العدد 72 - كتاب
 

منذ بداية التسعينيات، وفي موازاة التبني الرسمي للتوجهات والسياسات الاقتصادية الانفتاحية المدرجة في البرامج الاقتصادية والمالية والنقدية الصندوقية التي وضع لها عنوان «التصحيح ا لاقتصادي وإعادة الهيكلة»، جرى تنفيذ العديد من التشويهات والتغييرات السلبية في معظم مكونات «المنظومة الضريبية الأردنية»، التي أفقدتها الكثير من مزاياها وتأثيراتها الإيجابية في تطوير الاقتصاد الأردني وتنميته المستدامة، كما أخلّت بمرتكز العدالة الاجتماعية للضريبة من جهة، وأيضاً وتدريجياً أطاحت بمبدأ دستورية الضريبة وتوافقها مع مضمون ومفهوم التقاعدية المنصوص عليه في المادة 111 من الدستور الأردني.

وهكذا، وبينما كان جوهر المنظومة الضريبية يتوازى مع اعتماد مركزية الضريبة المباشرة المتصاعدة المتمثلة في قوانين ضريبة الدخل المتتابعة وحتى القانون رقم 57 لسنة 1985، وبشكل أقل بكثير على فرض رسوم وضرائب غير مباشرة، فإنّه بعد العام 1990، جرت عدة تعديلات أو اختلالات في منظومة الضريبة الأردنية، تم بموجبها فرض الضريبة غير المباشرة، المسماة «ضريبة المبيعات» أو «ضريبة القيمة المضافة» في العام 1994، واستمرت التعديلات في اتجاه تواصل رفع معدلاتها ومن 7 في المئة، في البداية، إلى 16 في المئة حالياً، إلى جانب تكرار توسيع نطاق سريانها لتشمل سلعاً وخدمات جديدة، وليكتوي بنار هذه الضريبة وأخواتها من الرسوم الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المحدود، والمتوسط، والمتدني، ولتصبح هذه الضريبة الأكبر في رقم حصيلتها، والأشد وطأة في ثقل عبئها على العاملين، والمزارعين، والحرفيين، وصغار الكسبة.

في المقابل، اتجهت التغييرات إلى مزيد من التشويه والاختلال الضريبي بإجراء سلسلة من التخفيضات المتتابعة في السقوف العليا لنسب ضريبة الدخل على الدخول العالية ومن 45 في المئة، إلى 35 في المئة، 25 في المئة، و15 في المئة في المتوسط، وتقليص مبدأ تصاعدية هذه الضريبة إلى أدنى مستوى، كما تم إقرار واعتماد العديد من الإعفاءات من هذه الضريبة لشرائح كبار المتمولين الرأسماليين: أفراداً وشركات، كما لم يخل المسلسل التشويهي من شطب ضرائب مباشرة بالكامل، مثل ضريبة الرسملة 16 في المئة على رسملة الاحتياطيات، وضريبة التوزيع 10 في المئة على الأرباح الموزعة من الشركات المساهمة.

التشوهات والتخفيضات والإعفاءات في ضريبة الدخل الأردنية تمت بقفزات متسارعة، وفي أوقات متقاربة، فيما كانت مثيلاتها في الولايات المتحدة وفي المجموعة الأوروبية الرأسمالية تتم بنسب محدودة، وبخطوات بطيئة، وما زال الحد الأعلى لهذه الضريبة في معظم هذه الأقطار فوق 35 في المئة، وأيضاً ما زال معمولاً بضريبة التوزيع، وبنسب أعلى بكثير تصل في قُطر رأسمالي مثل سويسرا إلى 35 في المئة.

الاختلالات والتخفيضات في ضريبة الدخل الأردنية، واتساع مدى الإعفاءات منها لصالح كبار الأثرياء والمُلاّك، وأصحاب الأعمال، كانت أحد الأسباب الرئيسة في عدم تحقق نمو متوازن في الإيراد، ومن ثم تواصل تنامي العجز في الموازنة السنوية، خلافاً للهدف المعلن في البرامج الصندوقية بضرورة تقليصه إلى أدنى مستوى أو حتى تحقيق فائض فيه، ولتكون التشوهات والاختلالات السابقة سبباً رئيساً في الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية العامة في الأردن.

المفارقة أنه بدلاً من أن يكون الهدف من أي تشريع ضريبي جديد، بالتعديل أو بالتغيير، تصويب وتصحيح التشوهات والاختلالات العميقة السابقة في المنظومة الضريبية وفي النهج الاقتصادي الليبرالي الجديد، وبما يعيد إلى الاقتصاد بعض توازنه، وللعدالة الاجتماعية جانباً من اعتبارها، وذلك بوضع وإقرار تشريعات تعيد الصدارة إلى ضريبة الدخل والضرائب المباشرة، وتحد من تمدد وتغوّل ضريبة المبيعات والرسوم، فإنّ الحكومة ممثلة بوزير المالية الليبرالي خرجت علينا بـ«بشرى» التوجه إلى وضع «مشروع قانون ضريبة جديد»، وصف بالموحد يجمع بين ضريبة الدخل وضريبة المبيعات، وضريبة الطوابع، أو خلط «شعبان» بـ«رمضان»، ولكن جوهره يبقى الاستمرار والإمعان في المسار التشويهي والاختلالي نفسه، في المنظومة الضريبية، وفي وقائع الاقتصاد وتنميته المتوازنة والمستدامة، وفي مزيد من الاختلالات والتوترات الاجتماعية، إذ دون أن يرف لمتبنّي مشروع القانون الضريبي الجديد جفن عندما يشيرون إلى أن الهدف منه إجراء تخفيض مفرط غير مسبوق للحد الأعلى لضريبة الدخل على ربحية البنوك من 35 في المئة إلى 20 في المئة، مرة واحدة، وتخفيضات على ربحية نشاطات أخرى من 25 في المئة، 15 في المئة إلى 10 في المئة، أو إلى أكثر من ذلك قليلاً، وبطبيعة الحال مع إبقاء أو حتى توسيع نطاق الإعفاءات الضريبية بما فيها إعفاء الأرباح الرأسمالية في المتاجرة في البورصة وفي العقارات وغيرها.

ما يدعو للاستغراب والاستنكار أكثر ما أشارت إليه وسائل إعلام وفعاليات اقتصادية واجتماعية من أن معظم بنود مسودة القانون الجديد المطروح وضع من طرف صندوق النقد الدولي، ومؤسسات أجنبية موازية له، بل إنه من المستهجن تبني مشروع كهذا في فترة «أزمة اقتصادية ومالية شاملة» محلياً تتسم في ما تتسم به بتراجع حاد متوقع في الإيرادات، وزيادة ضرورية أكبر للإنفاق، وبما يمكن أن يؤدي إلى مضاعفة «عجز الموازنة الأردنية»، من رقم سبق تقديره بعد المساعدات بقيمة 689 مليون دينار إلى أكثر من 1000 مليون دينار على أقل تقدير، وما يتبع ذلك من تداعيات بالغة السوء على أكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي وسياسي.

أحمد النمري: قانون ضريبي نحو الأسوأ
 
16-Apr-2009
 
العدد 72