العدد 72 - أردني
 

نور العمد

«ذبحتونا»، «هلكتونا»، و«زوّدتوها»، ليست مجرد كلمات يائسة يعبّر بها مواطن عن رفضه لما يحدث في البلاد، بل هي عناوين لحملات بدأت تلقى صدىً في أوساط مجتمع يتلمس طريقه مع الحركات الاجتماعية.

الحركات الاجتماعية نوع من أنواع الفعل الجماعي بصورة تنظيمية غير رسمية لأفراد ومؤسسات مجتمع مدني، يركزون على موضوعات سياسية أو اجتماعية محددة، بهدف إحداث تغيير مجتمعي.

تمتاز الحملات التي تأخذ صيغة الحركات الاجتماعية، بأنها ذات طابع طالبي شعبي، عنوانها «نعم لحياة كريمة»، «لا للظلم والقهر»، وبدأت تنتشر في المجتمع فارضةً نفسها بقوة، لما أدّته من دورٍ في تغيير السياسات على الصعيد الرسمي.

«ذبحتونا»، «هلكتونا»، «لا لرفع الأسعار»، «حملة الخبز والديمقراطية»، وآخر طبعة من هذه الحملات حملة «زودتوها»، وحركة الشباب المستقلين في الأردن (shabab jo)، جاءت في معظمها «نتاج تفريخ حزبي». حيث إن الأحزاب، كما يرى قائمون عليها، تعاني من عدم قدرتها على الحراك والتأثير شعبياً، ومن إحجام المواطنين عن الانضمام إليها، فضلاً عن قانون الانتخاب الحالي، وقانون الاجتماعات العامة الذي ضيق عليها الخناق، وأضعف من دورها السياسي في المجتمع. لذا كان اللجوء إلى أسلوب أسهل من حيث الحركة، وأخفّ وطأة أيديولوجياً من العمل الحزبي.

لكن أستاذ علم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا سالم ساري، يرى أن هذه الحملات «أشبه بالفطريات ونظام الفزعة»، ويضيف في تصريح لـ«ے»: «إنها أشكال غير مكتملة لمنظمات المجتمع المدني، وغير منضبطة، ويراد بها أن تكون بديلة لمنظمات المجتمع المدني الحقيقة والفاعلة في توجيه السياسيات العامة للمجتمع. لا يمكن عدّ هذه الحملات منظمات فاعلة، فهي لا تدافع عن القضايا الكبرى وقيم الحرية وحقوق الإنسان».

رغم ذلك، يتوقع ساري أن يزداد عدد هذه الحملات، ويتسع نشاطها، مع ارتفاع الأسعار وزيادة وطأة العولمة في المجتمع، و«ربما تتحول إلى تنظيمات أكثر وعيا ونضجا وتأثيرا».

من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية موسى شتيوي، أن هذه الحركات الاجتماعية ظاهرة جديدة على المجتمع، وليست منبثقة من أطر موجودة، مثل الأحزاب، وأنها «تركز على جانب واحد وقضية بعينها، وليست منخرطة في إطار أيديولوجي واحد، بل يجتمع أعضاء كل حملة على مطالب معينة».

من العوامل التي ساهمت في ظهور هذه الحملات، بحسب شتيوي، «بشاعة الأسلوب السياسي السائد، وفشل الأحزاب التي يجب أن تدافع عن هموم الناس وقضاياهم، إضافة إلى المستجدات التي تطرأ على المجتمع، بخاصة في المجال الاقتصادي».

هذه الحملات خرجت من عنق زجاجة الأحزاب، وشجعت الشبان للانخراط في العمل العام، والدفاع عن حقوقهم باستخدام وسائل تكنولوجية.

من أبرز الحملات التي تركت تأثيرا واضحا في عدد من القرارات في مجال التعليم، حملة «ذبحتونا»، التي حققت مؤخرا مكاسب للطلبة، كان آخرها تخفيض الرسوم الجامعية في عدد من الجامعات الخاصة بعد سلسلة اعتصامات طالبية.

