العدد 2 - أردني
 

عندما كانت إحدى أكبر العشائر في منطقة الشمال على وشك الانتهاء من انتخاباتها الداخلية لاختيار مرشح "الاجماع" للنيابة، التقيت مجموعة من طلاب الجامعات من أبناء تلك العشيرة وسألتهم إن كان خبر انتخاب مرشح اجماعهم سيكون في اليوم التالي من الأخبار التي سيحملونها الى زملائهم الطلبة من المدن الأخرى أم أنهم سيميلون الى اخفائه أو اهماله والتغاضي عنه باعتباره خبرا خاصاً؟ لقد اجابوا جميعهم بمنتهى الوضوح والثقة أنه سيكون الخبر الأهم الذي يحملونه معهم الى الجامعة لأنه يعني أن "مقعد العشيرة" سيكون مضموناً هذه المرة أيضاً.

تعميم الفكرة

تلك الإجابة دفعت الحوار الى مسائل أخرى منها كيف سيتعامل هؤلاء الطلاب مع بقية زملائهم عندما يأتي أوان انتخابات مجلس الطلبة مثلاً، وكانت المفاجأة أنهم قالوا أن الأمر نفسه سيتكرر حيث أن للعشيرة مقعداً دائما في مجلس الطلبة، واستمر النقاش كالتالي:

- ولكن ماذا إذا لم يتوفر العدد الكافي من طلاب عشيرتكم للوصول الى مقعد في إحدى الكليات؟

- عندها نتحالف مع طلاب عشيرة ثانية فيعطونا في كلية مقابل أن نعطيهم في كلية ثانية.

- وأين تنسقون موقفكم طلاب عشيرة؟

- هنا في المضافة نعقد اجتماعاتنا ونقرر مرشحينا.

وتلا ذلك نقاش طويل وخاصة بعد أن حضر الطالب الذي يمثل العشيرة في مجلس الطلبة، وقد كان لتوه قد تبلّغ بقبوله في لجان شباب "كلنا الأردن"، وهو الخبر الذي دفع النقاش معه الى مجالات أخرى حول مفاهيم الوطن والأردن وعلاقة ذلك بما هم مجتمعون لأجله الآن (أي اجماع العشيرة) وصولاً الى الحالة التي تعيشها الجامعات ومستوى ومحتوى النقاش الجاري فيها والأسس التي ينتظم عليها الطلاب في الوقت الراهن للتعبير عن مواقفهم وآرائهم.

يتعين الاشارة الى أن النقاش لم يهدف الى مجادلة الطلاب في آرائهم أو الاعتراض عليها ومحاولة التأثير عليها بقدر ما هدف الى التعرف عليها، وكان واضحاً انهم واعون لما يقولونه، وأنهم مسرورون بالوضع الحالي الذي يمكنهم من الوصول الى تمثيل عشيرتهم في النيابة وفي الحياة الطلابية، ولكنهم أبدوا أسفهم هذا العام لأنهم لم يتفقوا في انتخابات البلدية، وهو ما جعلهم يفقدون الموقع الأول رغم أن عشيرتهم هي الأحق به بين كل العشائر! .

سياسة العشيرة

الواقع أن هذا المشهد تكرر في أكثر من مناسبة شبيهة عند طلاب عشائر أو في مناطق أخرى، حيث يجري نقاش واسع حول فائدة وجود نائب للعشيرة بالنسبة الى طلاب تلك العشيرة، وكيف أن طلاب أي عشيرة من غير نائب ينالهم كثير من الأذى المادي والمعنوي.

من الضروري لفت الانتباه هنا الى أن الحديث عن العشيرة لا يستثني الطلبة من أصول فلسطينية، ولكن مع بعض الاختلاف الشكلي، فصحيح أنه بحكم الشتات واللجوء تلاشت أو انكفأت العلاقات العشائرية أو القرابية، لكنها الآن تستعيد نفسها ما أمكن، بل ويجري أحيانا بحث عن العشيرة وخلق أو تمثيل لها إن لم تكن موجودة فعلاً، وقد انخرط الشباب من أصول فلسطينية في هذا السعي، واحياناً يجري تركيب العشيرة على السياسة في مستوى جديد من إعادة تعريف الانتماءات، وخاصة فيما يتعلق بدور العشيرة المشهود له في النضال والتضحيات! .

وحتى في الحالات التي يجري فيها اعتماد المكان كدائرة انتماء لتحقيق الحضور في العملية الانتخابية، فقد جرى تحويل المنطقة والمكان سواء كان قرية أو تجمع قرى أو مخيماً الى عشيرة، او أعيد تعريفه باعتباره عشيرة، وصار هناك حديث عن "أبناء المنطقة" وعن "شرف قريتنا" وعن أن الهدف هو أن يقال "ابن المخيم وصل"... وهكذا.

