العدد 73 - الملف
 

سوسن زايدة

مع الجهود الهائلة التي يبذلونها، والإنجازات النوعية التي حققوها، فإن أفراد دائرة مكافحة المخدرات يقعون في أخطاء خلال أدائهم لعملهم. وإن كان من الطبيعي أن تحدث أخطاء في أي عمل، فإن أخطاء دائرة المكافحة ذات اثر مضاعف، فقد يؤدي خطأ ما إلى إسقاط أحد أركان الجرم المسند للمشتبه به في الاتجار بالمخدرات، ما يضعف عرض المدعي العام، ويؤدي، بالتالي، تخفيض العقوبة، أو حتى تبرئة المتهم أمام القضاء.

المحامي إبراهيم الطهراوي يرجع خطورة هذه الأخطاء إلى أن “من ينجو من فعلته في المرة الأولى، يكتسب خبرة في التعامل مع دائرة مكافحة المخدرات، فيزداد خطورة على المجتمع، وتصبح مهمة القبض عليه أكثر صعوبة”.

الطهراوي زود “السجل” بملفات تحتوي عددا من القضايا التي ارتكب فيها رجال الأمن أخطاء في أثناء مزاولة عملهم. وبعد الاطلاع على الملف حاولت السجل الاتصال بالعميد طايل المجالي، رئيس دائرة مكافحة المخدرات للرد على ما جاء في الملف، ولكن ذلك تعذر بسبب تواجد المجالي في الخارج، وعدم وجود من ينوب عنه في الرد. علما بأن المجالي كان لبى دعوة لزيارة السجل واستفاض في شرح نشاط الدائرة.

ربما كان الخطأ الأكثر تكرارا هو الاستعجال في ضبط المشتبه به في الاتجار بالمخدرات، فبعد رصد أفراد الدائرة للمشتبه به والتالي الإيقاع بالشخص الذي يحضر للتفاوض على بيع كمية من المواد المخدرة، يتم إلقاء القبض على الأخير مباشرة وضبط المواد المخدرة بحيازته، قبل أن يقوم المشتبه بتجارة المخدرات بتسليم المادة المخدرة وقبض ثمنها، وبذلك لا تكتمل أركان جرم الاتجار الذي تصله عقوبته إلى السجن لمدة سبع سنوات ونصف السنة، وإنما يحاكم المشتبه به على جرم حيازة المخدرات، وعقوبتها تراوح بين ثلاثة شهور وسنة واحدة حدا أقصى.

خطأ شائع آخر هو عدم الدقة في إعداد محضر إلقاء القبض على المشتبه به، وفقا لأصول ومتطلبات المادة 100 من قانون الاصول الجزائية، ولتجنب مثل هذا الخطأ، أعدت الدائرة نماذج جاهزة لتعبئة محضر إلقاء القبض وفقا للأصول القانونية، إلا أن العديد من محاضر التفتيش التي يعدها افراد الضابطة العدلية، وهم أفراد مكافحة المخدرات، لا تستوفي الشروط القانونية، مثل التفتيش بدون إذن وانتداب المدعي العام المختص، وهو مدعي عام محكمة أمن الدولة.

أما الجزء الأعظم من مخالفات أفراد دائرة مكافحة المخدرات فتقع أثناء التحقيق مع المشتبه بهم، وتتضمن بعض القضايا التي اطلعت عليها "السجل" تقارير طبية صادرة عن المركز الوطني للطب الشرعي، تظهر تعرض المشتبه بهم للضرب والتعذيب، رغم إنكار إدارة مكافحة المخدرات لمثل هذه الممارسات. وهو ما يدلل على وجود إكراه على المشتبه به للإدلاء بأقوال لا يرغب بقولها، بل واعترافات في منتهى الاهمية لاكتمال أوراق القضية. إلا أن المحكمة لا تأخذ بهذه الاعترافات لأنها تمت تحت تأثير الضغط أو الضرب والإكراه.

