العدد 75 - الملف
 

رداد القلاب

يعاني قطاع الغذاء والدواء في البلاد من تضارب في مصالح عدد من المتنفذين، وضعف في الرقابة والتشريع، وتواضع في تجربة المؤسسة العامة للغذاء والدواء بعد خمس سنوات من إطلاقها. وبحسب عبد الفتاح الكيلاني، عضو اللجنة العليا لمجلس الغذاء والدواء، وهو هيئة عليا مهمتها وضع سياسات المديرية، فإن تفعيل قانون الغذاء والدواء، يمثل أولوية قصوى للارتقاء بمستوى غذاء المواطنين ودوائهم، معتبرا أن «حوادث التلوث الأخيرة وضبط كميات كبيرة من المواد غير الصالحة للاستهلاك البشري، هي قمة جبل الجليد في هذا المكون الرئيس من حياة الناس».

ووفق الكيلاني فإن مراقبة الغذاء في المملكة تعاني من ضعف عام ناتج عن عدم استكمال المؤسسة العامة للغذاء والدواء لبناء مؤسساتها الرقابية، وبخاصة بعد أن أنيطت بها مسؤولية مراقبة صلاحية وسلامة الغذاء، «حيث انحصرت رقابتها على الغذاء على العاصمة عمان.

وتلافيا للنقص الحاصل في قصر الرقابة على العاصمة وعدم خضوع مناطق المملكة الأخرى لها، فقد فوضت صلاحياتها من خلال اتفاقيات، إلى مؤسسات وزارة الصحة والبلديات والزراعة وأمانة عمان ومؤسسة المواصفات والمقاييس ودائرة الجمارك وسلطة إقليم العقبة وجمعية حماية المستهلك في باقي محافظات المملكة، لحين استكمال استحداث مؤسسات تابعة للمؤسسة العامة للغذاء والدواء في محافظات المملكة، بعد ذلك تعود المؤسسة وتسحب التفويض الذي منحته لهذه الجهات للقيام بالمهام الكبيرة» كما يقول.

ويرجع عضو مجلس النواب الرابع عشر، عبد الرحيم ملحس، ضعف الرقابة على الأدوية والأغذية إلى تواطؤ رسمي من قبل القائمين على سلامة غذاء ودواء الأردنيين. يقول ملحس: «التهريب لا يمكن أن يتم إلا عبر تواطؤ جزء من الجسم الرقابي مع المهرب»، ويلفت إلى أن «بعض العاملين في الجهاز الرقابي يصعب عليه مقاومة الإغراءات التي تعرض عليه».

ويعترف مدير مؤسسة الغذاء والدواء محمد الرواشدة بالضعف الحاصل في الرقابة، ويرى أنه ناتج عن ظاهرة التهريب، ولكنه يرى أن «هنالك تهريبا لبعض الأدوية والأغذية من دول مجاورة؛ ويتعذر علينا في هذه الحالة تطبيق الفحص، بالإضافة إلى وجود بعض الأدوية المغشوشة». ويؤكد «أن من غير الممكن التساهل على حساب الوطن والمواطن حال اكتشاف أي منها».

وتتلخص آلية عمل مديرية الغذاء في الرقابة على سلامة الغذاء من خلال اعتماد فرق ميدانية تابعة للمؤسسات الموقعة على الاتفاقية إثر تلقيها معلومة، أو أثناء العمل الميداني بمادة مشتبه بها من خلال بعض الظواهر البادية، أو روائح عفونة أو إصابة شخص بتسمم ناتج عن تناول كمية منها، حيث يتم التحفظ على الكمية وأخذ عينات منها للفحص المخبري التابع للمديرية أو للمؤسسات الأخرى مثل: المختبر التابع لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة أو المختبرات الموجودة على الحدود البرية للمملكة. وبعد ظهور نتائج العمل المخبري يتم تحويل المتهمين بإدخال الشحنات المخالفة إلى القضاء وإتلاف الكمية، بحسب الكيلاني.

