العدد 73 - الملف
 

عطاف الروضان

العام 1991، خاضت إدارة مكافحة المخدرات في الأردن تجربة لافتة، فقد انضمت نحو أربع عشرة امرأة إلى صفوفها، راوح تحصيلهن العلمي ما بين الثانوية العامة والبكالوريس. لكن هذه التجربة انتهت عملياً قبل أن تتاح الفرصة لتقييمها، إذ تم إيقافها العام 1993 أي بعد عامين فقط من بدايتها.

«كانت تجربة قصيرة، واقتصرت على الاستفادة من المرتبات النسائية في مهام المراقبة والتحقيق أحيانا، لذا لا يمكن تقييمها جيداً»، يؤكد العقيد طايل المجالي، مدير إدارة مكافحة المخدرات.

هذه التجربة لم تكتمل، ليس نتيجة تحفظ الإدارة على عمل النساء فيها، وإنما بسبب العائق الاجتماعي للنظرة تجاه المرأة بشكل عام في الأردن، فتخلت الإدارة عن هذه التجربة انصياعاً لتلك النظرة التقليدية تجاه المرأة.

يقول النقيب عماد الشواورة، مدير قسم مكافحة مخدرات عمان، «الإدارة كانت وما زالت منفتحة تجاه هذه التجربة، ولكن كان لا بد لنا من التعامل مع المحظورات الاجتماعية من حيث حرية تحرك الفتاة وسهولته».

ويتابع الشواورة الذي التحق بالقسم منذ إنشائه العام 1994، واستلم إدارته من العام 2004 حتى الآن، بالقول «بقاء شاب وفتاة في سيارة لمدة تزيد على ساعتين، أو في مقهى، أو لوبي فندق، أمر لا تقبله غالبية المجتمع الأردني، بل يكاد يكون محرجاً للشاب أحياناً، كما هو للفتاة».

النظرة الاجتماعية تغلبت على عنصر مهم هو عنصر الكفاءة الذي يعترف الشواورة بتوافره في المرأة، «صحيح أن العناصر النسائية كانت كفؤة ومدربة، يقول الشواورة، لكنه يستدرك «كان وجود النساء في أماكن المراقبة يسبب إرباكاً للعناصر التي تحتاج لأقصى حدود الهدوء والتركيز في مهامها».

إلى ذلك، فإن وجود نساء في مهمات المكافحة يشكل مسؤولية أخلاقية بالنسبة للعديد من الضباط الذين فضلوا عدم نشر أسمائهم. يقول ضابط عاصر تجربة الاستعانة بسيدات في بداية التسعينيات: «الأشخاص الذين نتعامل معهم مجرمون، ومن الجارح لنا أن تتعرض إحدى زميلاتنا لأي إساءة، فحمايتها مسؤولية أخلاقية، حتى لو كانت شرطية قادرة على حماية نفسها في الأحوال العادية».

ضابط آخر يعتبر وجود نساء في الإدارة غير مريح، ولا يتوافق مع طبيعة المرأة الفسيولوجية، «نحن كضباط نعرف أننا في الخدمة ليلاً نهاراً، ولا أعتقد أن هذا يناسب المرأة، ولا نقبل أن نعرض الشرطيات لمهام المكافحة الخطرة والمعقدة كالضبطيات والملاحقات في الصحراء أو أماكن خطرة أبطالها رجال عصابات مدربون».

ويتساءل ضابط خدم أكثر من سبعة عشر عاماً في الإدارة «كيف ستكون ردة فعل المرتب النسائي عندما تستثنى في أغلب المرات من المشاركة بالمهمات الخارجية أو الليلية؟!» ويجيب «حتماً ستشعر بنقص، فهنالك مهمات تصعب علي أنا ومن يماثلني خبرة المشاركة فيها». ويؤكد الشواورة أن الحاجة للعناصر النسائية، كما دللت الأرقام، تكون في فترات متباعدة نظراً لقلة عدد القضايا ضد النساء.

لكن هذا لا يعني أن الإدارة تستغني بشكل كامل عن وجود المرأة، لذا فإن الإدارة تستعين بمرتبات من الشرطة النسائية في أغلب الحالات عند التفتيش أو الضبط في بيت لا يتواجد فيه رجال، انصياعا للمحاذير الاجتماعية.

ويسوق أحد الضباط مثالاً على اصطحاب مرتب شرطي نسائي في كمين لتفاوض على شراء كمية مخدرات من سيدة تم القبض على زوجها التاجر، واضطرت لأن تتصرف في باقي الكمية، وهي معروفة في منطقتها ولم يكن من الممكن ندخل إلى البيت في غياب الزوج «بدون عنصر نسائي».

