العدد 72 - الملف
 

نضال برقان

بعد تجربة متواضعة لمدينة إربد، وأخرى خجولة لمدينة السلط، تحمل الكرك راية الثقافة الأردنية لعام 2009، متأملة أن تشكل نموذجا يحتذى على صعيد تجربة المدن الثقافية، مستفيدة من إرث تاريخي عريق ومنجز حضاري جدير بالاحترام، إضافة لبنية تحتية تسمح بتحقيق تلك الرغبة، إذا توفرت الإرادة الصادقة والعزيمة الأكيدة لذلك.

اختيار المدينة جاء مبكرا، فبعد أن أقرت اللجنة المكلفة باختيار مدينة الثقافة الأردنية اختيار إربد لتكون مدينة الثقافة الأردنية لعام 2007، أقرت اللجنة ذاتها اختيار السلط للعام التالي، على أن تكون الكرك مدينة الثقافة العام الذي يليه، وهو ما كان، الأمر الذي أتاح فرصة نموذجية لوضع رؤية استراتيجية ثقافية للمدينة في وقت مبكر نسبيا، بخاصة وأن غاية مشروع المدن الثقافية هو خلق حالة من المنافسة بين المدن الأردنية للارتقاء بالحال الثقافي للبلاد.

أولى فعاليات التظاهرة، التي تمثلت بأسبوع تضامني مع الأهل في غزة بعنوان «من مدينة الثقافة الأردنية إلى عاصمة الدم غزة هاشم»، مطلع العام الجاري، تضمنت حملة للتبرع بالدم ومسيرة للشموع شارك فيها أطفال ونساء ورجال المدينة، وأمسيات شعرية وفنية ذات طابع تضامني مع غزة، ما عزز الدور التاريخي والنضالي للمدينة في الوجدان الجمعي، وما أكد توجه المدينة العروبي وعمقها الإنساني.

أجندة التظاهرة تضمنت جملة من الفعاليات لشهر نيسان/أبريل الجاري، بحسب الموقع الرسمي لها. أما الملف الذي تم على أساسه اختيار الكرك مدينة للثقافة الأردنية فيتضمن 170 مشروعا، ومنها بدء تنفيذ المشروع السياحي الثالث وإنشاء جسر الكرك كمعلم حضاري، والذي من شأنه أن يسهم في إنعاش الحركة الثقافية في المدينة وتطورها، غير أن الحديث عن إستراتيجية ثقافية للمدينة لم يطرح من جانب أحد.

الشعار الذي اعتمدته المدينة للتظاهرة وضع من قبل الفنان يوسف الصرايرة، الذي استفاد من الدلالات التاريخية للمدينة، حيث تم استخدام مسلّة ميشع، أشهر ملوك الحضارة المؤابية (860ق م)، التي تحمل نقوشا باللغة الآرامية، التي شكلت فيما بعد عمارة الخط العربي بالتجاور مع الحرف النبطي، كما تم تثبيت جسم المسلّة ذات الصياغة التشكيلية الحديثة على أكتاف كلمة الكرك، لتفضي بالتالي إلى استمرار تكريس الحضارة العربية، ومسلّة الملك ميشع التي اكتشفت في ذيبان في القرن التاسع عشر، هي الوثيقة التي تؤرخ للمملكة المؤابية التي امتدت من حسبان شمالاً وحتى الحسا جنوباً، ومازالت نسختها الأصلية المسلّة في متحف اللوفر بفرنسا.

يبدو أن الطموحات كبيرة والإنجاز على أرض الواقع ليس بحجمها، غير أنه جدير بالتقدير والاحترام، وإذا أخذنا في الاعتبار أن توزيع مكتسبات الثقافة وتنميتها مسألة تحتاج إلى تضافر جهود الجميع، وإلى فترة زمنية لتحقيقها، فإن ما يجري على أرض الواقع كفيل بتمهيد السبيل لتحقيق ذلك وإن لم يكن في القريب العاجل.

الكرك الثقافية: طموحات المدينة القديمة
 
16-Apr-2009
 
العدد 72