مثال آخر على مخالفات أفراد الدائرة يتمثل في أسلوب التحقيق المتبع في الإدارة، بما يخالف الأصول والقانون والحدود المسموح بها، فبدلا من ضبط الأقوال يقوم أفراد الدائرة بالاستجواب والتحقيق، وهذه من صلاحيات المدعي العام. وهنالك بعض المخالفات التي تقع خلال إعداد الضبوط الأخرى، مثل ضبط التعرف وطابور التشخيص الذي لا يزال أفراد المكافحة يمارسونها بدون إذن من المدعي العام، وهي من صلاحياته، وليست من صلاحيات الضابطة العدلية.

هذه المخالفات تؤدي إلى بطلان ضبوط دائرة مكافحة المخدرات، وبالتالي انهيار بينة النيابة، بحسب الطهراوي الذي يؤكد أن “القانون يشترط أن تكون البينات مساندة لبعضها بعضا لغايات إنزال العقوبة، ما يؤدي إلى تبرئة المتهمين في العديد من القضايا، رغم اعترافهم بارتكاب الجرم أمام أفراد الضابطة العدلية”.

إلا أن أهم المخالفات التي يرتكبها أفراد الدائرة هي “المخالفات الدستورية”. ومن الأمثلة على ذلك قضية اطلعت عليها "السجل" احتجزت فيها زوجة أحد المشتبه بهم خمسة أيام لإجبار الزوج على الاعتراف، وبعد أن اعترف المتهم بارتكاب الجرم حول إلى المدعي العام، لكن محكمة أمن الدولة أقرت أن اعترافه كان تحت التهديد نتيجة احتجاز زوجته التي أدلى باعترافاته لإطلاق سراحها لكي ترعى طفله البالغ عمره سنة ونصف السنة، لذلك، قررت المحكمة عدم مسؤوليته عن الجرم المسند إليه.

كما تضمن الملف قضايا قام فيها أفراد من الدائرة بضبط هواتف خاصة بالمشتبه بهم والتنصت على مكالماتهم أو الرد على المتصلين بالهواتف وانتحال صفاتهم لضبط المتعاطين أو المتصلين بالتاجر.

وفي أحيان أخرى يمنع ضباط المكافحة محامي المشتبه به من حضور التحقيق قبل إحالته للمدعي العام، ويمنعونه هو أيضا من الاتصال بذويه أو مقابلة من أي شخص، بالرغم من وعد بعدم تعطيل هذا النص والسماح للمحامي بالتواجد في المراكز الأمنية أثناء التحري والبحث الأولي، وذلك خلال لقاء بين نقيب المحامين ومدير الأمن العام، وفق مصادر في النقابة، إلا أن أفراد المكافحة ما زالوا يقومون بذلك حتى اليوم.

“كل هذا يخالف المادة السابعة من الدستور الأردني التي تصون الحريات والمراسلات”، يقول الطهراوي، فالمجتمع ليس خصما للمجرم، بل خصم للجريمة. وحتى من يرتكب جرما ما، فإنه لا يفقد حقوقه التي ضمنها الدستور، ومنها احترام الإنسان والمحافظة على حقوقه كافة التي كفلها الدستور والقانون. و”تعطيل أي من هذه الحقوق يعد مخالفة يترتب عليها بطلان اجراءات الضابطة العدلية، وبالتالي حرمان المجتمع من حقه في معاقبة المجرم على جريمته، وإصلاحه” كما يقول.

خبير قانوني أبلغ "السجل" أن الخطأ وارد في أي عمل، وبخاصة في حقل مثل مكافحة المخدرات، حيث عدد القضايا التي يتعامل معها دائرة مكافحة المخدرات كبير جدا بالنسبة لعدد رجال الأمن المختصين بقضايا المخدرات. وأرجع الخبير الأخطاء المذكورة آنفا إلى نقص في الخبرة القانونية لدى رجال الأمن، وكذلك إلى نقص في التدريب، مؤكدا أن تلافي النقص في هذين المجالين، وبخاصة مجال التدريب، من شأنه أن يجعل عمل رجال الدائرة أكثر كمالا وأقل أخطاء.

نقص الخبرة القانونية والتدريب سبب رئيسي في حدوثها أخطاء “الدائرة” نقاط قوة للمشتبه بهم
 
23-Apr-2009
 
العدد 73