مسرح السياسة

في هذه الأثناء كانت الحكومة تعقد أو تخطط لعقد العديد من الاجتماعات للشبان والطلاب خاصة بقصد تدريبهم على الديمقراطية والمشاركة، كما عبر رئيس الوزراء في أكثر من مناسبة في الأيام الماضية عن امله بأن يكون موقف الشبان بعيدا عن العشائرية..

والأطرف ما حملته الأخبار المحلية عن قيام مجموعة شبان بلغ عدد أفرادها العشرات بأداء تمثيلي ناجح للانتخابات من أولها الى أن يفوز النواب ويعقدون جلستهم الأولى على المسرح بل يقومون بحجب الثقة عن الحكومة، ويسود الاعتقاد بين الحضور والمشاركين أن الشبان ينتخبون ويفوزون ويرسبون ثم يعقدون الجلسات ويحاسبون الحكومة ويسقطونها امام الجمهور وعلى خشبة المسرح، في تعويض -كما يبدو- عن ما يجري في الواقع.

يتعرف الطلاب والشباب إذن وعن طريق الخيال على المهمة الحقيقية للنائب ، ثم يعودون لواقعهم لكي يمارسوا ويعيشوا نقيض ما قاموا بتجسيده، في ازدواجية عميقة بين ممارسة يجدون من يشجعهم عليها من وزراء ونواب وقادة رأي في مواقعهم وعشائرهم ، ثم يعقدون اللقاءات التمثيلية لكي يعيشوا فيها ما هو نموذجي.

هي صورة تذكر بما كانت تُنتَقد بسببه الأنظمة الشمولية ، التي يتعين على الفرد فيها أن يعيش بشخصيتين : واحدة يمثل بها صاحبها ما هو نموذجي أمام الجهات ذات العلاقة ،يتقي بها الشرور المحتملة أو تشكل بالنسبة اليه جواز مرور آمن الى العمل والعيش بطمأنينة، وأخرى حقيقية يمارس فيها الفرد قيمه وحياته بكل تفاصيلها.

ليس مجرد قانون

لم يعد قانون الصوت الواحد مجرد قانون، ينظّم العملية الانتخابية النيابية ،كما زُعِم أنها ستكون مهمته الوحيدة عند اقراره قبل حوالي 15 عاماً، فهو من جهة انتقل تدريجيا الى باقي مجالات الانتخاب الرئيسة في البلد، فدخل أولا الى انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات، ثم دخل الى انتخابات المجالس البلدية. وهناك من طرحه وتمنى تبنيه وتطبيقه عندما كان يجري النقاش حول انتخابات النقابات المهنية.

من جهة اخرى فقد تجاوز أثر هذا القانون كافة "المناسبات الانتخابية" ليصل الى الكثير من العلاقات الاجتماعية وخاصة عند الاقتراب من المستوى السياسي، حيث كان للقانون اسهام رئيس في إعادة تعريف المجتمع والوطن والجامعة والعلاقة مع الآخرين من "الزملاء" ومن ثم في مرحلة لاحقة مع المواطنين.

في الوضع الطبيعي، وحتى إذا اقتصر الحديث عن الحياة الجامعية، يفترض أنه حتى الطالب الذي قدم من بيئة تتميز بالعلاقــات قبل المدينــية ، سيكون بانتظــار أن تسهم الجامعة في إعادة تكــوينه كفرد ضمن مجموع، يتحدد مركز كل عنصر فيه بكونه طالباً بغض النظر عن دائرة انتمائه الأولى، وأنه ســوف ينخرط على مــدى أربع ســنوات في علاقات جديدة لا تستند الى علاقات العشــيرة والقرابـة أو الانتماء لمنطقة معينة.

ظل الاسلاميون يكررون أنهم الطرف المستهدف بالقانون، ولم يتوقف الجدال حول هذه الفكرة لغاية الآن. وهناك في أوساط الحكم من اعترف علناً بهذا الهدف واعتبره هدفا مشروعاً، ولكن في هذه الأثناء غاب عن النقاش أثر ذلك القانون الذي تحول الى ثقافة ، بعد هذه السنوات من عمره وتنوع تطبيقاته على المجتمع ككل وعلى علاقات الفئات الاجتماعية ببعضها وعلى طرق اختيارها لممثليها عند كل مستويات ومجالات التمثيل.

السؤال المهم هو : هل كان هذا القانون دافعاً للأمام وذلك بمقياس الأهداف المعلنة للدولة المتعلقة بالإصلاح والتقدم نحو الديمقراطية والمواطنة والحقوق ، وغيرها من عناوين لا يتوقف أصحاب القرار عن تكرارها في كل مناسبة.

الصوت الواحد يصبح ثقافة شائعة – أحمد أبو خليل
 
15-Nov-2007
 
العدد 2