منسق حملة ذبحتونا فاخر دعاس، أكد في حديث لـ«ے» أهمية ارتباط هذه الحركات بالأحزاب، ووصف من يحاول قطع الصلة بين الأحزاب وهذه الحركات، «كمن يحاول الاصطياد بالماء العكر»، كاشفاً أن هذه الحركات «ستعيش حالة من الضياع إذا ما فقدت حاضنتها الأولى، الأحزاب».

ويضيف دعاس: «مبادرة (ذبحتونا) ليست مستقلة، وصاحب المبادرة فيها هو المكتب الشبابي لحزب الوحدة الشعبية، وانضمت لها مكاتب شعبية وطالبية في عدد من الأحزاب: الشيوعي، والبعث الاشتراكي، والحركة القومية، وحزب جبهة العمل الإسلامي، إضافة إلى عدد من الكتل الطالبية الفاعلة».

ويبين أن تنوع العضوية في مكونات الحملة، ساهم، الى حد كبير، في عدم تغليب المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة الطالبية العامة.

حملة «لا لرفع الأسعار» حالها كحال «ذبحتونا»، فقد انطلقت بمبادرة من الحزب الشيوعي الأردني وحزب الشغيلة الشيوعي الأردني آنذاك. وهي حملة جماهيرية تعمل في الشارع، وتضم أعضاء في أحزاب أخرى ومستقلين، بحسب نهاد زهير (عضو في الحملة) الذي أوضح أن الحملة «تهدف لمحاربة الغلاء، ومناهضة السياسات الاقتصادية الضعيفة التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة، غير القادرة على وقف مسلسل ارتفاع الأسعار واستنزاف جيوب المواطنين».

كتلة التجديد العربية (قوى طالبية) في الجامعات الرسمية، أعلنت هي الأخرى، عن انطلاق حملة «زوّدتوها»، كحملة طالبية واسعة لاستئصال مشكلة المواصلات بشكل جذري. هذه الحركة لا ترتبط بحزب معين، أو على الأقل لم يُعلن عن ذلك حتى إعداد هذا التقرير.

تسعى الحملة، وفقا لمنسقها يوسف عودة، إلى تنظيم مواقف الحافلات بطريقة مناسبة وحضارية، وربط أجرة الحافلات بالزيادة والنقصان في سعر المحروقات، مع إيجاد شركات بديلة أو مساندة لتعزيز ثقافة المنافسة، ومنع سياسة «الركوب على الواقف» التي تعرّض أرواح الطلبة للخطر.

من جهة أخرى، نشأت حركة شبايية مستقلة تحت شعار «فيكو الخير يا شباب الأردن»، بهدف تفعيل دور الشبان في المرحلة العمرية 16 - 35 سنة. الحركة التي لا تعمل لصالح أي جهة أو حزب، وفق القائمين عليها بحسب ما جاء في موقع «عمون» الإلكتروني، تلتزم في عملها القانونَ الأردني وتحترم الدستور، وتسعى إلى تفعيل دور الشبان بشكل جدّي، وتقليل نسب البطالة، وتطالب بصرف 50 دينارا شهريا لكل شاب متعطل عن العمل، وتدعو الشباب إلى خوض العراك السياسي، والمشاركة في صنع القرار، وإلغاء مفهوم «ابن مسؤول» من قاموس الدولة، وتخفيض رسوم الجامعات بنسب 30 - 70 في المئة، وإجراء انتخابات إجبارية في كل جامعة رسمية لانتخاب مجلس للطلبة.

كما أسس محامون حملة «هلكتونا» لمجابهة ما أسموه «تغول شركات التأمين على جيوب المواطنين».

تهدف «هلكتونا»، وفقا لمنسقها عبد الكريم الشريدة، إلى دراسة الحلول العملية للحد من حوادث السير، والمطالبة برفع سن الحصول على رخصة قيادة المركبات، واستبدال سيارات حديثة بالقديمة بما يضمن المساواة بين جميع السيارات، والحيلولة دون استمرار الاستثناءات المخالفة للقانون.

