العدد 75 - حتى باب الدار
 

تبدأ يد الطفل الملتحق حديثاً بالمدرسة، بتقليد طريقة معلمه في الكتابة. وفي ما مضى كانت خطوط جميع المعلمين جميلة، وكنا نعتقد أن حسن الخط من ضرورات المهنة.

وإذا كان لكل منا ذكريات في هذا المجال، فلا أذكر معلماً ذا خط رديء أو حتى قليل الجمال، وقد كنا نمضي ساعات طويلة ونحن نقلد خط مدير المدرسة «أبو قاسم» بالعربية والإنجليزية، وذات يوم عندما أصيب إبهام يده اليمنى، اعتقدنا أنه لن يكتب خطاً جميلاً في ذلك اليوم، لكنه فاجأنا وهو يمسك الطبشورة بين السبابة والوسطى ويكتب بالجمال نفسه، وما أن غادر غرفة الصف حتى تراكضنا إلى الطباشير، نثبتها بين الإبهام والوسطى لتتحول تلك الحركة إلى مجال جديد للتقليد والتنافس.

أما الأستاذ احمد الغرايبة فقد كان بارعاً في تصليح الأقلام التي نحضرها له سواء كانت لأحدنا أو لأحد أفراد الأسرة، فيصلحها ولا يبخل علينا بقطع الغيار أحياناً، وكثيراً ما كان يرشدنا إلى الطريقة الخاصة التي يكتشفها لكل قلم على حده، بعد أن يجرّبه ويكتب به خطاً جميلاً، وبالطبع كان يتأسى ويعتذر للطالب الذي يحضر قلماً «فايضاً» حيث يتعذر إصلاحه في هذه الحال.

أما الأستاذ بسام النمري، مدرس الرسم الصناعي، فقد كان بارعاً في اكتشاف مدى انفراج الزوايا بقدرة تصل أحيانا إلى نصف الدرجة.

وحتى آذن المدرسة، الذي كنا نسميه الأستاذ محمود الآذن، فقد كان خطه جميلاً جداً، وبخاصة عندما يكتب بعض آيات القرآن على اللوح ويقرؤها تجويداً، فيما ننصت له خاشعين، وقد تحول الأستاذ محمود إلى مأذون شرعي، وللأسف لم أتمكن من الحصول على عقد زواج بخط يده الجميل.

كان الخط الجميل دلالة هدوء وتوازن واعتزاز بالمهنة، أما اليوم، فإن ارتباك وقلق المعلمين انعكس على خطوطهم.

ارتباك الخطوط
 
07-May-2009
 
العدد 75