعة والتعرف إلى الأساتذة، بما يساعد في تجسير الفجوة بين الأكاديميا والقطاعات الاقتصادية. كما أنشأت الجامعة، مركز الدراسات المستقبلية الذي يقوم بإعداد دراسات من منظور مستقبلي، حول قضايا كبرى تهم المجتمع والدولة. وأنجز المركز عدداً من الدراسات شملت التغيرات المناخية وأثرها على الأردن، مستقبل القوى العاملة في الأردن، والمركز بصدد عقد مؤتمر حول الطبقة الوسطى في الأردن. هذه القضايا موجهة للمجتمع وخدمته، بهدف إضاءة المساحات المستقبلية أمامه وأمام الدولة. فضلاً عن ذلك، تخصص الجامعة 5 بالمئة من ميزانيتها للبحث العلمي.

«السّجل»: ما هي برامجكم الموجهة للشباب؟.

-غسان: منذ نحو عشر سنوات، هناك جوائز سنوية للإبداع على مستوى المدارس الرسمية والخاصة، تقع في سبعة حقول تشمل: المقالة، الخاطرة، النص المسرحي، التحقيق الصحفي، القصة القصيرة، الشعر، والإلقاء الشعري. وفي آخر مهرجان لتوزيع جوائز الإبداع الأدبي رعاه رئيس الجامعة مطلع أيار الجاري، بلغ عدد المشاركين 350 طالباً من 100 مدرسة. تتطلع إدارة الجامعة من خلال هذه المسابقة إلى الوصول للمواهب المتميزة في المدارس، وبخاصة في الأطراف. ويحضر حفل توزيع الجوائز أولياء الأمور ومدرسو الطلبة ومدراؤهم.

«السّجل»: ما المساهمة في التنوير المجتمعي؟.

- إبراهيم: التنوير هو أحد الركائز البارزة في رسالة الجامعة، التي تسعى لأن تكون جزءاً من البيئة الخصبة للتفاعل الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، وإطلاق حرية الفكر وتحفيز الإمكانات الإبداعية لدى الشرائح الشابة في المجتمع، ولهذا تشارك الجامعة في دراسات وأبحاث تخص الشباب، وتعقد العديد من المؤتمرات بشكل منتظم، ومن أبرزها المؤتمر السنوي لكلية الآداب والذي وصل عامه الثاني عشر، ومؤتمرات كلية أخرى. ويجري طباعة أعمال المؤتمرات في مجلدات ورقية وإلكترونية. والهدف هو أن تكون هناك مساهمة فاعلة للجامعة في التنوير الفكري والانفتاح على آفاق العلم الجديدة. كما تدعم الجامعة على حسابها مشاركة أساتذتها في مؤتمرات تعقد خارج المملكة.

«السّجل»: ماذا بشأن المجتمع المحلي؟.

- غسان: على مستوى التفاعل مع المجتمع المحلي المحيط، أولوية التعيين في الوظائف هي لأبناء المنطقة مع مراعاة شرط الكفاءة. ولدينا أنشطة مشتركة متعددة مع المجتمع المحلي من بينها الندوات. مؤخراً قمنا بحوسبة بعض المؤسسات، وتزويد مدارس محيطة بأجهزة حاسوب وأدوات رياضية، وأسهمنا في حوسبة وتقديم أجهزة لبلدية عين الباشا. كما نقدم أجهزة كمبيوتر لطلبة متفوقين من المحتاجين في القرى المحيطة. ويقوم مركز اللغات في الجامعة بتنفيذ دورات في الإنجليزية ولغات أخرى، في خدمة الطلبة والعاملين والمجتمع المحلي.

رسالة الجامعة في المسؤولية المجتمعية: تأصيل الإبداع وإشاعة التنوير في المجتمع
 
14-May-2009
 
العدد 76