العدد 75 - اقتصادي
 

محمد علاونة

في العام 2000، وفي عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة، أفاق الأردنيون على وقْع أن الاقتصاد الوطني لم يسجل نمواً، بل كان بالسالب، وهو ما كشفته تصريحات مسؤول في البنك الدولي كان يزور الأردن آنذاك، وبعكس ما كانت أعلنته الحكومة، عن تحقيق نحو 3.3 في المئة نمواً بالأسعار الجارية.

رغم أن المعطيات الاقتصادية الحالية من تراجع في مقومات النمو بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، تشبه، إلى حد ما، تلك المعطيات في العام 2000، إلا أن الحكومة الآن أقرت بتأثر الأردن اقتصادياً بسبب الأزمة المالية العالمية، على لسان وزير المالية باسم السالم، الذي أكد تباطؤ النمو الاقتصادي.

تصريحات الوزير جاءت بعد ستة أشهر من تكشُّف خيوط أزمة مالية عالمية بدأت في الولايات المتحدة الأميركية في أيلول /سبتمبر 2008، وانعكست سريعاً على اقتصاديات دول العالم، وتحديداً الخليجية.

علاقة الأردن بدول الخليج وطيدة اقتصادياً، نتيجة أن مخاطر الحساب الجاري للأردن، البلد الذي يفتقر للموارد الطبيعية، تكمن في الحاجة الدائمة إلى الاستثمارات الأجنبية من الخارج، إما على شكل استثمارات مباشرة أو استثمارات حافظة، بحسب التقرير الأخير للبنك المركزي.

بيانات مؤسسة تشجيع الاستثمار، أوضحت انخفاض حجم المشاريع التي تقدمت للاستفادة من قانون الاستثمار خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 249.8 مليون دينار، مقارنة بـ 226.4 مليون دينار للفترة نفسها من العام الماضي.

هنالك أيضاً حوالات العاملين في الخارج، التي أظهرت تراجعاً في آذار/مارس 2009 بنسبة 6.8 في المئة، حيث بلغت 207 ملايين دينار.

بيد أن تحذيرات الوزير من بلوغ العجز في موازنة الدولة مقدار الـ 1.2 بليون دينار يثير تساؤلاً حول ما إذا كان النمو سيشهد تباطؤاً أم انكماشاً قد يؤدي إلى نمو بالسالب.

كما هو معروف في علم الاقتصاد، يأتي الانكماش بعد تباطؤ في النمو لدورتين متتاليتين؛ الأولى انتهت مع الربع الأول من العام الجاري، أما الثانية فسيكون موعدها مع نهاية حزيران/ يونيو المقبل.

نائب رئيس الوزراء الأسبق جواد العناني، يرى أن لا انكماش يلوح بالأفق، بمعنى أن النمو سيصل لدرجة السالب. يقول: «الوضع صعب للغاية جرّاء التباطؤ الذي تعيشه البلاد، نتيجة تراجع حوالات العاملين في الخارج، وانخفاض إيرادات الدولة، وتوقعات بارتفاع عجز الموازنة».

وزير المالية الأسبق زياد فريز، اتفق مع العناني بأنه من المستبعد أن تصل معدلات النمو للسالب، شريطة «الحد من الإنفاق» الذي وصفه بـ«غير المبرر»، تجنباً لعجز الموازنة الذي يعدّه «الخطر الأول على اقتصاد الدولة».

فريز، نبّه إلى خطر آخر نتيجة استمرار تباطؤ النمو، وهو معدل البطالة الذي يتأثر سريعاً بمعدلات النمو، وينعكس سلبياً أيضاً على معدلات الفقر.

بيانات الإحصاءات العامة تشير إلى أن معدل البطالة ارتفع إلى 12.1 في المئة (9.7 في المئة للذكور، مقابل 23.1 في المئة للإناث)، علماً بأن معدل البطالة للربع الرابع من العام 2008 بلغ 12 في المئة.

السالم، وفي أكثر من تصريح صحفي، أشار إلى ما ذهب إليه فريز، في ضرورة التركيز على تحسين كفاءة الإنفاق العام وفعاليته، من خلال متابعة وتقييم مؤشرات أداء لهذا الإنفاق، الذي عدّه مرتفعاً، بالمقارنة بالعديد من دول العام، وتتجاوز نسبته 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع أن يبلغ 13 بليون دينار بالأسعار الجارية.

لكن العناني يرى وجهاً إيجابياً آخر لهذا التباطؤ، يتمثل في تراجع معدلات الأسعار، ما خفض تكاليف مشاريع التنمية التي تنوي الحكومة إنجازها، وانخفاض تكاليف المستوردات ما يحسّن من أداء ميزان المدفوعات.

بيد أن تراجع الأسعار له شقٌّ سلبي في حال تم التعامل معه بشكل سلبي. يشرح العناني: «الحكومة افترضت معدل نمو 5 في المئة، يقابله تضخم بالنسبة نفسها، وهو أفضل بكثير من أن تفاجأ الحكومة بانخفاض معدلات التضخم عمّا افترضته في الموازنة، ما يقلل من مردود مشتريات المواطنين لصالح الحكومة كإيرادات دخل ومبيعات».

البيانات الأخيرة الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة تفيد بتراجع قيمة المستوردات بنسبة 21.8 في المئة خلال شهرَي كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2009، وبلغت 1.43 بليون دينار، مقابل 1.83 بليون دينار للفترة نفسها من العام الفائت 2008، وهو مؤشر على انخفاض الطلب على السلع، وبالتالي تراجع إيرادات الدولة.

يضيف العناني: «معدل النمو المفترض والبالغ 5 في المئة أيضاً يتناقص، وهناك تراجع مؤكد في إيرادات الجمارك ومبيعات الأراضي».

لكن فريز قلل من مخاطر تراجع إنفاق الأفراد وتأثيراته في إيرادات الدولة، وهو يرى أن انخفاض أسعار السلع من شأنه أن يحرك قطاعات اقتصادية مختلفة مثل التجارة والإنشاءات.

السالم نبّه إلى بعض المؤشرات الاقتصادية السلبية التي عدّها بوادر غير إيجابية، مثل تراجع معدل النمو في الربع الأخير من العام 2008 إلى 4 في المئة، مقارنة مع 5.5 في المئة خلال الفترة نفسها من العام 2007.

الاقتصاد الوطني دخل مرحلة تباطؤ وسط مخاوف من انكماشٍ ما
 
07-May-2009
 
العدد 75