العدد 10 - حريات
 

ما الذي يفعله الأردنيون بفضاء من الحريات يُتاح لهم من دون رقابة أو تدقيق؟ سؤال منطقي بات الحصول على إجابة عنه ممكنة في ظل “فضاء الإنترنت”، الذي أتاح لكل شخص أن يبث إلى العالم أحداثاً ومواقف مسجلة بالفيديو، أي بالصوت والصورة معاً، تماماً كما أتاحت لكل راغب في أن يعبر عن نفسه ورأيه بحرية ومن دون قيود، من خلال مواقع التدوين التي بات يُعرف كتابها بـ”المدونين”.

لقد كان لهذا الفضاء الرحب دور هام في كشف مواقف أراد القائمون عليها أن تظل سرية وغائبة عن الرأي العام، ومن أهمها ذلك الفيديو الشهير الذي تم تصويره خفية بالهاتف النقال لعملية إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأظهر تلاسنه مع خصومه الحاضرين والهتافات التي رافقت الإعدام، وكذلك بعض مقاطع الفيديو التي صورت قيام رجال أمن بضرب متظاهرين بشكل مبرح في إحدى الدول العربية، ولهذا يمكن القول إن استطلاعاً ما يُبث في هذا الفضاء الحر يمكن أن يكون وسيلة لاكتشاف ما يفكر به المجتمع سراً، ولا يعلنه على الملأ، وبخاصة من يتعامل من أفراده مع الإنترنت، أو ما يمكن أن يمارسه إذا ما أزيحت كثير من القيود عن حرياته.

للتعرف الى سلوك الأردنيين مع هذا الفضاء الحر، قمنا باستطلاع أحد أهم مواقع بث مقاطع الفيديو على الإنترنت، وهو موقع (Youtube)، حيث أجرينا إحصائية سريعة لمائتي مقطع فيديو عن عمان في الموقع (يبلغ عددها الإجمالي نحو ألفي مقطع) مصورة من كاميرات شخصية غير محترفة، وتترافق غالباً مع كلام باللهجة الأردنية لمن يحملون الكاميرات أو يتواجدون إلى جوارهم ساعة التصوير، ما يدفعنا لافتراض أن أشخاصاً أردنيين قاموا بتصويرها وبثها على الموقع. وقد خلصنا إلى أن تلك المقاطع المصورة موزعة حسب موضوعاتها. كما هو مبين في الجدول.

يتبين أن اهتمام الأردنيين في مقاطع الفيديو التي يبثونها على الإنترنت، بحسب العينة العشوائية التي أجريت عليها الإحصائية، يتركز في المواقف الطريفة والفكاهية التي تحدث أمامهم في الشارع أو داخل البيوت والمقاهي، ثم في بث مشاهد من عمان غالباً ما تعبر عن فخرهم بمدينتهم ورؤيتهم لجمالياتها.

لكن هذا الاستعمال لذلك الفضاء المفتوح، لا يُستنتج منه أن هؤلاء الأردنيين يحسون بضيق في موضوع الحريات، وبخاصة السياسية، يغريهم باللجوء إلى الفضاء المفتوح عوضاً عن الواقع المكبوت ليعبروا من خلاله عما لا يستطيعون التعبير عنه في حياتهم اليومية، إلا إذا افترضنا أن بث المواقف الطريفة من الحياة العامة، إنما يعبر عن ضيق من الرزانة الزائدة التي يقدم الإعلام الأردني نفسه بها، وتجعله في نظرهم غير معبر عن حقيقة الواقع، وغير ناقل لصورته الفعلية.

يتبدى هذا الواقع حين مقارنة ذلك الاستعمال، باستعمال عرب آخرين لموقع الإنترنت نفسه (Youtube)، فاللبنانيون، على سبيل المثال، يبثون عبر الموقع مواقف ساخرة يمثلونها بأنفسهم تعبر عن انحيازاتهم السياسية وانتقاداتهم (غير المهذبة) لخصومهم السياسيين، أما المصريون فيركزون على الأحداث ذات الطابع السياسي كالتظاهرات. وهكذا فإن طريقة استعمال الأردنيين لهذا الفضاء، إما أنها تشي بعدم ضيقهم من حدود «سقف الحريات» السياسية والاجتماعية المتاح لهم، أو بعدم اكتشافهم حتى الآن للآفاق الواسعة التي يتيحها الإنترنت لهم لممارسة حرياتهم. الأردنيون، وعلى عكس اللبنانيين، لا يستعملون هذا الفضاء لتوجيه انتقادات سياسية غالباً ما يطرحونها في مجالسهم، كانتقاد أداء مجلس النواب مثلاً، أو انتقاد السلوك الاقتصادي للحكومة، ما لا يعكس بالتالي سلوكهم الاجتماعي والسياسي على حقيقته.

لا بل إن مقاطع الفيديو تلك التي يبثها أردنيون على الإنترنت، تكاد تخلو من التعبيرات السياسية. فهل يمثل ذلك دليلاً على عزوف الأردنيين عن السياسة وعن الاعتناء بموضوع الحريات، وبخاصة جيل الشباب منهم، والتفاتهم بدلاً من ذلك إلى الطرافة والتسلية والترويح عن النفس؟ أم هو دليل على خوفهم من الاقتراب من مواضيع السياسة ولو عبر الفضاء الافتراضي غير المرئي؟ أم أنه، مرة أخرى، دليل على تقصير كثيرين منهم في اكتشاف ما يتيحه فضاء الإنترنت من حريات، برغم حيازتهم للوسائل التكنولوجية التي تتيح لهم استعمال الإنترنت على ذلك الوجه،

حرية عبر «الفضاء»: ماذا يعرض الأردنيون في مقاطع الفيديو
 
17-Jan-2008
 
العدد 10