العدد 72 - الملف
 

دلال سلامة

من شعر الماعز، فلم يكن أهل السماكية، قريته الصغيرة في الكرك، قد سكنوا في ذلك الوقت بيوت الطين والحجر بعد. والده كان من قلة في القرية ممن يجيدون القراءة والكتابة، وكان يمتلك قطيعا صغيرا من الماشية، رغم ذلك فقد عانى يعقوب الصغير من الفقر، وكان كالآخرين يذهب إلى المدرسة حافيا شبه عار، يجلس في الشتاء على الأرض الباردة. وإن تميز أحيانا على الأطفال الذين كانوا يحضرون إلى المدرسة أرغفة خبز الشعير والذرة، بأنه أحيانا كان الطالب الوحيد الذي يحضر ومعه رغيف مصنوعا من القمح.

تشكل وعيه الأول في مدارس الرهبان والراهبات، وكان بسبب ذلك متدينا جدا في طفولته، ويعتقد أن الصلاة والدعاء هي وسيلة الإنسان للتخلص من الفقر، ولكن صدمة الولد الذي غادر العام 1941 لدراسة الحقوق في دمشق، ولم يكن قد رأى أبعد من السلط التي درس في ثانويتها، لم تكن في اتساع شوارع المدينة، ولا ضخامة مبانيها، ولا متاجرها المليئة بكل أصناف البضائع، بل في أنه في يومه الأول اصطدم بتظاهرة في ساحة المرجة، هاجم أصحابها مبنى بلدية دمشق، وهم يطالبون بالخبز، ويشتمون رئيس الوزراء آنذاك، وكانت هذه الحادثة هي بداية تشكل وعيه السياسي.

بعد سنة من دراسة الحقوق، قرر زيادين، استجابة لرغبة قديمة لديه التحول إلى دراسة الطب، وقد درسه فعلا لمدة سنة في الجامعة نفسها، لكنه غادر بعد ذلك إلى بيروت، ليدرس الطب في الجامعة اليسوعية، حيث تخرج في العام 1950، وعاد إلى الأردن ليعمل في مستشفى أوغستا فيكتوريا في القدس.

خلال إقامته في دمشق وبيروت، عمل زيادين في صفوف الحزب الشيوعي السوري اللبناني آنذاك، فقد كان للبلدين حزب واحد، وعندما حضر إلى القدس انتسب إلى عصبة التحرر الوطني الفلسطيني، وهو اسم الحزب الشيوعي الفلسطيني قبل أن يلتحم في ربيع العام 1951 بالخلايا الماركسية الأردنية، لينتج عنه الحزب الشيوعي الأردني. وقد بقي الحزب الشيوعي الأردني نشطا في الضفة الغربية بعد احتلالها، حتى العاشر من شباط/أبريل 1982، حين أعلن عن تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي تحول بعد ذلك إلى حزب الشعب الفلسطيني.

دفع زيادين ثمنا باهظا لنشاطه السياسي؛ سنوات من الاعتقال بلغت في مجموعها اثنتي عشرة سنة، راوحت بين اليوم والثماني سنوات. بدأت مسيرة السجن العام 1953، عندما اعتقل في الجفر لخمسة أشهر وخرج بقرار من محكمة العدل العليا. واختفى زيادين بعد إعلان الأحكام العرفية العام 1957، قبل أن يقبض عليه بطريقة روى تفاصيلها في كتابه الشهير “البدايات”، وقضى في السجن ثماني سنوات متصلة، وعندما خرج من السجن العام 1965 غادر إلى ألمانيا الديمقراطية، آنذاك، حيث تخصص في جراحة المسالك البولية والتناسلية، وعاد بعد ثلاث سنوات إلى عمان، وافتتح فيها عيادته.

قصة زيادين مع الانتخابات النيابية زاخرة بالمفارقات، فقد خاض الانتخابات مرشحا عن مقعد مسيحي في مدينة القدس مرتين؛ في العامين 1954 و 1956، ونجح في ليصبح ابن الكرك نائبا عن القدس. في العام 1989 ترشح زيادين، وهو بعد في حالة اختفاء على خلفية الأحكام العرفية التي كانت معلنة آنذاك، عن الدائرة الثالثة، لكنه لم يحرز نجاحا كالذي حققه في القدس قبل ذلك بثلاثة وثلاثين عاما.

زيادين الذي بدأ نضاله بانتسابه إلى الحزب الشيوعي العام 1943، ما زال وبعد أكثر من خمسة وستين عاما، وبعد زلزال الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية، يؤمن بأن ما حدث لم يكن انهيارا للشيوعية بل تراجعا لها، وأنها ما زالت “الحلّ للبشرية”. وحتى الانقسام الذي تعرض له الحزب الشيوعي الأردني إبان انهيار الكتلة الاشتراكية، فإن زيادين يصر في شهادة له على أنه ليس انقساما بل “إجازة أخذها الذين أفقدهم الزلزال قناعتهم بأفكار الحزب”.

زيادين ابن الكرك نائباً عن القدس
 
16-Apr-2009
 
العدد 72