العدد 73 - حريات
 

سوسن زايدة

خلال سنتين نقلت مديرية التربية والتعليم مدير المدرسة أحمد الجعافرة بين أربع مدارس، آخرها كانت مدرسة شكري شعشاعة الثانوية المهنية للبنين، التي نقل منها إلى مديرية التربية والتعليم «مديراً بلا إدارة».

ثلاثة من هذه التنقلات يعتبرها الجعافرة مرتبطة «بشكاوى كيدية» ضده رفعها لمديرية التربية والتعليم «معلمون ذوو توجه سياسي إسلامي» يعتبرونه «يساريا» و«يختلف معهم». ولأن «للمعلمين الإسلاميين علاقاتهم في وزارة التربية والتعليم»، بحسب الجعافرة، فقد «تمكنوا من التأثير في قرار نقله».

في كل مرة تقرر مديرية التربية نقل الجعافرة «نقلاً فنياً» دون ذكر الأسباب، و«دون التحقيق في الشكوى أو مناقشتها»، يقول الجعافرة الذي يعتبر مديرية التربية والتعليم «تساير المعلمين المشتكين». لذلك تقدم الجعافرة لأمين عام وزارة التربية والتعليم للشؤون الإدارية والمالية، منذر عصفور، بشكوى إدارية طالبا «تشكيل لجنة للتحقيق في تواطؤ مديرية التربية مع هذه الفئة»، يؤكد الجعافرة الذي يرى أن إقصاءه من إدارة المدرسة سببه أفكاره لا غير.

وزارة التربية من جهتها لا تنفي «حقها في عقاب من يخالف الفكر الإسلامي المعتدل داخل المدارس وكفلسفة تتبناها وزارة التربية والتعليم، سواء كان مسلما أو من غير المسلمين، سواء كان طالباً أو معلماً أو مديراً أو مشرفاً تربوياً»، وفقا لمدير إدارة التعليم العام وشؤون الطلبة في وزارة التربية والتعليم، محمد العكور.

يتفق معه مدير إدارة الموارد البشرية في وزارة التربية والتعليم، رافع مساعدة، الذي يبين أن «أسس الدستور الأردني ومبادئ التربية والتعليم تنص على أن دين الدولة هو الإسلام والتاريخ العربي الإسلامي مهم في حياة الأمة ويجب أن لا يخرج المعلم عن هذه الأطر».

وفقاً لمساعدة. «لا نفرض الدين بل نفرض الثقافة الإسلامية، فالثقافة هي طريقة الحياة، وفي الأردن طريقة الحياة واحدة لدى المواطن المسلم وغير المسلم. غير المسلم يعيش ثقافة المسلمين وغالبية المسيحيين في الأردن يعتزون بهذه الثقافة. أما كدين ومعتقد فهم مخيرون أن يمارسوه في بيوتهم».

الخلاف بين الجعافرة وبين «المعلمين الإسلاميين المنتشرين في المدارس»، بحسب الجعافرة، «يبدأ من طابور الصباح الذي ما زال تقليدياً جداً، وبمجرد أن تحاول تغيير بعض المسائل التربوية والتعليمية والثقافية يعتبرون ذلك طارئاً علينا وموجهاً من الخارج وقد تصل الأمور إلى أن يعتبروها تخريبية».

طابور الصباح، كما يصفه الجعافرة، «تطغى عليه الأدعية التي ترتبط حتى بالتمارين الرياضية، رغم أن المدرسة تقع في حي غالبية سكانه من المسيحيين الذين اتصل بي بعضهم، وبخاصة أهالي الطلبة منهم، يقولون إن الرياضة للجميع وإنهم ليسوا معتادين على كل هذه النداءات الدينية».

ولا يقتصر هذا المد على المدارس وإنما يمتد للوزارة. «هناك بؤر أحادية النظرة في وزارة التربية والتعليم ومدارسها عموما»، يقول ضرار بني ياسين، كاتب صحفي ومحاضر في قسم الفلسفة بالجامعة الأردنية. لكنه يميز «بين ميول إسلامية لناشطين في الحركة الإسلامية وبين الإسلاميين التقليديين غير المنخرطين في أيديولوجية عقائدية دينية، مثل أهلنا في الشارع والبيت».

التواجد الإسلامي في وزارة التربية والتعليم يعود إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث كانت الحكومة في أوج صدامها مع الحركات اليسارية والشيوعية والقومية، في حين سمحت لحركات الإسلام السياسي بنشاط ،اعتقدت في حينه أنه لا يتعارض ومصالحها. وبلغ التوافق بين الحكومة والإخوان المسلمين، ذروته العام 1976 عندما عين عضو الحركة، اسحق الفرحان وزيرا للتربية والتعليم.

«الهامش السياسي الذي أتيح للحركة الإسلامية لأكثر من ثلاثة عقود سمح لهم بالتغلغل في أوساط المجتمع. زرعوا في كل مفاصل الوزارة، سواء في الميدان أو في المركز، الكثير من محازبيهم، أو ممن يتفقون معهم في الرؤية»، يقول ياسين.

ويُحمّل ياسين السياسات المتعاقبة للوزارة مسؤولية جزئية عن «المشكلة التي تعطي فرصة للناشطين في الحركة الإسلامية للتغلغل بشكل أكبر في الوزارة، فهم يعتبرون العمل في التعليم جزءا من رسالتهم».

لكن أخطر قرار اتخذه الوزير الفرحان، وفقا لياسين، كان إلغاء مبحث الفلسفة الذي شمل نظرية المعرفة والفلسفة الإسلامية والمنطق والأخلاق. «ألغي بحجة أنها علوم ملحدة، وكان لهذا مخاطر وتداعيات كثيرة عززت جانب الثقافة التقليديةعلى حساب العلوم المعرفية الأخرى، وتحديدا الفلسفية».

ويدعو ياسين وزارة التربية «لإعادة النظر في المناهج بحيث تدخل مباحث تحض على حقوق الإنسان، الحريات والديمقراطية، لتقود إلى تغيير اجتماعي بشكل سلس دون الوقوع في صدام مع الآخر».

وتبقى وزارة التربية والتعليم أمام تحدي التمييز بين الدين الإسلامي وبين الثقافة الإسلامية، كما التمييز بين محاولة المعلم إقناع الطالب بتبني فكره الإسلامي، وبين إقناعه بالانضمام لتياره أو حزبه السياسي.

بضغط من معلميه و”عقاباً” على اختلافه عنهم مدير مدرسة حكومية يخضع لتنقلات “كيدية”
 
23-Apr-2009
 
العدد 73