العدد 72 - حريات
 

بثينة جويحات

التشكيك بقدرة المرأة على ممارسة العمل الإداري، يرتبط بالفكر الإداري التقليدي الذي نشأ في بيئة يسيطر عليها الرجل، بحسب ما ترى أمل الخاروف، رئيسة قسم الدراسات والاستشارات في مركز دراسات المرأة بالجامعة الأردنية، مضيفة أن ذلك كرّس اعتقاداً مفاده أن الإدارة هي عمل يقوم به الرجل، على أساس سلوكيات ذكورية لا تتوافر لدى المرأة، مثل الحزم والجرأة والعقلانية، وهكذا برزت فرضية أن المرأة لا تجيد الإدارة، لأنها بطبيعتها عاطفية وانفعالية.

الخاروف ترى أن هذه «النظرية» غير دقيقة، لأن العاطفة ضرورية في الإدارة إذا استُخدمت بطريقة إيجابية، لأنها تجعل المرأة المديرة تكسب من حولها من الموظفين، وتحفزهم على العمل كفريق واحد.

غير أن أستاذ علم الاجتماع، شكري قيتوقة، يرى أن قدرة الرجل على القيادة تختلف عن قدرة المرأة، مبرراً ذلك بأن «هناك مناصب تحتاج إلى رجل ولا يمكن للمرأة أن تقوم بدوره فيها، بحسب التركيبة الجسمانية، وهذا لا يعني أن المرأة لا تصلح للقيادة فهي أيضاً تتمتع بصفات خاصة اكتسبتها من طبيعتها، ومنها الدبلوماسية والقدرة على الإقناع وإقامة علاقات متشعبة، فضلاً عن الصبر والهدوء». لهذا فإن الحل برأي قيتوقة، هو في «وضع كل منهما في المكان الذي يناسب قدراته».

المديرات لا يوافقن على ذلك. تقول مديرة إحدى الدوائر في مؤسسة الإسكان والتطوير الحضري، طلبت عدم نشر اسمها: «في عالم الإدارة ليس هناك ما هو سهل أو صعب، وإنما هناك مسؤولية، على المدير أن يتحملها كي يثبت وجوده في كل الأحوال، سواء كان رجلاً أو امرأة»، ورغم أنها توافق على وجود اختلافات بين المرأة والرجل من حيث التكوين والطبع، إلا أنها تؤكد أن المرأة القيادية تمتلك صفات يفتقر إليها الرجل، وهي صفات مهمة للوصول والبقاء في المناصب الإدارية، ومنها قدرتها على تحمل الضغوط بشكل أكبر، ومثابرتها للوصول إلى النجاح.

مديرة أخرى في أمانة عمّان الكبرى، رأت أن المرأة المديرة تدير العمل بطريقة أكثر فعالية وإنتاجية، وأقل خضوعاً للروتين المعرقل، من الرجال. رغم ذلك فهي لا توافق على أن «طريق المرأة في عالم الإدارة مليئة بالأشواك»، مؤكدة أنها لم تلمس ذلك في مسيرتها الوظيفية.

ثمة تجارب أخرى لنساء مديرات، مررن على الأشواك. أسماء شاهر (50 عاماً)، عملت في إحدى المؤسسات الحكومية لمدة 20 عاماً متواصلة، تقول: «رغم كفاءتي بحسب ما كان يقول المسؤولون عني، إلا أنني لم أصل في السلّم الوظيفي إلى ما أستحقه، في حين كنت أرى زملائي الرجال يترقّون باستمرار، ما دفعني بعد تفكير عميق إلى طلب إحالتي إلى التقاعد، حيث أسست مكتباً خاصاً بي». أسماء تدير عملها الآن بأسلوب «الإقناع والتوعية» مع الموظفين، ما يُشعرها بمتعة كبيرة في العمل، بحسب ما تقول.

نانسي ذيب (48 عاماً)، وهي مديرة مكتب دعاية وإعلان، تؤكد هي الأخرى فكرة «الأشواك»، فقد عملت لمدة 13 عاماً في شركة، أسست خلالها قسم العلاقات العامة والإعلام، وتشرح: «بدأته وحدي، وشاهدته يكبر وينمو، كبرت معه وازدادت خبرتي، وكنت خلال تلك الفترة أتقاضى راتباً أقل من زملائي الرجال، وشعرت بعد هذه السنوات أن رأسي قد ارتطم بالسقف، إذ إن الشبان الذين تعينوا بعدي استمروا في الارتقاء، بينما توقفت أنا عند منصب رئاسة القسم ولم تعد أمامي أية فرصة للترقي الوظيفي، فاستقلت وأسست عملاً خاصاً بي». نانسي ترى أن هذه المشكلة تواجه النساء في القطاعين العام والخاص، وفي معظم الدول.

الموظفون من الجنسين لهم وجهة نظرهم في هوية المدير الذي يفضّلونه. خلود محمد (28 عاماً، موظفة في القطاع الخاص) تفضّل أن يكون مديرها رجلاً، وتبرر ذلك بأن الغيرة تقع بين المديرة والموظفات مهما كانت درجة ثقافة تلك المديرة وخبرتها، وهذا يؤثر في سير العمل.

كذلك، فإن رندا توفيق (31 عاماً، موظفة في مؤسسة حكومية) تفضّل التعامل مع المدير الرجل لا المديرة المرأة، معتقدة أن «التعامل مع الرجل أسهل، فالمرأة تحكمها الغيرة، إضافة إلى أن الرجل يخجل من التعامل مع النساء بفوقية كما تفعل أغلبية النساء المديرات».

أشرف الزعبي (35 عاماً، موظف في القطاع الخاص) يرى هو الآخر أن التعامل مع المدير الرجل أسهل من التعامل مع المديرة المرأة، لأن «المرأة تحاول أن تثبت دائماً أنها قوية الشخصية كالرجل».

أكرم النجار (57 عاماً، المدير في إحدى المؤسسات الحكومية) يؤيده في ذلك، معتقداً أن المرأة أقل مقدرة من الرجل على تسلّم المناصب الإدارية، كونها «غير مؤهلة للإدارة، ولا يناسبها إلا العمل في مهن محددة كالتدريس والصيدلة».

وحدها مي سنان (38 عاماً، الموظفة في مؤسسة حكومية) ترى أنه ليس هناك فرق بين أن يكون المدير رجلاً أو امرأة، لأن «الكفاءة هي أساس الإدارة الجيدة وليس جنس المدير». لكن رأي مي وحده لا يكفي وسط هذا الطوفان من النظرة الاجتماعية غير الإيجابية تجاه تولي المرأة منصبَ الإدارة!.

المرأة المديرة: يتّهمونها بالتسلّط وتعدّ نفسها مظلومة
 
16-Apr-2009
 
العدد 72