«الحملة ستطالب بتخفيض أقساط التأمين، ودراسة مدى تناسبها مع قيم المخالفات من دون إلحاق ضرر بجميع الأطراف»، يقول الشريدة، مضيفا أن المواطن الأردني «واقع بين فكّي الحكومة وحيتان التأمين». وتهدد الحملة بتنفيذ جملة إجراءات تصعيدية مثل الإضرابات والاعتصامات في حال لم تستجب الجهات لمطالبها.

هناك أيضاً حملة الخبز والديمقراطية، التي عقدت مؤتمراً صحفياً مؤخراً في وجه خصخصة مستشفى الأمير حمزة، وكشفت عن نيتها التصعيدَ إذا لم تتراجع وزارة الصحة عن خطوات خصخصة المستشفى. هذه الحملة منبثقة عن حزب الوحدة الشعبية.

لكن عقبات وتحدّيات كثيره تواجه هذه الحملات، كإثبات شرعيتها وفقا لدعاس الذي يستطرد بالقول: «حملة (ذبحتونا) نجحت إلى حد كبير، حيث كرست نفسها كرقم في معادلة التعليم العالي لا تستطيع الوزارة ولا الحكومة ولا الجامعات أن تتجاوزها، وكسبت شرعيتها من التفاف الطلبة حولها، فضلا عن القدرة على استنهاض الطلبة للوقوف في وجه خصخصة الجامعات، والدفاع عن الحريات، والتحدّي الرئيسي أمامنا هو العمل بشكل جادّ من أجل إنشاء اتحاد عام لطلبة الجامعات».

ولا يمكن إخفاء التحدّي الأمني الذي تواجهه هذه الحملات، كما يؤكد كلٌّ من دعاس وزهير. «المضايقات الأمنية لا ترعب القائمين على هذه الحملات، بقدر ما تخيف المواطن من الإقبال عليها، والالتفاف حولها»، يقول دعاس، مضيفاً: «استمرارية الحملة تنبع من أمرين: مدى امتدادها الطالبي، ومدى تحمس أعضاء لجنة المتابعة للعمل، كونها ليست حملات فوقية، فهي حملات شبابية طالبية».

لكن زهير، يوضح أن إقبال المواطنين على حملتهم، يعتمد بشكل كبير على الظروف المعيشية والسياسات الاقتصادية المتبعة، ويضيف: «عندما رُفعت الأسعار كان هناك تجاوب من المواطنين، وكانوا ينتظرون النشرات التي نوزعها في الشوارع، وتم خلال أسبوع واحد جمع 1500 توقيع على إحدى العرائض، لكن الإقبال على الحملة قلّ في الوضع الراهن، في ظل انخفاض الأسعار، والرضا النسبي من المواطنين على ما يجري».

ولا يستبعد ساري أن يكون لهذه الحملات تأثير، بخاصة أنها جاءت نتاج عوامل متضافرة اقتصادية واجتماعية في المجتمع. فقد يكون لهذه الحملات قدرة على استقطاب الانتباه للمجموعات التي تمثلها، ومحاولة الضغط في توجيه السياسات الجامعية لصالح الأعضاء، لكنها لا ترقى لمستوى منظمات المجتمع المدني الفاعلة، واستمراريتها تعتمد على استقلاليتها في التمويل والتنظيم».

يرى ساري أن هذه الحملات «على المدى البعيد، قد تتطور بمزيد من التنظيم والفاعلية»، مؤكداً أنها لا يمكن أن تحلّ مكان الأحزاب: «لا أحد يستطيع أن يقوم بدور الأحزاب إلا الأحزاب نفسها في تنشئة سياسية حقيقية».

الحركات الاجتماعية تعدّ من أهم نتائج حرية التعبير وانتشار التعليم والحرية الاقتصادية، وهو ما جعل الغرب الموطن الحقيقي لمثل هذه الحركات، وقد طور علم الاجتماع وعلم السياسة نظريات عدة أبرزُها إيجاد علاقة بين الحركات الاجتماعية الشهيرة وإنشاء أحزاب سياسية جديدة، إضافة إلى مدى تأثير الحركات في ترتيب الأولويات السياسية داخل الدولة.

الحركات الاجتماعية في الأردن: حملات يافعة وأحزاب شائخة
 
16-Apr-2009
 
العدد 72