العدد 71 - اقليمي
 

رياض الغساني

القاهرة - فضّ الوسيط المصري الجولة الأخيرة من الحوار الفلسطيني في القاهرة في يومها الأول، مطلع نيسان/إبريل الجاري، لكنه التقى ‏وفدي حماس وفتح في اليوم التالي قبل منحهما مهلة أخرى حتى نهاية الجاري للعودة بأفكار جديدة للخروج من المأزق ‏بين الجانبين. ففي ردهة فندق الأنتركونتننتال في مدينة نصر حيث يقيم الوفدان، كان يمكن مشاهدة مسؤولي حماس وفتح ‏يجلسون معاً، يتبادلون الأحاديث الودية والأطعمة، ولكن عندما يغيبون في مقر المخابرات المصرية حيث يجري الحوار، ينغمس ‏الجانبان في نقاشات وجدل‎ يتخذ طابعاً عصبياً أحياناً.. ثم يعودون مبتسمين معاً عند ‎مدخل الفندق.

في جلسة مطلع نيسان/إبريل عاد الوفدان إلى الفندق،‎ قرابة ‎ العاشرة والنصف ليلاً يتقدمهم أحمد قريع، رئيس وفد فتح، ‎وموسى أبو مرزوق رئيس وفد حماس، وسرعان ما انفصل الوفدان كل ‏في طريق إلى غرفه في الفندق، فيما منع رجال الأمن المصري الصحفيين من الاقتراب أو الحديث، حيث التزم الطرفان ‏الصمت بناء على طلب مصري، وتوجه أبو علاء إلى جناحه يتبعه أعضاء وفده، وكان يردد أنه لا جديد، فالمواقف نفسها، ولم ‏يتم تجاوز العقبات سواء في مجال برنامج حكومة التوافق أو الانتخابات أو القيادة المؤقتة لمنظمة التحرير أو إعادة بناء ‏أجهزة الأمن. وكان قريع يتحدث بشرط عدم النشر.. لكن عدم النشر، أبيح لاحقاً عندما شرع الناطقون باسم حماس في الأيام التالية يحمّلون فتح مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق وأن «حماس متمسكة بالثوابت ‎وللمقاومة.. الخ».

ورغم أن الجانبين اتفقا على أن الحوار لم يفشل، إلا ‎أنهما لم يتحدثا عن تحقيق أي إنجازات، فبالنسبة لبرنامج حكومة التوافق ‎ما زالت حماس ترفض أن يتضمن الالتزام بالاتفاقات التي وقعتها منظمة ‎التحرير، وبالقرارات الدولية. فيما تقول فتح أن حماس غير مطالبة بالالتزام طالما أن ‏الحكومة غير فصائلية بل حكومة مستقلين انتقالية تمهد للانتخابات التشريعية والبرلمانية في كانون الثاني/يناير المقبل، ‏ويمكنها أن تعلن التزامها بالتزامات منظمة التحرير بعيداً عن حركة حماس. وترفض فتح العودة إلى صيغة اتفاق مكة عند ‏تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية والتي استبدلت الالتزام بالاحترام. فتلك الحكومة انهارت بعد ‏انقلاب حماس أو ما تسميه الحسم العسكري في غزة، ولم تستطع فك الحصار المالي، والسياسي ‏وبالتالي، فإن العودة إلى تلك الصيغة لن يثمر، ويمكن لحكومة التوافق غير الفصائلية أن نعترف ‎بكل الالتزامات دون تحميل حماس أية مسؤولية.

بشأن‎ الانتخابات، فإن فتح تريدها بنظام التمثيل النسبي الكامل، ‎وليس مناصفة بين التثميل النسبي والدوائر، فقد سبق للرئيس الفلسطيني أن ‎أصدر مرسوماً رئاسياً باعتماد التمثيل النسبي، وكان نظام المناصفة السابقة نتاج حسابات بعض نواب فتح في المجلس التشريعي السابق، الذين رفضوا التمثيل النسبي الكامل بهدف ضمان فوزهم لاحقاً في ‏دوائرهم خشية عدم ضمهم إلى قائمة فتح.. وكانت النتيجة أن حماس المنظمة جيداً فازت في الانتخابات رغم نيلها ‏أصوات أقل من فتح بفضل تشتت أصوات فتح بين مرشحين معتمدين ومرشحين خاضوا الانتخابات فردياً. هذه العقبة ما زالت تراوح مكانها دون حسم.

بخصوص منظمة التحرير، فإن البحث يتركز على قيادة‎ ‎مؤقتة، إلى حين انتخاب أطر جديدة للمنظمة بهدف إصلاحها. تريد حماس أن ‎تكون القيادة‎ «ممثلة لكل شعبنا» فيما ترفض فتح ذلك ‎حتى لا يتم تكريس ‎القيادة المؤقتة كدائمة. وبخصوص الأجهزة الأمنية، فإن فتح اقترحت ‎تشكيل قوة أمنية من حماس، وفتح تتولى ضبط الأمن في غزة، مع بناء أجهزة ‏الأمن في غزة لكن حماس تطالب بالشيء نفسه في الضفة الغربية، وتصر فتح أن الوضع في الضفة هادئ ويمكن معالجته لاحقاً ‏والأولوية لغزة. وبخاصة أن الضفة تحت الاحتلال، ومن الصعوبة بمكان إعادة بناء أجهزة أمنية بمشاركة حماس في ظل ‏الاحتلال ودون تهدئة مسبقة.‏

رغم هذه العقبات ما زال ثمة من يراهن على تذليلها لاحقاً، فالسلطة كما يقول مسؤولون فيها، تعاني ضغوطاً عربية، ‏تصل إلى حجب المساعدات المالية، وحماس لا تعيش في شهر عسل، فالحصار يزداد من حولها، وشبكة الأنفاق تقلصت ‏وتواجه ضغوطاً داخلية في غزة لإعادة إعمار غزة، وخسرت ‎تعاطف بعض الدول وعلاقاتها مع مصر في أسوأ حالاتها. الطرفان بحاجة ‎إلى حل للخروج ‎باتفاق. لكن حتى الآن لا يبدو في الأفق أي توافق، وثمة ‎اقتراح بتولي الرئيس عباس مسؤولية تشكيل حكومة جديدة ما يعفي حماس من ‎عبء الاعترافات، ‎لكن الاقتراح الذي طرح بعد الانتخابات ولم يؤخذ به من المستبعد أن يرى النور حالياً. مع ‏ذلك يقول المتحاورون إن الحوار لم يفشل بل ربما فشل المتحاورون فقط.‏

الحوار الفلسطيني لم يفشل.. فَشِلَ المتحاورون!
 
09-Apr-2009
 
العدد 71