العدد 72 - الملف
 

محمد جميل خضر

باستعراض سريع لمنجزه الإبداعي والنقدي والبحثي، يمكن إماطة اللثام عن وجهات الكاتب الأردني الراحل يعقوب العودات الملقب بـ (البدوي الملثم) واهتماماته، وهي اهتمامات، شكّلت الطابع العام لكثير من كتاب عصر النهضة العربية، وتداعياته.

يعقوب حنا العودات، ابن مدينة الكرك والمولود فيها العام 1909، كان من هذه النخبة من الكتاب العرب، الذين تأثروا بالحداثة من جهة، وظلوا متمسكين بقالب معين من قوالب التراث، وتحديداً ما يرتبط منه بالإطار والشكل.

المثابرة، والإخلاص الفطري للكتابة والمعرفة والإبداع، هي الصفات الأولى التي يمكن التقاطها، عند الاستعراض السريع لسيرة الأديب الأردني الذي توفي الثالث والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1971. فرغم اضطراره لترك الدراسة والتوقّف عند التعليم الابتدائي فقط، فإن البدوي الملثم درس على نفسه بمساعدة أساتذة المدرسة الأميرية في الكرك، واجتاز امتحان هذه المدرسة بتفوّق، ثم أتمّ المرحلة الثانويّة في إربد في العام 1931.

ضيق ذات اليد لاحقه حتى الدراسة الجامعية، فلم يستطع إكمال دراسته في الجامعة السورية في دمشق –جامعة دمشق حالياً- التي التحق إليها محملاً بأحلام عريضات، فصرف النظر عن الدراسة إلى حين، والتحق بالوظيفة، فعيّن معلّماً في وزارة المعارف – وزارة التربية والتعليم حالياً- ودرّس الأدب العربي والتاريخ في مدارس عمّان، وسوف، والرمثا، وجرش ستة أعوام.

نُقل من سلك التعليم إلى رئاسة الوزراء. وبعد ثماني سنوات أمضاها في الوظيفة الحكومية في شرقي الأردن استقال وسافر إلى القدس، ليعمل في قلم الترجمة التابع للسكرتارية العامّة لحكومة ففلسطين، وكان ذلك سنة 1944. وفي القدس تزوّج من نجلاء ابنة الصحافي الفلسطيني بولس شحادة، وعاصر النكبة الفلسطينية العام 1948، وعاد إلى شرقي الأردن مع أفواج اللاجئين الفلسطينيين، سافر العام 1950 في رحلة علمية إلى المهاجر العربية في أميركا الجنوبية، واستغرقت الرحلة مدة عامين ونصف العام.

عرف عن يعقوب العودات نشره في بعض الصحف الفلسطينية، والسورية بتواقيع مستعارة، مثل: أبو ورجة، حماد البدوي، أبو نظارة، نوّاف، فتى مؤاب، فتى البادية، وذلك قبل أن يستقرّ العام 1932 على توقيعه الشهير الذي غلب على اسمه الحقيقي؛ البدوي الملثّم، الذي اختار التسمي به بعد أن رأى ذات يوم وهو يتنزه على طريق السيل بعمان بدوياً ملثماً على ظهر ناقة تسير به خبباً والمحجن في يده، فأعجب بهذا المنظر وقرر أن يوقع مقالاته وكتاباته باسم (البدوي الملثم).‏

نشر العودات في صحف ومجلاّت عديدة في الأردن وسوريا ولبنان ومصر والكويت، وفي العام 1956 نشر كتابه الموسوعي «الناطقون بالضاد في أميركا الجنوبية» في جزأين وصدر عن دار الريحاني في بيروت العام 1956، واشتمل على قصة الهجرة العربية ومعالم الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية وتراجم لأعلام الأدباء وشعراء المهجر، وتضمن سجلا دقيقاً للصحف العربية التي صدرت هناك.‏

ومن أبرز ما كتب العودات كتاب «عرار.. شاعر الأردن» الصادر في العام 1958 عن المطبعة الوطنية، الذي اعتمد فيه على الحكايات والقصص والنوادر التي كانت تروى عن الشاعر عرا، فقد ارتبط العودات خلال حياته بعلاقة خاصة بعرار رغم فارق السن بينهما، وهي علاقة استمرت

على مدى أعوام طويلة، قبل أن يترجل عرار أولاً عام 1949، وبذلك فإن العودات يعتبر رائدا في الكشف عن شخصية عرار وشعره، فقد تحول كتابه إلى مرجع مهم لمن جاء بعده للكتابة عن شاعر الأردن الأكبر مصطفى وهبي التل الذي اشترك مع العودات في أن لقبه عرار غلب على اسمه الحقيقي تماما مثلما غلب اسم البدوي الملثم على اسم يعقوب العودات.

البدوي الملثم: عاد من فلسطين مع اللاجئين
 
16-Apr-2009
 
العدد 72