العدد 73 - رزنامه
 

السجل - خاص

في معرضه الفوتوغرافي المقام في غاليري رؤى، يلتقط الفنان هاني الحوراني التفاصيلَ ليسرد عبرها حكاية بصرية، فيعبُر ثنايا المشهد، ويتغلغل في منمنماته، ويصور دقائقه، مقتنصاً جزءاً من كلّ.

فيما يُشبه عملية الكولاج، يعيد الفنان في معرضه المعنون «تفاصيل»، تركيبَ المشهد الكلّي من الأجزاء، مكوّناً جداريات كبيرة ومتوسطة الحجم تتقارب فيها الأيقونات البصرية دون أن تبلغ حدّ الالتصاق. ذلك الخط الفاصل بين أيقونة وأخرى ضروري لدفع المشاهد للتركيز على كلّ جزء من الجدارية حيناً، ورؤيتها متكاملةً حيناً آخر.

تُظهر كلٌّ من الصور لقطةً من قرب لمفردات رصدت كاميرا الفنان دقائقَ سطوحها بما يوحي بملمسها، بخاصة في جداريته التي تبلغ مساحتها 3.5 م x 1.5 م، وتتكون من مشاهد لنوافذ وأبواب وسطوح بيوت قديمة في مدينة السلط، تؤشر على جمالياتها المعمارية المعتمدة شكلَ الأقواس، والشبابيك الخشبية، ولون الحجارة المعتق المائل إلى البنّي والأرجواني والأصفر.

تتواءم هذه الجدارية بصرياً مع أخرى بعنوان «فسيفساء الرمال» ركّبها الحوراني من 45 لقطة لكثبان الرمال وتموّجاتها في وادي رم ووادي عربة ومناطق أخرى من الصحراء الأردنية، تكشف الإبهار اللوني المتحقق من تدرّجات لون الرمال بين الأحمر والأصفر والوردي، تتوسطها صورة لشجرة نبتت في عمق الصحراء بشموخ، متحدّيةً جفاف الرمل وحرارة الشمس، وهو مشهد يحتمل وجوهاً عدة من القراءة والتحليل.

وإذ يصور الفنان الصحراء الأردنية، فلا بد أن تحضر درّتها «البترا» التي كثيراً ما عني الحوراني بإبراز الجمال النابض في نسيج صخورها، فضمّ المعرض جدارية مكوّنة من صخور البترا تكشف تداخل الألوان في طبقاتها.

من مشاهد صحراوية، ينقل الفنان المشاهدَ إلى النقيض تماماً، باتجاه البحر، ليصور الموانئ والقوارب الراسية فيها في غير مدينة غربية وعربية: فنيسيا، مارسيليا، الدوحة، المنامة، الشارقة والعقبة. جهات متعددة جمعتها رائحة البحر.

تظل التفاصيل هاجس الفنان، حيث يقتنص صوراً لمقدمات القوارب وسطوحها، وأخرى لانعكاسات الأشعة على صفحة الماء الرقراقة، أو انعكاس الأشكال المرسومة والمزركشة على القوارب على صفحة الماء، في لوحة تؤنسن الأشياء وتشف عن لغة الحوار الذي تتخاطب به عناصر الطبيعة مع ذاتها ومع غيرها من العناصر، فسطح الماء بدا مرآة عاكسة لحركة المراكب وسيرتها اليومية، ونقوش المراكب والحروف المخطوطة عليها تتغلغل في عمق الماء، ترتجّ الصورة وتختلط الألوان، فتتضح الرؤية.

اختار الحوراني أن يعرض أعماله بعيداً عن طريقة العرض التقليدية التي تحبس المشهد في إطار، كما تحررت صوره من القياسات التقليدية، فعُرضت على سطوح صناديق متعددة القياسات والسماكات.

الحوراني من موالد مدينة الزرقاء العام 1945، تخرج في الجامعة الأردنية متخصصاً في العلوم السياسية العام 1970. وهو فنان تشكيلي من جيل الستينيات، انصرف لأكثر من عقدين عن الرسم، حيث انشغل بالعمل السياسي والبحثي قبل أن يعاود عرض أعماله مطلع التسعينيات. المعرض اليتيم لأعماله المائية كان في العام 1993، اكتفى بعده بعرض أعماله الفوتوغرافية فقط، رغم مواصلته الرسم خلال العقدين الأخيرين.

“تفاصيل” هاني الحوراني: أنسنة الأشياء
 
23-Apr-2009
 
العدد 73