العدد 73 - استهلاكي
 

ارتفاع الأسعار الذي خلقته قفزات متتالية لأسعار البترول والمواد الأساسية، والذي لف العالم بحالة من عدم الاستقرار العام الماضي، أوجد «نوعا» جديدا من المستهلكين، وأصبح عنوان هذه العام هو الاقتصاد في الإنفاق، وشراء المواد الأساسية فقط، وبكميات تناسب احتياجات المستهلك فقط.

يرى خبراء اقتصاد وعاملون في قطاعات الاقتصاد المختلفة، أن هذا هو الوجه الجيد لأزمات ارتفاع الأسعار المتلاحقة محليا وعالميا. لكن الوجه السيئ، بحسبهم، هو كساد في الأسواق نتيجة امتناع المستهلكين عن الشراء. إلى هنا يبدو الحديث منطقيا، إلا أن هؤلاء يؤكدون أن المستهلكين في الأردن يتجهون إلى الشراء عند ارتفاع الأسعار، لكنهم يحجمون عنه في حال انخفاضها.

باسل الريماوي، مدير أحد أكبر مصانع الزيوت في المملكة، يقول: «سلوك معظم المستهلكين في الأردن يتسم بالغرابة.. عندما ترتفع الأسعار يحدث إقبال شديد على الشراء، وعند انخفاضها يحدث إحجام عن الشراء، وكأن المستهلكين ينتظرون انخفاضا آخر في الأسعار، ما يؤدي إلى كساد في السوق».

تشهد المواد الاستهلاكية الأساسية بجميع أنواعها انخفاضا في الطلب، يعززه تراجع مستمر في الأسعار.

أسعار الشقق السكنية انخفضت أسعارها بحسب عاملين في المجال، بأكثر من 30 في المئة، لكن مبيعات العقار ما زالت في تراجع.

مدير التسويق في إحدى الشركات العقارية، يضرب مثالا على ذلك، بالحديد الذي ما فتئت أسعاره تنخفض على مدى الأسابيع القليلة الماضية، في ظل ضعف الطلب، لكن بمجرد ارتفاع سعره منتصف الأسبوع الماضي، ازداد الطلب بشكل واضح، وعادت الحياة إلى محال البيع.

كان سعر طن الحديد ارتفع إلى 460 دينارا للطن، مقارنة بـ380 دينارا قبل 10 أيام، وبنسبة ارتفاع بلغت 21 في المئة بحسب تقارير صحفية.

يقول مدير التسويق الذي فضّل عدم نشر اسمه: «الناس في ترقُّب دائم، وهم متابعون لحركة الأسعار بشكل واضح، وهذا أمر إيجابي، لكن الغريب هو الإقبال على الشراء فقط في حال ارتفاع الأسعار».

من الممارسات الجديدة التي نتجت عن ارتفاع الأسعار، الإقبال على الكماليات باحتسابها ضرورات لا يمكن الاستغناء عنها. يؤكد بائعو مواد غذائية وأصحاب بقالات، أن الناس قللوا من شراء المواد الأساسية، أو اتجهوا إلى شراء كميات أقل منها، إلا أن إقبالهم على شراء مادتين محددتين هما السجائر وبطاقات تعبئة الهواتف الخلوية، لم يتغير.

المحلل الاقتصادي حسام عايش يرى أن تصرفات المستهلكين في أوقات أزمات اقتصادية مثل التي يعيشها العالم حاليا «منطقية».

ويقول: «نستطيع أن نشبّه الأسعار والمستهلكين في هذا الوقت، بالقط والفأر. بمعنى أن الناس يتوقعون أن يحصل انخفاض في الأسعار ويترقبون أي ارتفاع على الأسعار، على اعتبار أن انخفاض الأسعار فترة ستمر، لكنهم لا يصيبون دائما».

ويضيف: «المشكلة الأخرى هي أن حالة عدم الاستقرار التي تسود العالم تجعل الناس غير قادرين على تحديد عمق المشكلة. لا الخبراء الاقتصاديون ولا المحللون ولا الصناديق الاستثمارية ولا رجال العمال قادرون على التنبؤ بنهاية الأزمة العالمية، ما يجعل الناس في حالة انتظار، والنتيجة النهائية في المحصلة هي عدم القدرة على اتخاذ قرار».

الاستهلاك في الأزمات: شوكولاته، آيس كريم، والكثير من المعكرونة

ينشط المحللون الاقتصاديون في أنحاء العالم في توقُّع سلوكات المستهلكين في أيام الأزمات. أنماط الاستهلاك (consumer trends) تحلَّل فصليا وفقاً لإحصائيات الاستهلاك، الإنفاق، التوظيف، ونتائج الشركات. أحد أشهر محللي سلوك المستهلكين، بيرس ماتي، يقدم لائحة «ساخنة» كلَّ فصل لسلوك المستهلكين في الولايات المتحدة. هذا الصيف يتوقع ماتي أن يتخلى الناس عن اتباع «الموضة» المكلفة، وأنهم سيخترعون صيحات موضة ذات تكلفة منخفضة ترضي حاجتهم إلى التباهي، لكن دون أن تؤثر في جيوبهم التي ضربتها رياح الأزمة المالية العاتية.

حتى في المجوهرات، يرى ماتي أن النساء سيتجهن نحو الأحجار «نصف الكريمة»، والتعويض عن التباهي بارتفاع ثمن ما يشترين، بمدى جماله وإبداعه.

قسائم المشتريات والعروض التسويقية ستكون أكثر ما يشغل المستهلكين، وفقاً لماتي، حيث ستصل مبيعات المواد ذات الأسعار المخفضة إلى مستويات قياسية تصل الذروة خلال موسم الصيف. مع ارتفاع تكلفة السفر، سيتجه المستهلكون إلى السفر داخل بلادهم والتركيز على حرق «التوتر» داخل صالات الألعاب الرياضية.

يرى ماتي أن أكثر ما قد يرفع من معنويات الناس حالياً، هو قراءة الروايات الرومانسية ومشاهدة المسلسلات ذات النهايات السعيدة والأفلام ذات القصص الرومانسية اللطيفة البعيدة عن العنف، ما سيزيد مبيعاتها. الناس سيتجهون أيضا إلى ممارسة الجنس للتخفيف من التوتر النفسي، ما سيزيد مبيعات منتجات مثل (Durex).

أطعمة الراحة (comfort foods)، مثل الآيس كريم والشوكولاته والمعكرونة، ستشهد ارتفاعا في مبيعاتها، حيث يلجأ إليها المستهلكون للتخفيف من الضغط النفسي.

المستهلكون في حيرة الأزمة العالمية تُنتج أنماطاً استهلاكية “غريبة”
 
23-Apr-2009
 
العدد 73