العدد 75 - الملف
 

عطاف الروضان

يعود الحديث عن الرقابة على المطاعم إلى السطح مع بداية كل صيف، فقد ارتبط هذا الفصل في السنوات الأخيرة بحوادث تسمم عكّرت المزاج العام، الذي ألقى بالمسؤولية في ما حدث على استهتار المطاعم وضعف أجهزة الرقابة عليها.

ولعل أبرز ما يتردد عن أسباب ضعف الرقابة المناسبة على المطاعم الشعبية بشكل خاص، ووصفها بأنها «منسية»، هي ممارسات فردية ومتكررة من بعض القائمين والمكلفين مباشرة بتطبيق العملية الرقابية على المطاعم والمؤسسات الغذائية.

وتتركز الإدعاءات في هذا المجال على قيام مراقبي الصحة بغض الطرف عن مخالفات مطاعم مقابل فائدة عينية أو مادية في بعض الأحيان، يحصلون عليها من أصحاب تلك المطاعم أو العاملين فيها.

إبراهيم 33 عاما، يدعي أنه شهد أكثر من مرة تبادلا للرشوة بين مطاعم في وسط البلد وبعض مراقبي الصحة «عدد من مراقبي الصحة يغضون الطرف عن بعض المطاعم بسب رشاوي يتلقوها من هذه المطاعم، وهذا أمر حصل أمامي، ويتدنى حجم الرشوة أحياناً إلى صحن حمص أو كاسة شاي، لكن في أكثر الأحيان يحصل المراقب على نقود»، بحسب إبراهيم.

ما قاله إبراهيم أيده عدد كبير من المواطنين الذين تحدثت معهم «ے» واعتبروه من المسلمات، إلا أن أحداً منهم لم يرغب في التعليق.

نقيب أصحاب المطاعم والحلويات عمر عواد، نفى علمه بوجود مثل هذه التصرفات، واعتبرها حالات فردية إن وجدت، وقال: «كنقابة نطالب أصحاب المطاعم بالتبليغ عن أي مشكلة تواجههم، ولم أبلغ شخصياً بمثل هذا الأمر».

إلا أن عواد استدرك قائلا إن هناك احتمالا لوجود بعض المراقبين، وفي هذه الحالة، فإن أصحاب المطاعم الذين يتجاوبون معهم يعتبرون «شركاء في الغلط، فالمطعم الملتزم بالشروط الصحية ليش يرشي وليش المراقب يخالفه؟!»

عواد يدير مطعم في شارع الغاردنز منذ 29 عاماً، ولم يتعرض لمثل هذه التصرفات كما قال.

لكن صاحب أحد المطاعم الشعبية القديم في الهاشمي الشمالي، أكد تكرار حالات «السلبطة» كما أسماها، من بعض مراقبي الأمانة. وفي الوقت الذي قلّل فيه من حالات تقاضيهم لمبالغ نقدية، فإن ما اسماه بـ«المخصصات الغذائية» لبعض المراقبين يتكرر دائماً، على شكل فطور مجاني داخل المحل أو وجبات أو سندويتشات يأخذها معه».

وهو وإن لم يكن متواجداً حال حدوث العديد منها، كما يقول: «فإن العاملين، الوافدين تحديداً، يضطرون للتعامل معها، وهم يفضلون غض الطرف عنها «مكافاة شر، وبصراحة أنا بتفق معهم»، إلا أنه لم يستبعد التبليغ عنهم إذا خرجت الأمور عن حدودها الحالية، «يعني إذا طلبوا مصاري» على حد تعبيره.

هذا الأمر تطالب به بشدة ميرفت مهيرات، مديرة دائرة صحة المجتمع في أمانة عمان الكبرى، وتعتبر «كل من يتستر على مراقب يطلب رشوة مهما صغر حجمها شريكا معه».

