العدد 71 - اقتصادي
 

محمد علاونة

لكن إحداث تغيرات في حجم تلك الكميات التي تقيس قوة اقتصاديات دول بعينها، يؤثر في سعر الذهب، ويمكن أن يتكبد تجارٌ بسببه خسائرَ في قِيَم كميات يحتفظون بها بعد أن اشتروها بأسعار مرتفعة.

أمين سر نقابة تجار الحلي والمجوهرات ربحي علان، يرى أن أسعار الذهب لم تعد عرضة للمضاربة مثل السابق، وباتت تحكمها كميات العرض والطلب. ويضيف: «يمتلك مستثمرو الصناديق التي تتاجر بالذهب في الوقت الراهن أكثر من 865 طناً من المعدن الثمين، بعد أن زادوا هذه الكميات بنسبة 43 في المئة العام الماضي».

أصبحت هذه المجموعة، بحسب علان، تحتل المرتبة السابعة بين أكبر الجهات العالمية امتلاكاً للذهب، حيث لا تتفوق عليها سوى احتياطيات الولايات المتحدة، وألمانيا، وصندوق النقد الدولي، وفرنسا، وإيطاليا وسويسرا.

المعطيات الحالية تشبه، إلى حد كبير، ما حدث في العام 1980، فحاليا يشهد العالم اضطرابات اقتصادية يصاحبها نمو في معدلات التضخم، ومزيد من الضعف بالنسبة للدولار.

في العام 1980 كانت مؤشرات الاقتصاد مشابهة، عندما اندفعت الدبابات السوفييتية داخل أفغانستان، ولجأ المستثمرون إلى الذهب، رافعين بذلك سعر أوقيته إلى معدل قياسي بلغ 850 دولاراً، وكانت أسعار النفط في الوقت نفسه ترتفع بقوة مدفوعةً بعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث كان سعر الدولار يهبط بشدة، وسط مخاوف من ركود اقتصادي أميركي.

سعر أوقية الذهب ارتفع بشدة العام 1980، من 400 إلى 850 دولاراً خلال أسابيع قليلة فقط، لينهار بعد ذلك بعام واحد إلى 300 دولار للأوقية.

بعد مرور 28 عاماً على ذلك، تعود نظرية هبوط أسعار الذهب للواجهة مجددا، تؤيدها المعطيات الراهنة من تذبذب حاد في أسعار النفط، وضعف الدولار، واضطرابات سياسية جديدة أبرزها محاولة الولايات المتحدة الدفع باتجاه إرسال آلاف الجنود لأفغانستان.

لكن علان يشير إلى أن ما حدث في العام المذكور أدارته مضاربة شديدة في الاتحاد السوفييتي الذي كان مغلقا اقتصاديا، ولا يؤدي دورا رئيسيا في الدورة الاقتصادية العالمية، ما أعطى هامشا للمستثمرين للتلاعب بالأسعار، بعكس الآن. يقول: «الأسواق مفتوحة وتحررت من قيود عديدة. صناديق الادخار تحتفظ بأكثر من 25 في المئة من الاحتياطي العالمي»، في إشارة منه إلى أن الذهب ما زال ملاذا آمنا، وسيحتفظ بمستويات قياسية، في ظل توقعاته بأن الاقتصاد العالمي سيعيش ركودا مؤكدا العام الجاري.

مجموعة العشرين التي اختتمت أعمالها في لندن الأسبوع الفائت، وافقت لصندوق النقد الدولي على بيع 403 أطنان من مخزوناته من الذهب البالغة 3217 طنا (نحو 103.4 مليون أوقية)، في إطار خطة لتعديل هيكل دخْله لتأسيس وقْف من أرباح البيع.

كانت فكرة البيع في السابق مردُّها جمع أموال للدول منخفضة الدخل، لكن مع الأزمة المالية العالمية، واحتياج أعداد متزايدة من الدول للتمويل، قررت مجموعة العشرين مؤخراً تخصيص أرباح بيع هذه الكمية من الذهب للموارد التي ستوجَّه للدول النامية والفقيرة.