«أصلاً عدد النساء المتعاطيات أو المروجات للمخدرات قليل، وبالتالي الحاجة لعناصر نسائية في مديرية مكافحة المخدرات قليلة»، يوضح الشواورة.

خالدة، مرتب في الشرطة النسائية، خاضت تجربة الخدمة في إدارة مكافحة المخدرات، تستغرب إنهاءها بهذه السرعة، وترى أنه كان من الأولى أن يستمروا فيها وقتا أطول «حتى نعرف أين الخلل، صحيح أن مهمات المكافحة صعبة، لكن ما في داعي لإغلاق الباب بالمرة».

وتشير زميلة لها لم تخض التجربة، إلى أنه في السابق، كان وجود المرأة في الأمن العام أو الشرطة غريبا، لكنه الآن صار أمرا عاديا، وتضيف أن من الواضح أنه كان هناك قرار رسمي بكسر الحاجز، و«أعتقد أنه لازم يستمر في هذه الحالة وغيرها كمان».

وفقاً لقسم المعلومات في إدارة مكافحة المخدرات، شهد العام 2006 ضبط 52 فتاة متورطة في تعاطي المخدرات، و79 فتاة العام 2007، النسبة الأكبر منهن في العاصمة، وتم ضبط 72 فتاة العام 2008 في العاصمة فقط، من أصل 2755 ضبطية، أكثر من 50 في المئة منهن من العاملات الوافدات وغالبيتهن من جنسيات عربية.

ويشير ضابط مطلع فضل عدم نشر اسمه إلى أن طبيعة عمل تلك الفتيات هي التي تقودهن بالضرورة للتعاطي، فغالباً ما تضبطن لمخالفات أخلاقية حيث يتم الكشف عن جرم التعاطي، «بالنادر لما تتعاطى فتاة عادية».

غالبية القضايا ضد النساء هي للتعاطي، يوضح الشواورة، المسؤل أيضاً عن إدارة مركز توقيف ومعالجة الإدمان، ويبين أن معالجة النساء المتعاطيات تتم في المركز الوطني لعلاج الإدمان في وزارة الصحة.

ضآلة نسبة الفتيات المتعاطيات كانت السبب وراء عدم إنشاء مركز أمني خاص لمعالجة الفتيات، لذا تم التعاون مع وزارة الصحة، في هذا المجال، حيث تقدم الإدارة خبراتها في الضبط الشرطي والمتابعة للنساء اللواتي يتم علاجهن من الإدمان، كما يقول العقيد طايل المجالي مدير إدارة مكافحة المخدرات.

يؤكد ريكان الدليمي، استشاري الطب النفسي والإدمان، وانطلاقاً من خبرة في هذا المجال تقارب الأربعين عاماً «أن أثر سمية المخدرات على المرأة مختلفة عن الرجل، فهي لا تؤثر بالقدر نفسه على قدراتها العقلية، فذاكرتها مثلاً تستمر في كثير من الأحيان حتى تحت تأثير المخدر».

ويفسر الدليمي عدم وجود نساء ما بين الوفيات بجرعات زائدة بقوله «إن تركيبة المرأة الجسمانية يجعلها تتحمل الألم أكثر من الرجل»، لكنه يستدرك بقوله بعدم وجود فروقات جنوسية في الإدمان، «فالأمر يعتمد على الشخص بتركيبته النفسية والظروف البيئية المحيطة به، فما يدفع سيدة للإدمان قد لا يدفع رجلا بالضرورة، هي مسألة نسبية».

وهذا ما يؤكده اختصاصي الطب الشرعي هاني جهشان الذي يرى أن «جسم الإنسان واحد، والاستجابة للمخدر وأعراضه تعتمد على صحة الشخص وتركيبته لا على جنسه».

سيدة عشرينية وحيدة من بين المراجعين في إدارة مكافحة المخدرات والتزييف فضلت أن يكون أسمها أمل، جاءت لزيارة زوجها الموقوف بتهمة التعاطي، تقول «مسكوه قبل ثلاث أشهر، كانت المرة الأولى إله، ما كان يقبل أطلع برا البيت لحالي، هلأ جاي لحالي أشوفه بالحبس»

تتابع وعلى وجهها الطفولي مسحة حزن تخفيها بابتسامه مرتبكة «زمان لومسكني أدخن سيجاره لخرب الدنيا، أما هو فخرب بيتنا، عادي».

المرأة والمخدرات: عوائق حمتها من التعاطي وحالت دون مشاركتها في مكافحته
 
23-Apr-2009
 
العدد 73