العدد 72 - الملف
 

السجل - خاص

لم تكن الكرك في الخمسينيات من القرن الماضي بعيدة عن الحراك السياسي الذي لف البلاد في ظل حالة من الغليان الجماهيري بعد نكبة فلسطين، وما تبعه من محاولات تشكيل حلف بغداد وضم الاردن إليه، غليان أسفر في العام 1956 عن إجراء أول انتخابات نيابية “نزيهة نسبيا” والتي انبثقت عنها أول حكومة حزبية أردنية!

رغم الطابع المحافظ “اجتماعيا” للكرك، وانخفاض مستويات المعيشة في عقد الخمسينيات، فإنها كانت من المدن الاردنية القليلة، بعيدا عن العاصمة عمان ومدن الضفة الغربية الرئيسية، التي شهدت حضورا وحراكا سياسيا لافتا للأحزاب التاريخية، وعلى رأسها الحزب الشيوعي الأردني وحزب البعث العربي الاشتراكي، إضافة إلى حركة القوميين العرب.

يستذكر الأمين العام السابق للحزب الشيوعي، يعقوب زيادين، أن الكرك قبل الخمسينيات لم تكن فيها أحزاب، بل تجمعات وطنية. ويلفت إلى إن استضافة الكرك لسلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى، والمنفيين السوريين بعد الثورة وفرت بيئة وطنية وقومية سياسية مهمة في الكرك، أضيفت إلى تاريخها النضالي وثوراتها ضد الأتراك والانتداب البريطاني.

ويلفت زيادين إلى أن الكرك خرجت شخصيات وطنية ومناضلة كبيرة كان لها بصمات مهمة في تاريخ الكرك والأردن، مشيرا إلى ثورة قدر المجالي عام 1910 على العثمانيين، والمؤتمر الوطني الأول بقيادة حسين الطراونة عام 1928، بمشاركة نحو 150 شخصية من شيوخ العشائر ورموزها، ومنهم عدد كبير من الكرك.

قبل الخمسينيات من القرن الماضي ساهم العشرات من أبناء الكرك ممن درسوا في الجامعات العربية في حينه، في بغداد والقاهرة ودمشق، في خلق حالة تنويرية وفاعلة سياسيا في المدينة الجنوبية. ومطلع الخمسينيات انضم العديد من أبناء الكرك الى الاحزاب التي تشكلت في المملكة متدادا لأحزاب عربية أو أممية مثل البعث الاشتراكي والشيوعي والقوميين العرب، إضافة إلى الأحزاب الوطنية المحلية، مثل حزب الشعب الاردني الذي أسسه المحامي عبد المهدي الشمايلة، قبل أن يحل ثم يعيد تأسيسه في 1952. إضافة إلى انتساب عدد من أبناء الكرك الى الحزب الوطني الاشتراكي الذي شكل رئيسه سليمان النابلسي الحكومة الحزبية الوحيدة عام 1956.

تشكلت أولى الخلايا الماركسية في الاردن من قبل شخصيتين من الكرك هما يعقوب زيادين وعيسى مدانات، إضافة إلى رفيقهم الثالث، نبيه ارشيدات، وذلك قبل أن يتشكل الحزب الشيوعي الأردني عام 1951، فيما كان المحامي ابراهيم الحباشنة أحد مؤسسي حزب البعث الاشتراكي من الكرك، والذي ما انشق عن حزب البعث مع رفيقه عبد الرحمن شقير، وانضما إلى الجبهة الوطنية التي كانت واجهة موسعة للحزب الشيوعي الأردني.

وكان لحزب البعث الاشتراكي حضور مهم في الكرك أيضا، لكن علاقته بالحزب الشيوعي كانت، عموما، علاقة صراع واختلاف، كان يتحول إلى خلاف، وذلك امتدادا للخلافات التي اجتاحت العالم العربي في الخمسينيات بين القوميين الذين كان البعثيون أبرز ممثليهم، وبين الشيوعيين.

ويشير زيادين إلى أن الحزب الشيوعي ضم في فترة الخمسينيات العشرات من الاعضاء المؤسسين من الكرك، اغلبهم من خريجي الجامعات العربية، والذين كانوا ينتمون إلى مختلف العشائر والطوائف.

ويستذكر زيادين اول تظاهرة نظمها الحزب الشيوعي في الكرك. وقال انها جرت في 1954 ضد حكومة هزاع المجالي على خلفية التوجه للانضمام لحلف بغداد. ويصف التظاهرة بأنها “كانت مظاهرات واسعة وشملت أيضا قرى الكرك وشكلت لها لجانا تنظيمية”.

وشاركت في مظاهرات الكرك، التي خرجت مثيلاتها في مختلف مدن المملكة ضد حلف بغداد، مختلف القوى السياسة والوطنية.

ويلفت زيادين إلى أن المعلمين في المدرسة الأميرية في الكرك (كان التدريس فيها حتى الصف الثامن)، شكلوا حالة تنويرية وسياسية مهمة في الكرك في الخمسينيات، وقبلها في الأربعينيات والثلاثينيات، ويستذكر من مدرسي مدرسة الكرك البارزين: حسني فريز، ممدوح ارشيدات، سعد النمري، متري حمارنة، نصوح الروسان، سيدو الكردي، محمود أبو غنيمة وخليل الساكت.

وحول وجود حضور لحركة الاخوان المسلمين في الكرك في الخمسينيات، يقول زيادين، بعد أن لفت إلى أنه امضي فترة طويلة الخمسينيات في القدس، “لم يكن هناك حضور قوي للإخوان في الكرك في تلك الفترة على حد علمي، على الأقل مقارنة بالشيوعيين والبعثيين والقوميين العرب”.

الكرك في الخمسينيات: غليان سياسي
 
16-Apr-2009
 
العدد 72