حالة ارتباك شهدتها الأسواق الأسبوع الفائت، سببُها وجود فترة زمنية بين قرار البيع، وعملية البيع فعلياً.

بيع ذهب الصندوق، يتطلب تصديق المجالس التشريعية في الدول الأعضاء، ومنها الكونغرس الأميركي، وهو قرار يحتاج لبضعة أشهر على الأقل.

ويتفق تاجر الذهب محمود سكجها مع ما ذهب إليه علان بقوله إن أسعار الذهب تأثرت بعد قمة العشرين، مستدركاً أن تراجع الأسعار «كان ضمن معدلات طبيعية».

علان يشير إلى أن أسعار الذهب تراجعت بشكل ملحوظ من 950 دولارا للأونصة، سجله سعر الذهب الأسبوع الفائت قبل قمة العشرين، إلى 900 دولار حاليا.

كانت أسعار الذهب تعرضت لضغوط شديدة في العام 1999، بعد إعلان وزارة الخزانة في بريطانيا أنها ستبيع نصف احتياطي البلاد من الذهب.

ذلك الإعلان دفع بعض النقاد إلى إعلان نهاية الذهب كفئة موجودات للاستثمارات الخاصة والرسمية، كما أدى مصحوباً بتهديدات مماثلة من جانب عدد من البنوك المركزية، إضافةً إلى انتعاش أسواق الأسهم، مع زيادة التضخم وضعف الدولار الأميركي، إلى اهتزاز وضْع الذهب الذي تراجع سعر أوقيته إلى معدل قياسي خلال 21 عاماً، بلغ 250 دولاراً، بحسب مجلس الذهب العالمي.

في غضون أشهر من قرار الخزانة البريطانية، أبدت بنوك مركزية أخرى مخاوف من آثار البيع الاعتباطي، فلجأت إلى إقامة حلف عرف باسم «اتفاقية الذهب بين البنوك المركزية»، بهدف وضع سقف للمبيعات، أي وضع حد أدنى للسعر بصورة فعلية.

علان يؤكد عدم وجود حلف فعال في الوقت الراهن، ما يؤكد نظريته بأن أسعار الذهب تحكمها قوانين العرض والطلب، لا قيود تصدرها مجالس أو هيئات.

سكجها يشير إلى زيادة ملحوظة في الطلب على المجوهرات، بعكس ما يشاع. وهو يرى أن ارتفاع الأسعار نأى بالذهب عن استخدامه كزينة، وأصبح يُعدّ وعاء ادخارياً بالدرجة الأولى.

وهو ما يؤيده علان بقوله إن «المؤشرات الاقتصادية في العام 2007 كانت مشابهة للمؤشرات الراهنة، لكن الطلب على الذهب زاد بسبب ارتفاع الدخل الذي تتلقاه الطبقات الوسطى في الاقتصاديات الناشئة التي كانت تمثل الجهات الأكثر شراء للذهب، بما في ذلك الصين وتركيا والشرق الأوسط إضافة إلى الهند». حيث قفز الطلب على المجوهرات الذهبية في الهند نحو 40 في المئة خلال العام المذكور، كما ارتفع الطلب الصيني بنسبة 24 في المئة، وارتفع الطلب في الشرق الأوسط بنسبة 14 في المئة، بحسب علان.

لم يجد العالم، وتحديدا دول العشرين، غير الذهب ملاذا لتمويل خطط إنقاذ اقتصادية، من خلال تسييل كميات من احتياطي العالم من المعدن الأصفر.

المعدن الأصفر يحتفظ بقيمته رغم محاصرة الأزمات الذهب يقاوم معطيات هبوط بدأ قبل 29 عاماً
 
09-Apr-2009
 
العدد 71