محمد عبيدات، رئيس جمعية حماية المستهلك، يرى أن الأمر لا يقتصر على ضعف الرقابة على الغذاء في البلاد من قبل مؤسسة الغذاء والدواء فقط، «بل إنه وصل حد تقصير مجلس النواب في أداء مهمته الرقابية والتشريعية وظهوره بدون رؤية عامة تجاه سلامة الغذاء والدواء، وانحصار دوره في مصالح أعضائه الخاصة على حساب دوره الدستوري».

في تقريره للعام الجاري، يشير ديوان المحاسبة إلى أنه رصد قضية ضد مديرية الغذاء والدواء «لم يتم خلالها إتلاف كامل كمية المواد الغذائية الراسبة في الفحص الطبي، وذلك لعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، وإنما إتلاف جزء بسيط منها والباقي تم إدخاله للمستهلك». وأعطى التقرير مثالا على إدخال مواد مخالفة إلى البلاد قدرها بنحو 50 كغم من عجل جاموس رضيع من أصل الكمية البالغة 551 كغم، وبحسب ما ورد في البيان الجمركي للمادة.

الكيلاني، قال إنه لم يطلع على ما أشار إليه ديوان المحاسبة حول مخالفة سجلها ضد المديرية، ويضيف أنه «إذا حصل ذلك فإنه يقع ضمن الضعف العام الذي تعاني منة المؤسسة، حيث يجب، وفق القانون، إتلاف الكمية كاملة، وذلك بوضع مواد أصباغ أو مواد مطهرة أو سامة حتى لا تتم إعادة استخدامها من قبل البعض».

وهو يرى أن زيادة كميات الإتلاف مؤشر سلبي ولا يعبر عن معالجة الخلل ولا يدل على زيادة القيام بالواجب، موضحا أن «عمليات إتلاف المواد المخالفة أو المنتهية صلاحيتها للاستهلاك، أو تلك التي تم العبث في مكوناتها، قد يكون ناتجا عن سوء في التخزين أو النقل أو عدم الالتزام بالقانون». وهو يؤكد أن إهمال القيام بإتلاف المواد غير الصالحة للاستهلاك البشري وعدم الجدية في تطبيق القانون، «قد يؤدي ببعض «النفوس المريضة» إلى إعادة بيعها في السوق المحلية»، ما يؤدي إلى تعرض الغذاء بين الفترة والأخرى لهزات عنيفة من حالات التسمم الجماعية والتلوث وغيرها».

ويتفق عبيدات والكيلاني على أن المشكلة التي تواجه النظام الغذائي في البلاد، هي عدم تمكن المؤسسات المعنية بالغذاء من وقف مسلسل التلوث والتسبب في مشاكل وطنية كبرى. ومن أوجه القصور هذه: افتقار المؤسسات الرسمية المعنية بالمسؤولية عن الغذاء لبناء استراتيجيات خاصة بها وتنفيذ أهدافها، بالرغم من الإمكانيات اللوجستية لذلك، وكذلك توافر الأيدي العاملة المؤهلة والمدربة، إضافة إلى توفير الإمكانيات المالية الكافية لتحقيق الأمن الغذائي من قبل الدولة

.وطالب عضوا مجلس الغذاء الأردني، عبيدات والكيلاني، بالسير في خطى سريعة نحو استكمال بناء المؤسسة العامة للغذاء والدواء بحيث تشمل مناطق المملكة كافة، ورفدها بالخبرات الوطنية المدربة لتقوم بواجبها، وبناء ثقافة المساءلة وتفعيل القانون على المسؤولين المقصرين في القيام بالواجبات الموكولة إليهم. وطالب عبيدات بـ«استحداث وزارة للمستهلك أسوة بدول شمال أوروبا وبعض دول إفريقيا وآسيا».

نشاطها يقتصر على العاصمة المؤسسة العامة للغذاء والدواء: دور ضعيف بعد خمس سنوات
 
07-May-2009
 
العدد 75