العدد 73 - الملف
 

السجل - خاص

في خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى المملكة، وقع العشرات من أهالي مدينة سحاب، أحد أكثر مناطق المملكة شهرة بكونها مركزاً لتهريب المخدرات، وبتواجد عدد كبير من مهربي المخدرات فيها، على وثيقة شرف يعلنون فيها براءتهم التامة ممن امتهنوا تهريب المخدرات أو ترويجها أو حتى تعاطيها من أبناء المدينة.

سحاب التي تقع جنوب شرق العاصمة، وضمت مؤخراً إلى حدود الأمانة، تقوم على أرض مساحتها 122 كم، ويناهز عدد سكانها 60 ألف نسمة، تعد أمنياً واجتماعياً من المناطق الساخنة، فهي إحدى بؤر المخدرات في البلاد، ولا ينفي ذلك ما يصدر من تأكيدات متكررة من إدارة مكافحة المخدرات، بأنه «لا توجد مناطق عصية على القانون في الأردن».

بحسب الشيخ محمد عبدالله أبو زيد، فقد ضمت الفقرة الخاصة بمكافحة المخدرات في الوثيقة خمسة بنود، رأى الأهالي أنها تساهم في تحقيق الأمان المجتمعي و«المشاركة الشعبية مع الجهود الرسمية لمكافحة الظاهرة على مستوى المملكة، وتبرئة ساحة مدينتهم من هذه السمعة».

ويتعهد الموقعون باسم أهالي سحاب ب»نشر التوعية الإيجابية عن مخاطر المخدرات وبالتعاون مع الجهات المعنية كافة (أمن، تربية، أهل، مساجد)، عدم التدخل أو التوسط لحل أي إشكال يقع بسبب المخدرات ويترك الأمر للقضاء»، وتعتبر الوثيقة كل مروج أو متعاط شخصا منبوذا تجب مقاطعته من قبل الجميع، وإذا ما وقعت جريمة قتل كان طرفاها من تجار المخدرات والمتعاطين لها، فليس لذوي المقتول المطالبة بأية حقوق عشائرية من حيث العطوة والجلوة، ويترك الأمر للقضاء، فإذا «تسبب المتعاطي في إيذاء شخص من غير نوعيته، تطبق الأعراف العشائرية كاملة من حيث الجلوة والعطوة».

بالإضافة إلى مشكلة المخدرات، تغطي الوثيقة التي وقع عليها عدد كبير من أهالي سحاب من وجهاء وشيوخ عشائر وفعاليات شبابية وثقافية في المدينة، رؤيتهم للتعامل مع حوادث الطرق، ومحاربة العادات الخاطئة في مناسبات الوفاة والعزاء، التخرج والنجاح، الخطوبة والزواج.

وتبدأ الوثيقة بتأكيد أن مبادرة الأهالي للتوقيع عليها جاء إيمانا منهم والتزامـــا بتعاليـــم الدين والقيم الأخلاقية، وحرصاً على إدامة التكافل والتضامن والمحافظة على الأجيال القادمة، «للنهوض بمسؤولياتنا تجاه الأهل في سحـــاب، وأن نعلن هذه الوثيقـــة عن قناعه تامة ورغبه أكيده للتقيد بجميع بنودها».

وتأتي أهمية هذه الوثيقة من بعدها العشائري، كما يقول الشيخ محمد عبد الله أبو زيد، لأن العادات العشائرية ساهمت بطريقة ما بزيادة هذا الظاهرة، في إشارة واضحة إلى الصلحات العشائرية والعطوات التي كانت تتساهل في السابق مع المتورطين بقضايا مخدرات.

ويصف أبو زيد الوثيقة بأنها «خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي مبادرة قام بها أهالي سحاب من أجل مستقبل أولادهم، ومحاولة منهم للتعاون مع المجتمع المحلي لوضع حد لمشكلة المخدرات في المدينة»، مؤكداً أن هناك رغبة أكيدة عند الجميع بتطبيق هذه الوثيقة على أرض الواقع، حتى عند كثيرين لم يوقعوا عليها، وهو أحدهم.

المحامي عمر المحارمة، أحد أبناء سحاب الموقعين على الوثيقة، قال: «إن فكرة الوثيقة جاءت انطلاقاً من أن هناك أشخاصاً سببوا أضرارا مادية ومعنوية لمدينة سحاب نتيجة تورطهم في هذه الآفة، لذا، كان علينا أن نبين موقفاً واضحاً تجاههم، لأن المخدرات لا تدمر النفس فقط بل تدمر الاقتصاد والأخلاق»

وفي السياق نفسه، ظهر حراك نقابي مواز للحراك الشعبي، في مبادرة قام بها نحو 30 محاميا في المدينة بالتوقيع على ميثاق شرف في ما بينهم يتعهدون بموجبه مقاطعة أي متورط في قضايا المخدرات «تعاطيا أو اتجارا».

المحامي عمر المحارمة، يشير إلى أن هناك اختلافا بين التوقيع على الوثيقة الشعبية التي كان من ضمن الموقعين عليها، والتوقيع على ميثاق المحامين، الذي تحفظ على التوقيع عليه. فهو، وإن كان يقر بسلامة نوايا الأساتذة الموقعين ورغبتهم بالمشاركة في محاربة هذه الظاهرة بتوقيعهم على هذا الميثاق، فإنه يشير إلى قاعدة قانونية ثابتة وهي «أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته».

ويبين المحارمة أنه «لا يجوز لنا، كقانونيين، أن نحكم على الشخص وهو في مرحلة الاتهام، يجب أن يحصل على فرصة للدفاع عن نفسه، فالنصوص القانونية هي التي تكيف الفعل ومدى تجريمه، وتحكم بالتالي بالعقاب المناسب له».

ويتفق معه في ذلك المحامي مراد خريسات، الذي أشار إلى قاعدة قانونية أخرى مهمة وهي أن «حق الدفاع مقدس يضمنه القانون لجميع الأشخاص، من خلال إعطاء الفرصة لأي شخص باستنفاد طرق ودرجات التقاضي»، وهو ما من شأنه أن يحقق مبدأ قانونياً راسخاً هو «أن يطلق سراح ألف مذنب خير من أن يحبس برئ واحد»، وهذا يصب بالضرورة في جهود تأسيس أمان مجتمعي يشارك فيه الجميع من خلال تطبيق القانون كما يرى خريسات.

سحاب: محاولات لتغيير صورتها كـ“بؤرة ساخنة للمخدرات”
 
23-Apr-2009
 
العدد 73