العدد 73 - اقليمي
 

معن البياري

وصف بطرس غالي، ذات مرّة قضية الصحراء الغربية، بأنها ثاني أعقد القضايا في العالم، بعد أزمة قبرص. يجد المرء بعض الوجاهة في هذا الاجتهاد، بالنظر إلى أن النزاع بين المغرب وجبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال إقليم الصحراء مستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود، يسري في أثنائها منذ 1991 وقف لإطلاق النار بين الجانبين، ولا يبدو أن حسماً أو تسوية أو أفقاً في طريقه إلى التحقق، فضلاً عن أن المراوحة والجمود هما الأوضح في مسار القضية، وإن لوحظ توالي التحركات والمبادرات السياسية، بالتوازي مع مفاوضات ثنائية بين طرفي النزاع واجتماعات لمجلس الأمن الدولي تبحث القضية.

229 نائباً في الكونغرس الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري دعوا الرئيس باراك أوباما في 17 نيسان/أبريل الجاري، إلى دعم مقترح المغرب منح إقليم الصحراء حكماً ذاتياً موسعاً، وذلك في رسالة إلى البيت الأبيض، جاء فيها أن الاقتراح «يفتح الطريق أمام تعاون إقليمي أوسع لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتنامية في المنطقة». اعتبر النواب أن أطروحة المغرب التي كان أشهرها في نيسان/أبريل 2007 تعدّ «خطة ثورية» لتسوية النزاع في إطار تقرير مصير الصحراء.

رسالة هذا العدد الكبير من النواب الأميركيين قد تدفع نحو فاعلية ضاغطة على الرئيس الديمقراطي الجديد أوباما، الذي ينشط في غير قضية وأزمة في العالم باتجاه تبريدها واستكشاف حلول ممكنة، في لغة تنحو إلى مقادير من التوازن وعدم التصعيد، ما يعاكس ما كان نهج إدارة سلفه الجمهوري جورج بوش. والملحوظ أن واشنطن طوال السنوات الماضية، لم تنخرط جدّياً باتجاه عمل نشط يسعى إلى إنهاء نزاع الصحراء الغربية، الذي استجدّ عليه قبل شهور تعيين مبعوث جديد للأمين العام للأمم المتحدة بشأنه، هو الدبلوماسي الأميركي كريستوفر روس، بعد أربعة سبقوه، هم على التوالي: السويسري جوهانس مانس، الباكستاني يعقوب خان،الأميركي جيمس بيكر، والهولندي بيتر فان فالسوم. وقام روس قبل أسابيع بجولة في المغرب والجزائر، وزار مخيمات تندوف في الأراضي الجزائرية، حيث قيادة «بوليساريو»، واسمها الحرفي «جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب». ووصفت جولته بأنها استكشافية، وآثر عدم الإدلاء بتصريحات، خلا تشديده على حل سياسي للقضية، وما نُسب إليه عن السعي لترتيب جولة خامسة من المفاوضات بين الرباط والجبهة المناوئة لها، بعد إخفاق سابقاتها الأربع في مانهاست قرب نيويورك، وكانت آخرها في آذار/مارس 2008.

ويبقى حيوياً إلى حد كبير التعويل على دور أميركي جدّي، في دفع مسار تسوية للقضية التي تلح الرباط على أنها نزاع بينها وبين الجزائر، فيما تصرّ الأخيرة على أنها قضية تصفية استعمار وحق «للشعب الصحراوي» في تقرير مصيره. وإذ تتجاوز خطة الرباط للحل مخطط الأمم المتحدة القديم إجراء استفتاء للصحراويين باتجاه الاستقلال عن المغرب أو البقاء ضمنه، فإنها نجحت في توجيه الأنظار إلى ذلك المخطط، الذي كانت الرباط أول من اقترحه، قبل أن يصطدم الأخذ به بتعقيدات الجدال الطويل عمن يحقّ له المشاركة في الاستفتاء العتيد من الصحراويين، وأصرت المغرب على شمول كل هؤلاء، ورفضته «بوليساريو» وبدعم جزائري غير مكتوم.

وإذ خلص المبعوث الأممي الذي خلف بيكر في موقعه، وهو بيتر فان فالسوم، إلى أن استقلال الصحراء في دولة خاصة ليس خياراً واقعياً، فقد استندت الرباط إلى هذا التصريح الدولي الذي وجدت الجزائر فيه انحيازاً للمغرب، وناهضته «بوليساريو». والأهم أن واشنطن تبنته، وتمثل ذلك في رسالة تلقاها العاهل المغربي محمد السادس من الرئيس جورج بوش في حزيران/يونيو 2008، دعمت خطة الرباط إقامة حكم ذاتي موسع في الأراضي الصحراوية ضمن السيادة المغربية، واعتبر بوش أن قيام دولة في هذه الأراضي «ليس خياراً واقعياً»، وأعرب عن أمله أن تنخرط أطراف النزاع بعمق أكثر في عملية المفاوضات الجارية. رسالة النواب ال 299 في الكونغرس قبل أيام إلى باراك أوباما، تتجه الوجهة نفسها.

كان الهولندي فالسوم اقترح أيضاً أن تكون المفاوضات على أساس ألا يرغم مجلس الأمن المغرب على استفتاء في الصحراء، وألا تعترف الأمم المتحدة في الوقت نفسه بسيادة الرباط على الإقليم من دون اتفاق بين الأخيرة و«بوليساريو».

والمعلوم أن المغرب يقدم أطروحته في سياق أن بنودها التفصيلية قابلة للتفاوض على قاعدة عدم استقلال الصحراء، وتمسكت بذلك في جولات التفاوض الأربع الأخيرة، ورأت الجزائر في ذلك تعنتاً، وهي التي ما زالت تجهر بدعم حق «الشعب الصحراوي» في تقرير مصيره، بعيداً عن الثابت الذي لا تحيد عنه الرباط منذ مسيرة المغاربة الخضراء نحو الصحراء في 1975، وهو استحالة انفصال الصحراء في دولة، وهذا ما تجمع عليه أطياف الحقل السياسي المغربي، في الحكم والمعارضة. فيما الجزائر الرسمية ما زالت محكومة إلى منظور الرئيس الراحل هواري بومدين المعلن في 1976 بأن استرجاع المغرب الصحراء يعدّ تهديداً لوحدة الجزائر ووسيلة لتطويقها ومقدمة لإجهاض ثورتها، ويعدّ «مَسّاً بالتوازن في منطقة شمال إفريقيا».

والبادي أن المسؤولين المتعاقبين في الجزائر، يصرون على دعم «بوليساريو» ومساندتها، وتوفير سبل الدعم السياسي والإعلامي لها، ويحظى زعيمها محمد عبد العزيز كل عام في مناسبة ذكرى تأسيس الجبهة، ببرقية تهنئة من الرئاسة الجزائرية، تفيض بمشاعر الوفاء تجاه «بوليساريو». وتعتبر الرباط هذا الموقف الجزائري التقليدي معرقلاً لبناء المغرب العربي ويشلّ كل تقدم في مساره، ويعيق جهود تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية على كل الأصعدة.

الصحراء الغربية.. الاستعصاء سيد الموقف
 
23-Apr-2009
 
العدد 73