وتتعهد مهيرات بالسرية التامة لأي شكوى يبادر صاحب مطعم ويقدمها للمديرة التي ستتخذ الإجراءات اللازمة بحقها، وهو ما تم فعلاً في حالات تم الكشف عنها لمراقبي صحة مارسوا مثل هذه التصرفات وثبتت مخالفتهم للقانون بعد التحقيق، وتم «استبعادهم عن العملية الرقابية، بل الجسم الرقابي بالمطلق».

ولا تستطيع مهيرات تحديد رقم أو نسبة للمخالفين من المراقبين، لأنها كما تقول «تصرفات فردية وسلوكيات لا يمكن رصدها بشكل دقيق».

آلية الكشف عن المحال والمطاعم التي تضطلع بها دائرة صحة المجتمع، والتي طرأت عليها «تعديلات وتحسينات عديدة» كما قال نقيب أصحاب المطاعم والحلويات عمر عواد، ساهمت بالتقليل من مخالفات مراقبي الصحة في هذا المجال. إذ تضع الإجراءات المتبعة أمام من اعتاد، أو من يفكر في طلب رشوة من مطعم أو مؤسسة غذائية مقابل التغاضي عن مخالفاتها، عراقيل عديدة تحد من هذه التصرفات، تشرح ميرفت مهيرات التي تسلمت إدارة الدائرة بداية العام 2007، هذه الآلية تتلخص في أن «الدائرة تطبق نظام الآيزو الذي يشترط توثيق أي إجراء يتم في عملية رقابية، عبر خطة سنوية ويومية لعمليات الرقابة، ويقوم كل من يكشف ميدانياً على مطعم أو مؤسسة بتسليم تقرير مكتوب عن زيارته».

وتؤكد مهيرات أن «المراقب لا يعرف مسبقاً أين سيكشف في كل يوم عمل حتى نضمن الشفافية وعدم حدوث تجاوزات». كما أنه تم تشكيل لجنة مراقبة لأداء المراقبين في الميدان، لتقييم عملهم، ما زاد من كفاءتهم، وقلل شكاوى مخالفاتهم كما في السابق، بحسب مهيرات، التي تؤكد أنها لمست «زيادة في التزام المطاعم بالشروط الصحية بنسبة قدرتها بنحو 68 في المئة»، موضحة أن الأمانة تلجأ إلى نظام الإنذارات قبل تحرير المخالفة بشكل نهائي التي يتم البت فيها من قبل قاضٍ في محكمة الأمانة»

هذه الدائرة هي المسؤولة عن المحافظة على صحة وسلامة المواطنين في مناطق الأمانة ال27، وفقا لأحكام القوانين والأنظمة السارية، ويعمل فيها 190 مراقباً، يتابعون ما لا يقل عن 6000 مطعم.

وتشترك المؤسسة العامة للغذاء والدواء مع أمانة عمان في مهامها في الرقابة على المطاعم والتزامها بالشروط الصحية، وتبسط رقابتها على حوالي 10 آلاف مطعم في مختلف مناطق المملكة، ويقوم كادرها في العاصمة بجولات كشف ميدانية متكررة على مطاعم العاصمة، وكذلك الحال في المحافظات.

وكانت المؤسسة العامة للغذاء والدواء أصدرت تعليمات في أيار/مايو الماضي لتحسين الشروط الصحية للمطاعم والمطابخ العامة، لضبط الوجبات الغذائية من حيث خلوها من التلوث، بالتركيز على طريقة طهي الأطعمة والأدوات المستعملة، حيث لم يطرأ أي تعديل على التعليمات السابقة منذ العام 1977. وكانت هذه الشروط مقتصرة على «بنية المطبخ» المستخدم في المطعم.

هذا التعديل كان سببه حوادث التسمم في صيف 2007، والتي سببت وفاة مواطن في مخيم البقعة، وإصابة العشرات بتسممات من مادة الشاورما في عمان والرصيفة والفحيص.

شبهات رشىً بين مراقبي الصحة وأصحاب مطاعم
 
07-May-2009
 
العدد 75