العدد 75 - الملف
 

دلال سلامة

اشترت سرى حمّاد (37 عاما)، دجاجة من محل يبيع الدجاج المذبوح والمنظف، وعندما عادت إلى المنزل وشقت الدجاجة كي تنظفها، وجدت داخلها كتلة صلبة من الثلج. كان هذا غريبا، فالمفروض أن المحل يبيع الدجاج الطازج المذبوح في يومه. تذكرت مباشرة ما كانت تسمعه عن التجار الذين يلجأون إلى تذويب اللحوم والدواجن المجمدة، ويبيعونها بعد ذلك على أنها طازجة، فعادت إلى صاحب المحل الذي تحجج بخلل في ثلاجة العرض “الأمر كان مفزعا، فأنا امرأة عاملة، وكنت في أحيان كثيرة أشتري ثلاث أو أربع دجاجات دفعة واحدة، وأقوم بتنظيفها ووضعها في الفريزر، وأعرف أن إعادة تجميد اللحوم بعد تذويبها يسمح بتكاثر الجراثيم”.

لم تعد حماد للشراء من هذا المحل ثانية، وهي أيضا كفّت عن عادة تجميد اللحوم، فهي على حد قولها فقدت الثقة، فعدم وجود ثلج في قلب الدجاجة قد يعني ببساطة أن التاجر قد ذوّبها خلال زمن كاف قبل البيع. الغريب أنها عندما كانت تروي القصة، كانت تفاجأ بكم السلبية في ردود أفعال الآخرين “الجميع كانوا يقولون إن الغش في كل مكان، وأن الله هو الذي يستر”.

“الله الذي يستر” هو الشعار الذي يرفعه حسن قويدر (53 عاما)، وهو يقف أمام تلال المعلبات المكومة على بسطة أمام أحد محلات المواد التموينية وسط البلد في عمان، والتي تعتليها لوحة كتب عليها (عروض خاصة)، يصفها قويدر بأنها عروض مذهلة “علبة التونة هذه، تباع من النوع والحجم نفسها بخمسة وسبعين قرشا، هنا الأربعة بدينار، لتر العصير هذا يباع بدينار ونصف، هنا بخمسة وثلاثين قرشا، جبنة المثلثات، هنا الست علب منها بدينار، في حين تباع العلبة من نوع شبيه بخمسة وستين قرشا”.

حسن متأكد من أن هناك خطأ ما، فهو قبل سنوات كان يشتري من محلات كانت تقدم عروضا خاصة كهذه، ولكنها تكون سلع على وشك انتهاء مدة الصلاحية، وكان الأمر يبدو مفهوما، ولكنه يقول إن ما يجده معروضا الآن هو بضائع بمدة صلاحية تصل إلى أكثر من سنة. مع هذا فإن شكوكه لا تصمد أمام إغراء السعر، لهذا فإنه كما يقول يعتمد على ستر الله “أفتح علبة التونة أو السردين وأشمها، ثم أسمّي بالله”.

رئيس جمعية حماية المستهلك محمد عبيدات لا يرى أن الثقة بتاريخ الصلاحية يجب أن يكون مطلقا، ذلك أن “بعضها يكون مزورا”. عبيدات الذي يصف المستهلك بأنه “الرقيب الأول” ينتقد هذه السلبية ويقول إن “كثيرا من المستهلكين سلبيون، ولا يشتكون إن تعرضوا لغبن أو غشّ”.

النقيب السابق لنقابة أصحاب المطاعم والحلويات الأردنية رائد حمادة يؤكد أيضا على مسؤولية المستهلكين ويحملهم مسؤولية تنامي الكثير من ظواهر غش الغذاء جرّاء بحثه عن الأرخص بغض النظر عن الجودة “مثلا كثير من المطاعم تضع على وجه صحن الحمص زيت قلي مصبوغ بمادة كيماوية تجعله يبدو كزيت الزيتون الأصلي، لأن المشتري ليس مستعدا لدفع عشرين قرشا إضافية ثمنا لرشّة زيت الزيتون”.

باسم الكسواني، طبيب ورئيس لجنة حماية المستهلك النقابية يرى أن بحث الفقراء عن السلع الرخيصة، وسعيهم إلى توفير بضعة قروش هنا أوهنا يعكس قسوة ظروفهم المعيشية، مؤكدا أن هذا لا يبرر بأي حال أن تقدّم إليهم سلع غذائية لا تنسجم مواصفاتها مع المعايير العالمية: “يجب أن نعرف أن سلامة الغذاء هو خطّ أحمر، لا يجوز لأحد على الإطلاق أن يتجاوزه تحت أي مبرر”.

عندما يقف جمال عايش (45 عاما)، أمام بائع الفلافل ينتظر دوره، وينظر إلى الزيت الذي يستخدم في القلي، يعرف أنه يحمل إلى أطفاله السّم “الزيت أسود مثل القطران، وأعرف أنهم يقلون بنفس الزيت أياما، ولكن ماذا أفعل، قرص الفلافل في المطاعم التي تغيّر زيتها يوميا، ويرتدي عمالها قفازات مطاطية يباع بسعر يراوح بين ثلاثة وأربعة قروش، والساندويتش بستين قرشا، في حين أن قرص الفلافل هنا يباع بقرش ونصف، والساندويتش بعشرين قرشا”.

ما لا يعرفه جمال هو أن كثيرا من المطاعم الصغيرة لا تكتفي باستعمال الزيت نفسه أياما، بل هي تشتريه مستعملا من المطاعم الكبيرة، هذا ما يؤكده مازن، وهو مالك لمطعم شعبي صغير يقول إنه يفعل ذلك باستمرار “تنكة الزيت التي تزن 15 كيلو وتباع ب 11 دينارا، أشتريها محروقة بدينار ونصف أودينارين، إذا لم أفعل ذلك لن أستطيع بيع قرص الفلافل بقرش ونصف، وإذا لم أبعه بقرش ونصف لن أجد في هذه الحارة من يشتريه”.

حمادة يشير إلى أنه خلال توليه رئاسة النقابة، كان قد أصدر قرارا يقضي بمنع المطاعم من بيع الزيت المحروق إلى أفراد، ويقول إنه في الماضي كانت المطاعم الكبرى تبيع زيوتها المحروقة إلى أشخاص كان يجمعون هذه الزيوت من المطاعم “ربما كانوا وسطاء، وربما كانوا يعيدون بيعها إلى مطاعم شعبية صغيرة”. بحسبه فإن المطاعم الكبرى لم تعد تفعل ذلك الآن، فهي الآن مرتبطة بعقود مع شركات للصناعات الكيماوية تشتري هذه الزيوت، وتقوم بعد معالجتها باستخدامها في صناعة الصابون وسوائل التنظيف.

الفقراء وسلامة الغذاء: “الله هو الساتر”
 
07-May-2009
 
العدد 75